أهالي شمال قطاع غزة على موقف واحد: لن نرحل.. الموت ولا المذلة

لا تزال عملية التطهير العرقي والإبادة مستمرة في مناطق شمال قطاع غزة، مخلفة نحو 700 شهيد وآلاف الجرحى الذين يواجهون خطر الموت بسبب انعدام سبل العلاج بسبب استهداف المستشفيات، إلا أن أهالي الشمال يصرّون على موقف واحد: من الشمال إلى السماء.

2024-10-23

تمسك مرح غباين هاتفها الذكي محاولة قراءة بعض الأخبار كي تطمئن نفسها، لتجد قصف مستشفيين اليمن السعيد والعودة ومحاصرة كمال عدوان وحرق الإندونيسي، أفلتت الهاتف من يديها لكنها عادت من جديد لترى آخر المواقف الدولية من العملية البرية العسكرية في شمال قطاع غزة، فلم تجد شيئاً سوى المطالبة بزيادة المساعدات الإنسانية التي لا تصل إلى الشمال.

 

تقول مرح في حديثها للميادين نت إنه “قبل نزوحي إلى مدينة غزة ظننت أن الحصار والمجاعة على المنطقة الشمالية فقط، لكنني عندما أصبحت في المدينة، وجدت أن منطقة شمال وادي غزة تشهد المأساة نفسها والهدف واضح: التهجير من تلك الأراضي باستعمال القوة النارية والتوغل البري للآليات العسكرية”.

 

تؤكد مرح أنها صاحبة الأرض، ولدت وكبرت فيها وشبعت من خيرات أرضها وجمعتها معها ذكريات لا تنسى، خاصة مخيم جباليا، حاضن الثورة والتمرد على المحتل، مهد حكايات الشعب الفلسطيني، لذلك هي والجميع يتمسكون بحق البقاء في المخيم، ويتمنون انتهاء العملية العسكرية من أجل إليه عما قريب.

 

يُذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، حاصرت عدداً من مراكز الإيواء في محيط مخيم جباليا، وفصلت النساء والأطفال عن الرجال لتعتقل الصبيان والشيوخ والرجال، وتأمر السيدات والفتيات بالنزوح جنوباً، لكنهن لم ينصعن للقرار، بل سلكن الطريق الذي يؤدي إلى مدينة غزة، وبات الكثير منهن في الطرقات وعلى الأرصفة.

 

بدورها تقول سمية سكيك إنها وجدت عائلة من النسوة والأطفال يفترشون الطريق في الحي الذي تقطن فيه بمحيط السرايا غرب مدينة غزة، فأفرغت غرفة في منزلها واستضافتهم فيها، “لكن عندما انتصف الليل بدأت سلسة أحزمة نارية مروعة أفاقت جميع سكان المناطق الغربية في المدينة، مما أثار فزعهم.. لقد أُخرجوا من الموت ليموتوا هنا”.

تعلم سمية أن جميع من في الشمال معرضون لنزوح مفاجئ في أي وقت، لهذا تصر على مساعدة أبنها وطنها، لافتة إلى أنه “على الرغم من الزاد والماء القليل إلا أن تقاسمهم مع المحتاجين لا ينقص منهم، لأن الخير يكثّره الله”.

 

تعود بنا سمية للحديث عن يوم الذي جدد فيه الاحتلال رمي المناشير للإخلاء إلى جنوبي الوادي في 5 من أكتوبر الماضي، منادية على أحد أحفادها لتطلب منه تجميع أكبر قدر ممكن من الأوراق وجلبها إليها، وعندما سألها حفيدها عن السبب أجابت: “لا أجد ما أشعل به النار، أريد شرب فنجان قهوة في بيتي، وتلك الأوراق لا تصلح إلا لتلك المهمة”.

 

لا تُعتبر السيدة الغزية حالة متفردة، فهي واحدة من آلاف الصامدين في شمال القطاع الذين عبروا عن رفضهم ترك أرضهم بطرق مختلفة، ومنهم الجرحى في مستشفى كمال عدوان عندما لبسوا الأكفان دلالة على أنهم يفضلون الموت على ترك الشمال، لأنهم حينها سيموتون بطرق أكثر قسوة.

 

يضحك محمود أبو هربيد، وهو يردد: “الموت ولا المذلة”، لافتاً إلى أنه كان يظنه شعاراً عادياً قبل العدوان على غزة، لكن بعدما شاهد تلك الظروف التي فرضت عليه، تيقن من مصداقيته، بل أصبح يتبعه بشعار آخر “من الشمال إلى السماء”، كون حبه لأرضه لا يجعله متمسكاً بها فحسب، بل يجعله يستشعر قيمة كل ذرة تراب فيها.

 

نزح محمود بحسب ما أفاد لنا من منطقة بيت حانون، ليس متخلياً عن أرضه بل ليحافظ على الروح التي وهبها الله له، فنظف أحد المحلات التي دمرها الاحتلال في عمليات برية سابقة في حي الصحابة وسط مدينة غزة، وعاش داخله متدبراً أموره بالطعام والأغطية، التي أصبحت ذات أهمية كبرى مع انخفاض درجات الحرارة في الليل مؤخراً.

 

يروي محمود أنه وعائلته تحملوا الجوع لمدة عام كامل، فكان عليه أهون من ترك المكان الذي عاش وكبر فيه، بل ويستعد لتحمله لأعوام على أن يتركه.

 

ومن الجدير ذكره أن مدينة غزة تشهد مجاعة تضاهي المجاعة الأولى، فلم يدخل إليها أي مساعدات غذائية منذ 20 يوماً حتى اليوم، مما سبب في ارتفاع أسعار المعلبات والأرز لأضعاف، وسط تعتيم إعلامي وتصريحات ووعود كاذبة باستئناف إدخال تلك المساعدات.

المصدر: الميادين

الاخبار ذات الصلة