مطران الأرمن الأرثوذوكس في أبرشية طهران وتوابعها للوفاق:

أرمن إيران يتمتعون بكامل حرياتهم الدينية والفكرية

حقوق الأقليات محفوظة في الدستور الإيراني للمسيحيين، فنحن نملك حرية ممارسة طقوسنا الدينية، وتعليم ديننا ثقافتنا ولغتنا الخاصة في مدارسنا

2023-01-21

الوفاق/ خاص / عبير شمص

يتمتع أرمن إيران، الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية بكامل حريّاتهم الدينية والفكرية والسياسية وهم لديهم عشرات الكنائس والأديرة  ودور العبادة وثلاث مطرانيات، فيما يتركّز انتشارهم في مدن طهران وأصفهان وشيراز وتبريز والأهواز. وخلال الحرب التي فرضها نظام الطاغية صدام على إيران، ضحى أكثر من 200 جندي من الطائفة الأرمنية بحياتهم دفاعاً عن بلدهم إيران. للإضاءة على وجود الأرمن في إيران وأهم معالمهم ومراكزهم، التي يعيشون فيها ويمارسون طقوسهم وتقاليدهم بحرية التقت جريدة الوفاق بسيادة مطران الأرمن الأرثوذوكس في أبرشية طهران وتوابعها المطران سيبوه سركسيسيان في كنيسة القديس سركيس التي تقع في شارع نجات اللهي، وكان هذا الحوار:

ما هو تاريخ وجود المسيحيين في إيران؟ 

يحتاج الجواب على هذا السؤال إلى ساعات ولكن بشكلٍ مختصر نقول إنّ وجود الأرمن في إيران يعود إلى ما قبل الميلاد يعني في أيام كوروش في القرن الخامس والسادس قبل الميلاد وإلى الآن، فوجود الأرمن في إيران هو وجود إستمراري فهم لم يقدموا إلى إيران في زمن ٍ ما ومن ثم رحلوا، بل بقوا فيها كجزء من المجتمع الإيراني، ويعتبر الأرمن في إيران وفي جميع أنحاء العالم  أن إيران وطنهم الثاني بعد أرمينيا، لأنّ تاريخنا مرتبط ببعض، ومن ثم إيران هي جارة لأرمينيا والشعب الإيراني هو شعب يعود بجذوره إلى جذور الشعب الأرمني نفسها ما يدفع من هذه الجهة أيضاً للترابط بين الشعبين. هذا ويرجع وجودنا في إيران إلى قرون ما قبل الميلاد ولكن في فترة  من الفترات في عهد الشاه عباس الذي احتل أرمينيا وحارب الأتراك نزح أرمن من أرمينيا إلى إيران  وتوزعوا في عدة مناطق، وتوجه العدد الأكبر منهم إلى أصفهان وبنوا هناك مدينة جديدة لهم سموها “جُلفة” وهذا كان في عام  1605  يعني في أوائل القرن السابع عشر، وأحيانا ًيخطئ المؤرخين  فيقولون بأنّ وجود الأرمن في إيران بدأ في القرن السابع عشر وهذا خطأ فوجودهم في إيران مثلما أوضحت لكم يعود إلى قرون ما قبل الميلاد وما بعده، كما إنّه في القرن الرابع كان هناك  جنوداً أرمن يحاربون إلى جانب الإيرانيين ضد أعداء إيران وهناك طبعاً دلائل تاريخية في هذا الصدد وذلك في القرن الرابع ميلادي.

في العصر الحديث كيف كانت هجرات الأرمن إلى إيران؟

كان مجيء الأرمن الى إيران في العصر الحديث بعد الإبادة الأرمنية التي ارتكبتها الدولة العثمانية وذهب ضحيتها في ذلك الوقت  مليون ونصف مليون أرمني والذين نجوا من الإبادة قدم قسم منهم إلى إيران والقسم الأخر توجه إلى لبنان وسوريا والعراق ومن هناك انتشروا في جميع أنحاء العالم .

ما هي أماكن انتشار المسيحيين حالياً  في إيران؟

يتواجد أكثر المسيحيين في إيران في منطقة تسمى المجيدية وثم نارمك شرقي طهران وفي منطقة حشمتية أيضاً حيث لدينا كنيسة ومدرسة ويسكن فيها حوالي أربعمائة عائلات أرمنية ولكن في نارمك ومجيدية يوجد عشرات الألوف من الأرمن هناك .

كم يبلغ عدد الأرمن في إيران؟

من الصعب تحديد العدد وهم يبلغون بشكل تقريبي حوالي الستين إلى سبعين ألف وهم بذلك يشكلون الوجود الأكبر من المسيحيين في إيران الذين يتوزعون على عدة كنائس، ففي إيران كنائس للأشوريين وكنائس للكلدان وكنائس بروتستانت (إنجيلية) وكلها كنائس حديثة، أمّا  كنائس الأرمن فهي كنائس قديمة جداً من جهة التاريخ ومن جهة البناء أيضاً، مثلاً في طهران لدينا كنيسة القديس كيفورك وكنيسة الرسل مارتلميوس وتاتيوس والتي يرجع تاريخ بنائها إلى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر 1795 ومن ثم  1808 م، ويوجد لدينا في أصفهان كنائس قديمة يعود تاريخ بنائها إلى أوائل القرن السابع عشر عندما قدم الأرمن من أرمينيا الى أصفهان وبنوا مدينة “جلفة، وقد بنيت هذه الكنائس مع تأسيس المدينة إذ بنيت أكثر من أربعة عشر كنيسة في حينها في تلك المنطقة، وما زالت هذه الكنائس موجودة إلى الآن، ولدينا كذلك في “فانك” في “جُلفة” مركز شهير في متحفه وكنائسه، يقصده السواح الذين يزورون أصفهان، وفانك كلمة أرمنية تعني باللغة العربية دير.

ما هي الطقوس والشعائر المسيحية التي تمارس في إيران وهل لديهم طقوس خاصة بهم؟

دينيا،َ الأعياد هي نفسها في كل العالم، نحن نحتفل بعيد ميلاد السيد المسيح(ع) مع بقية العالم المسيحي، ولكن هناك تقاليد خاصة بالشعب الأرمني مثل تحضير طعام خاص للمناسبة أو زيارات خاصة، هذه تقاليد تخص الأرمن ولكن الأعياد بغض النظر لإختلاف التاريخ هي نفسها ، فالعيد هو نفسه إنّ كان في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول أو السادس من شهر كانون الثاني، فالأهم بالنسبة لنا هو فحوى العيد ومعناه ولو اختلفت التواريخ مثلاً في الدين الإسلامي يحتفل قسم من المسلمين  بعيد المولد النبوي الشريف في تاريخ ويحتفل قسم أخر بعد أسبوع من ذلك التاريخ أو حتى في شهر رمضان أو عيد الأضحى، يعني دائماً أن هناك اختلاف في تواريخ الأعياد والمناسبات عند المسيحيين والمسلمين، ما يهم فعلاً معنى وفحوى العيد والذي لا أعتقد أنه يختلف عند أي طائفة من الطوائف المسيحية، وإن اختلفت بعض الطقوس، مثل طريقة الزيارات المتبادلة بين أرمن إيران للتهنئة بالأعياد، وخصوصية تحضير بعض الأطعمة الخاصة بهم، والشعب المسيحي يستمتع بهذه الزيارات مثلاً في ليلة عيد الميلاد أو عيد القيامة، حيث تجتمع العائلات على مائدة تضم طبق السمك بشكل رئيسي .

هل هناك قديسين تختص بهم إيران من الطائفة الأرمنية؟

لا شك أنه يوجد قديسين ولكن الكنيسة الأرمنية هي كنيسة قومية وليس للكنيسة تبشير مثلاً ليس لمسلم أن يتنصر وممنوع  ذلك أيضاً حسب مفهومنا، لأنّ الكنيسة الأرمنية هي كنيسة قومية  خاصة بالشعب الأرمني، طبعاً هناك عدد من الشهداء الأرمن الذين استشهدوا في إيران في سبيل إيمانهم، فقد عانى في بعض الفترات في إيران وخاصةً في القرن السابع عشر والثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، هذا تاريخ  قد مضى ونحن نتطلع  إلى الأمام ولا ننظر إلى الماضي،  لذلك بإمكاننا القول أنّ الأـرمن عانوا  في إيران في بعض الأوقات ولكن في الفترة الأخيرة  خاصةً في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ثّم بعد الثورة الإسلامية تغير وضع الأقليات الدينية للأفضل بشكلٍ ملحوظ.

كيف تصف واقع المسيحيين في إيران حالياً؟

حقوق الأقليات محفوظة في الدستور الإيراني للمسيحيين ومن ضمنهم الأرمن الذين يشكلون الأكثرية، فنحن نملك حرية ممارسة طقوسنا الدينية، وتعليم ديننا ثقافتنا ولغتنا الخاصة في مدارسنا، وهذا يشجع الشعب الأرمني على مواطنيته وإخلاصه للبلد، هذا ويوجد لدينا في طهران فقط  28 جمعية ثقافية ونسائية وعلمية وتربوية ورياضية…

الجدير بالذكر أنّ مدارسنا هي مدارس خاصة بالأرمن ولا تسمح الدولة لغير الأرمن من الانتساب لها، وهي تحافظ على برنامج الدولة التعليمي ومن ثّم على برنامجها الخاص بها والذي تعلم فيه اللغة الأرمنية والتاريخ الأرمني والديانة الأرمنية، بالنسبة للمجتمع الأرمني هذه المواد الثلاث مهمة جداً لنا.

كيف يتعاطى ويتعامل أبناء المجتمع الإيراني مع مواطنيهم من المسيحيين ؟

المجتمع الإيراني مميز بتنوعه فهناك أرمن وأشوريين وكلدان وشيعة وأكراد، ويشكل هذا التنوع  في المجتمع كنزاً والعلاقات بين أبناء المجتمع الواحد تقوم على أسس المساواة والمحبة والاحترام المتبادل ووفقاً لهذه الأسس يتعامل الشعب فيما بينه.

برأيكم هل هناك هجرة للمسيحيين من إيران مثل بقية بلدان المنطقة التي يهاجر مواطنيها المسيحيين منها؟

إن ّقضية الهجرة ظاهرة اجتماعية لا تخص الأرمن أو المسيحيين فقط مع الأسف الشديد بعد ولادة دولة إسرائيل في عام 1948  تزعزع الشرق الأوسط، وأصبح هناك فُرقة لذلك أصبح أغلب المسيحيين يهاجرون إلى أوروبا وإلى أميركا وغيرها من البلدان، لكن ولحسن الحظ يهاجر أرمن إيران إلى أرمينيا عوضاً من الهجرة إلى أمريكا لأن أمريكا كما قال عنها المرشد الأكبر لإيران الإمام الخميني(قدس) أمريكا الشيطان الأكبر، أمريكا للأسف طبعاً لها مصالحها الخاصة، ويعتقد  البعض أنهم عند ذهابهم إلى أمريكا سيجدون الدولارات معلقة على الأشجار، للأسف هذا هو الواقع.

هل يتمتع المسيحيون الإيرانيون بكافة حقوق مواطنيهم ؟

عندما زارني وفد أوروبي وسألني إن كانت هناك فرقة في إيران بين المسلمين والمسيحيين؛ فأنني شرحت لهم الواقع وطلبت منهم تسمية ولو بلد واحد ليس فيه فرقة في هذا المجال، ولكن خير جواب لهم كان بأنه يوجد ثلاثة نواب في البرلمان يمثلون المسيحيين ونائب يمثل اليهود وأخر للزرداشت كممثلين للأقليات. وهذا خير دليل على انعدام الفرقة والتفاوت بين شرائح الشعب الإيراني.

كيف ينظر المجتمع المسيحي للقضايا الوطنية للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

هذا السؤال ليس في مكانه لأنّ الشعب الأرمني والمسيحي كلهم مواطنون إيرانيون ويتصرفون حسب مصالح الدولة وهم ليسوا فئة منعزلة، وهم جزء من هذا المجتمع يزاولون أعمالاً مختلفة في الطبّ والهندسة والتجارة ولهم مكانتهم بين تجّار السوق.  وكذلك لدينا عدد من أساتذة الجامعات فهناك تسعين مدرس في الجامعات الإيرانية في طهران وأصفهان وكيش وعدة أماكن أخرى من إيران.