موناسادات خواسته
الأدب منذ القِدَم حتى يومنا هذا وحتى في المستقبل يبقى خالداً، ونظراً للأحداث التي مرّت على الشعوب خلال العصور الماضية، ومنها القضية الفلسطينية والعدوان الصهيوني، شهدنا أنه ظهر هناك أدب يقاوم المحتل والظالم، الأدب الذي سُمّي فيما بعد بـ”أدب المقاومة”، وبعد ذلك تشكلت دول محور المقاومة التي تدافع على خط واحد، بمختلف الصور الفنية والأدبية وغيرها إضافة إلى المقاومة العسكرية، ومنها البلد الشقيق العراق، حيث شهدنا إصدار كتب وآثار أدبية رائعة في مجال المقاومة وغيرها. وقبل فترة أقيم معرض بغداد الدولي للكتاب أيضاً، ففي هذه الأجواء أجرينا حواراً مع رئيس إتّحاد الكُتّاب العراقيين “الدكتور علي حسن الفواز” الذي هو أديب وناقد وشاعر أيضاً، وسألناه عن الثقافة والأدب والمقاومة، وفيما يلي نص الحوار:
الثقافة عنصر قوة للمجتمع
بداية، أبدى الدكتور علي الفواز رأيه عن تأثير الشعر والأدب في الثقافة والمجتمع، وقال: لا شك أن الثقافة بتوصيفاتها المتعددة الأدبية والعلمية تُشكل عناصر قوة للمجتمع، في نهضته وتقدمه وفي تنميته، وفي تعزيز رهانات العقل النقدي الذي تحتاجه الأمم في برامج المراجعة والتقويم.
مجتمعاتنا التي تواجه تحديات كبيرة تدرك أهمية المشاريع والبرامج الثقافية وضرورتها في تعزيز مسارات المواجهة والمقاومة، وفي تأصيل قيم الهوية والإنتماء وترصين البناء المجتمعي، وبقدر الحديث عن أهمية الثقافات الأدبية والعلمية، وتأثيراتها في تحقيق أهداف الوعي؛ لكن ذلك يتطلب وجود البنى المؤسسية والقوانين والموازنات ومراكز البحوث، والأطر التعليمية الخاصة بالكليات والمعاهد، والجهات المعنية بصناعة الكتاب والسينما والمسرح، والتي تشكّل اساسيات البنى التحتية للعمل الثقافي الأدبي والعلمي، وعلى نحوٍ يجعلها أكثر تواصلاً وفعلاً وتأثيراً في صناعة البيئة المناسبة، والمنابر المناسبة، والخطابات المناسبة، وباتجاه أن تكون قادرة على صناعة “الرأي الثقافي” العام الذي يتأثر ويؤثر في ديمومة التواصل الثقافي، وفي تنمية ما هو ايجابي ومعرفي من قيم الإستهلاك الثقافي.
أدب المقاومة
وفيما يتعلق بمكانة أدب المقاومة، خاصة في ظل الظروف الحالية وما يجري في غزة، قال رئيس اتّحاد الكتّاب العراقيين: ما يحدث من وقائع، ومن تحديات يجعل أدب المقاومة عنواناً كبيراً في صياغة أسئلة الوعي، وفي تمكين الإرادة، وفي التعرّف على حقائق الصراع، وأهداف الآخرين ومشاريعهم الإستعمارية، التي تعمل على تحويل القتل الممنهج للشعوب إلى سياسات دائمة للعزل الحضاري، ولتغييب الوعي بالإستحقاقات الوطنية والقومية والشرعية، وهذا ما يجعلنا ندرك خطورة ما يجري في غزة وفي جنوب لبنان من عدوان عنصري، ومن جرائم حرب فاضحة ضد الإنسانية، إذ يهدف العقل الإستعماري والصهيوني إلى الغلو في ذلك العدوان، وفي سياسات العنف والفصل العنصري، وباتجاه التمهيد لتوريط العالم في حرب حضارية شاملة يمارس من خلالها الإستعمار الجديد والليبرالية الجديدة عدواناته الثقافية والانسانية، ولأهداف تتبدى من خلال فرض هيمنة المركزية الغربية، وتغييب الحقوق المشروعة، وقطع الطريق على أي خيارات للتنمية والتقدّم والإستقلال لكل شعب من الشعوب.
الأديب والكاتب مصادر القوة المعرفية
وحول الأمور التي تقع على عاتق الكاتب والأديب، يعتقد الدكتور علي الفواز أن الأديب والكاتب هما مصادر القوة المعرفية التي يمكن أن تتصدى لمواجهة العدوان والإرهاب والتكفير، وباتجاهٍ يجعل من قوة الكتابة الأدبية ومن فعلها الإنساني والثقافي والجمالي مصادر لقوة الوعي، ولقوة المسؤولية والإرادة، ويقول: إحسب أن ما يحدث اليوم من صراعات وتحديات جعلت الأديب في الواجهة، وفي سياق التمكين الثقافي وما يتطلّبه من إجراءات ومواقف، ومن وعي نقدي، يُسهم في فضح المؤامرة الإستعمارية والصهيونية، وجعل الخطاب الثقافي فاعلاً في اسئلته، وفي تأثيره وفي جدواه، والمساهمة في تحمّل مسؤولية قيادة وتعبئة الجمهور، وخلق روح الامل والثقة بالارادة والحقوق والمستقبل.
الثقافة الإيرانية – العربية المشتركة
وبعد ذلك، دار الحديث حول الثقافة الإيرانية – العربية المشتركة والآثار الموجودة في هذا المجال، فقال رئيس اتحاد الكتّاب العراقيين: العلاقة بين الثقافتين العربية والإيرانية لها جذور تاريخية، دينية وانسانية وعلمية وأدبية، وهذا ما يجعل الحرص على إدامتها جزءاً من مسؤولياتنا في العمل الثقافي، وفي تحويل الشراكة الثقافية إلى قوة، وإلى مصادر مهمة في تنمية الحوار الحضاري والإنساني بين الثقافات، وفي مواجهة التحديات المشتركة.
كما تشهد المشاركة الإيرانية الفاعلة في مؤتمراتنا وفي مهرجاناتنا الثقافية زخماً كبيراً، وحضوراً لافتاً، وهو ما يؤكد ذلك العمق التاريخي، وحقيقة التشارك والتقارب العميقين بين الثقافتين، لاسيما في المجالات الأدبية، وفي التواشج الروحي ضمن مساراته الشعرية والصوفية، وحتى في مجال الترجمة الثقافية بين الأدبين العربي والإيراني، والتي تشهد الآن تطوراً واضحاً، يجعلنا أكثر حرصاً على توطيده وتطويره.
الحضور المميز لفلسطين في معرض بغداد
أما قبل فترة أقيم معرض بغداد الدولي للكتاب، فتحدث الأستاذ علي الفواز عن غالبية الآثار المشاركة في هذا المعرض، ومكانة فلسطين وغزة فيه، حيث قال: شهد معرض بغداد الدولي للكتاب في دورته الخامسة والعشرين حضوراً كبيراً لأكثر من 400 دار نشر محلية وعربية وإسلامية ودولية، وأكثر من 22 دولة وهذا تأكيد على أهمية التبادل الثقافي، وفي أن يكتسب الكتاب قوة فاعلة في تغذية الحوارات بين ثقافات الشعوب.
لقد كان لفلسطين وغزة الحضور المميز في هذا المعرض، على مستوى مشاركة اتحاد الأدباء والكتّاب الفلسطينيين، أو على مستوى مشاركة دور النشر الفلسطينية، فضلاً عن المشاركة الفاعلة في الندوات التي أقيمت على هامش المعرض، ومنها ندوة “فلسطين وتحديات العدوان” وندوة شعرية للشاعر “تميم البرغوثي”، وإقامة جلسات شعرية شارك فيها شعراء عراقيون وعرب، كانت فيها غزة هي الروح المتوهّجة.
دعم القضية الفلسطينية بالقلم
وعندما سألنا رئيس اتحاد الكتّاب العراقيين عن كيفية الدفاع عن القضية الفلسطينية بالقلم والكتابة، وكذلك توثيق جرائم الكيان الصهيوني، هكذا ردّ علينا بالجواب: صناعة الوثيقة من أكثر الصناعات الثقافية أهمية، تاريخياً وقانونياً، ولا شك أن توثيق جرائم الكيان الصهيوني تُشكّل مسؤولية وتحدياً كبيرين، ودافعاً إلى توسيع مساحة العمل الثقافي بمستوياته المتعددة، البحثية والأكاديمية والأركولوجية والفنية، على مستوى دعم البرامج الإعلامية والفنية العاملة في مجال توثيق الحدث الفلسطيني، وتوثيق جرائم العدوان الصهيوني، وما أحدثته من تدمير كبير للمدن، وللقتل العشوائي للمدنيين وللعاملين في مجالات الإعلام والصحة والخدمات الإنسانية، فضلاً عن العمل الدؤوب على توثيق يوميات الخطاب الفلسطيني الذي يرقب الحدث، والدعوة إلى إدامة عقد الندوات الفكرية والمحاور الثقافية والعلمية لتعزيز وتنشيط قوة الرأي العام، في الضغط الثقافي والشعبي، وفي فضح الجرائم الصهيونية وسياسات الكيان الغاصب في التهجير والتطهير العرقي والعنصري وفي القتل الهوياتي للشعب الفلسطيني.
الدفاع عن الحق الفلسطيني التاريخي حق ثقافي وأخلاقي وإنساني، وأن تحوّل غزة الفلسطينية إلى عنوان إنساني كبير في المحافل الدولية، وفي تظاهرات جامعات العالم هو تأكيد على أهمية ذلك الحق، وعلى ضرورة تنمية أسئلة الوعي النقدي به، عبر نشر الصورة وصناعة الخطاب والترويج للقصة والرواية والقصيدة والمسرحية والمقالة، فكلّ هذه العناصر تلعب دوراً كبيراً في صناعة المنابر والمتاريس والوعي الناقد الرافض للهيمنة والظلم والإستبداد.
فعاليات اتّحاد الكتّاب لمساندة الحق الفلسطيني
وفيما يتعلق بالمشاريع التي قام بها اتّحاد الكتّاب العراقيين في مجال نشر ثقافة المقاومة على المستوى الدولي والشرق الأوسط، قال رئيس الإتّحاد: الإيمان بالمستقبل، والثقة بالمقاومة يجعلنا أكثر حرصاً على المشاركة بكثير من الفعاليات المساندة للحق الفلسطيني، وتكريسها في ميادين العمل الثقافي المتعددة، وفي أن تكون عنواناً كبيراً حاضراً في كل المهرجانات والمؤتمرات التي نقوم بها، فضلاً عن التنسيق المتواصل مع الجهات الثقافية الفلسطينية الرسمية، والإتّحاد العام للأدباء الفلسطينيين، ودعوة الأدباء من فلسطين المحتلة للمشاركة في فعالياتنا الثقافية، كما تم التنسيق الرسمي لغرض طبع عدد من الكتب لبعض الأدباء الفلسطينيين، فضلاً عن قيامنا بالمشاركة في عدد من الفعاليات الثقافية مع عدد من جهات ثقافية ومراكز بحوث عربية دعماً للقضية الفلسطينية.
الوحدة الثقافية لمواجهة الأعداء
وحول الوحدة الثقافية لمواجهة الأعداء، هكذا أبدى عن رأيه الدكتور علي الفواز: طبعاً نحن ندعم أي توجّه حقيقي للتنسيق الثقافي بين القوى الفاعلة، وصولاً إلى صياغة أسس للوحدة الثقافية لمواجهة التحديات الكبرى، ومنها مواجهة العدو الصهيوني وقوى الإستعمار الجديد والمد اليميني العنصري وخطاب الكراهية المعادي للإنسانية، لكن صياغة هذا العقد الثقافي ليست سهلة، فهي تتطلب جهوداً إستثنائية وعملاً دؤوباً واتفاقات واضحة على برامج مشتركة، وعلى أهداف واضحة تطمح إلى إيجاد بيئة ثقافية مناسبة، ومهيّأة للتعاطي مع إستحقاقات المواجهة، حيث تتعزز أسئلة الوعي النقدي، واختيار السبل الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف التي نطمح لها.
رسالة الكتّاب الثقافي رسالة إنسانية
وعن رسالة اتّحاد الكتّاب العراقيين للعالم، قال رئيس الإتّحاد: رسالة الكتاب الثقافي هي رسالة انسانية ومعرفية نقدية، وهذا ما يجعلها تستقطب الفاعلين الرئيسيين لتوسيع مساحة نشر هذه الرسالة، وقد حرصنا على المشاركة في دعم كل الفعاليات الثقافية، ومنها معارض الكتب في عديد المدن العراقية، وكذلك العربية، وهذه الرسالة لها أهدافها الكبرى عبر دعم فعاليات القراءة، وتوسيع مشاركة المثقفين في بيئتها، فضلاً عن دعم صناعة الكتاب وتنمية الوعي بالإستثمار الثقافي، لاسيما وأن بغداد تملك تاريخاً حافلاً بالسيرة الثقافية، فعبر تاريخ ورّاقيها، وكتاتيبها ومدارسها ومراكز فكرها كانت عنواناً كبيراً للثقافات العربية والإسلامية وللترجمات التي جعلت منها المدينة القارئة والمنتجة للمعرفة، ونحن في هذا السياق نواصل مسيرة الشراكة والعمل الثقافي بالتنسيق مع دور النشر والجهات المعنية بصناعة الكتاب لكي نؤكد على أهمية تلك الشراكات ودورها في صياغة المستقبل، وفي مواكبة كل التطورات الثقافية، ومنها ما يتعلق بصناعة الكتاب الرقمي وفي توسيع مجال التكنولوجيا الثقافية.