علاء الشغانبي
جاء السنوار إلى العالم بعد 14 سنة من إحتلال الصهاينة لفلسطين، الكيان الذي كانت ثمرة احتلال فلسطين واقتسام القوى الغربية لمنطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها كانت أكثر من شيء آخر، وكما يفترض أن يرى العالم جميعا الآن، وريثة نظام الاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية.
كان للسنوار تأملاته العميقة عندما كان أسيراً في المعتقل الصهيوني، وأخبرنا: «أرادوا أن يكون السجن قبراً لنا. طاحونة لإرادتنا وتصميمنا وأجسادنا». ومع ذلك، تبدو إرادته لا تقهر. في يوم إطلاق سراحه في العام 2011، بعد 22 عاماً من السجن، ألقى السنوار خطاباً في تجمّع حاشد في غزّة للاحتفال بحرّيته وتعهّد بالإفراج عن جميع السجناء الفلسطينيين بـ«خطة فورية» وتوفير جميع الموارد اللازمة لها.
تركّزت رؤيته وإستراتيجيته على هدف محور المقاومة المتمثّل في إنهاء الاحتلال الصهيوني بكل الوسائل المتاحة. بالنسبة إلى السنوار، ليس مسموحاً أن يبرز أي مؤشر عن الضعف، كان أكثر قوة وصلابة. وفي هذا الصدد، هو أقرب إلى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، أحد مؤسّسي حركة حماس، الذي اغتاله الإحتلال في غزّة في العام 2004، أسوة بمؤسّسها الشيخ أحمد ياسين. لقد ولد السنوار ونشأ في غزة، ونادراً ما سافر إلى الخارج وانخرط بالطريقة نفسها التي ينخرط بها نظراؤه في الوقت الحاضر.
وهذا يعني أن نظرته للعالم تركّز على غزّة أولاً، وعلى معاناة سكانها البالغ عددهم 2,3 مليون نسمة، والمقاومة التي يقودها من أجل حرّيته، لم يختر السنوار، ولا الفلسطينيون كلّهم، هذا المصير الشاق، ومن يدرس الحقبة التي قضاها على الأرض سيجد أن حياته كانت مزيجا من محاولة فهم هذا الظلم بالدراسة والنضال العنيد لتغييره، فبعد انتهاء دراسته في ثانوية المخيم للبنين، انتقل إلى الجامعة الإسلامية في غزة حيث تخرج من شعبة الدراسات العربية، ثم استغل 23 عاما أمضاها في سجون الصهاينة (أي أكثر من 37% من سنوات حياته حتى اليوم)، ليتعلم العبرية وليؤلف ويترجم كتبا، وليشارك، في الوقت نفسه، من داخل السجن وخارجه الكفاح للتحرر، بالمعنى الشخصي والعام، من ربقة الظلم التاريخي.
لا يمكن تذكّر الشهيد السنوار، اليوم ولاحقا، خارج الصراع مع سردية الحقبة الاستعمارية والعنصرية والإبادية للغرب والصهاينة، ولكن الاختلاف، في استذكار إرثه، ضمن الفلسطينيين والعرب أنفسهم سيكون على قرار الهجوم على مستوطنات غلاف غزة، الذي أدى، من جهة، لديناميّة تاريخية كبرى أدخلت ما يسمى “محور المقاومة” في الحرب على الكيان المؤقت.
غير أن هذا القرار، أدى نتيجة الظروف الدولية والعربية والمحلية لديناميّة أخرى مضادة قادها الصهاينة، فارتكبوا خلالها فظاعات كبرى تجتمع فيها إرادة التطهير العرقي والإبادة الجماعية مع أحلام التوسع والاستيطان، وساهم اندفاعهم الإجراميّ الهائل الذي التحف بدعم غربي وعجز عربي فادح، في أكلاف كبرى للفلسطينيين، يمكن مقارنتها بنكبة عام 1948، كما فتح شهوة الكيان الصهيوني لضم مزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، ولتنفيذ خطط لـ”إعادة تشكيل الشرق الأوسط”، بما في ذلك حرب تجرّ فيها الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب، لتدمير الشرق الاوسط.
سيتذكّر التاريخ السنوار كمسؤول رئيسي عن منحنى حادّ في فلسطين والشرق الأوسط والعالم، ومثل كل المنحنيات التاريخية، وفي الأثناء سيعود الشهيد أبو إبراهيم السنوار إلى رحم الأرض التي قاتل لاستعادتها، وسيرتقي بروحه منها إلى بارئه، وسيتذكره الفلسطينيون كأحد قادتهم الكبار.