رسالة المجاهدين لأشرف الناس: “تحملوا شوي” والنصر سيجمعنا في الساحات 

ما نزال في منتصف طريق معركة "طوفان الأقصى" المباركة، ما تزال الاحتمالات كلها مفتوحة والطرائق التي تقود إليها مغرية، وهذه اللحظة المفصلية تتميز عن غيرها؛ فهي الوقت الذي تترجم فيه كل هذه التضحيات، في غرة ولبنان واليمن، إلى إنجاز على الأرض.. بكل ثقة قادة جبهة المقاومة قادرون على التعامل مع أحداث وتبعات كبرى بحكمة وعناد يقهر الفولاذ، لكن نظرًا إلى أنّ واقعنا العربي ممزق، وهذه الأمة مفتتة، ونتيجة التجربة مع المفاوضات، خصوصًا الأميركية منها، فإننا نحتاج إلى لحظة فهم واستيعاب لكل ما يجري، كي لا نسقط في فخ مرة أخرى.

2024-10-26

يوم أمس الخميس، في ذروة نشوة العدو الصهيوني لاعتقاده بتحقيق إنجازات ضد بنية المقاومة اللبنانية، خرج رجال حزب الله، من الجنوب الأعز والأغلى، برسائل آمنة ربانية.. هؤلاء المجاهدون أعجزوا أعتى آلة عسكرية في العالم يتكلمون كالرهبان، وجلّ ما طلبوه من صميم القلب، من جبهتهم الداخلية وبيئتهم (“اشرف الناس وانبل الناس”) أن “تحملوا شوي وان شاء الله بنرجع بنجتمع بالساحات وكل نصر وانتو بالف خير”، أي روحية هذه وأي إيمان هذا، مستمد من الغرس في كربلاء، والرعاية من عين سماحة السيد قائدنا الأسمى، السيد حسن نصر الله وإخوانه القادة.

 

تصور العدو بعد الاستعانة بالترسانة الأميركية كاملة، بتجهيزاتها العسكرية واللوجيستية والاستخبارية، ومع قيامه بالضربة أو الضربات الكبرى في الحرب، مجزرة “البيجر” ثم اغتيال القادة الشهداء، ثم جريمته الأعظم بحق سيد المقاومة الإسلامية، أنه قد حقق الشرط الأول لعقيدته العسكرية –الأميركية الهوليوودية- “الصدمة والرعب”، وما كان ينتظره هو فوضى شاملة، وانكسار يصيب هيكل المقاومة، وعجز يضرب بقية أطرافها.. وبكلام أكثر دقة؛ فإن قرار الاجتياح البري في ظروف كهذه لم يحدث لولا الرهان على ما خسرته المقاومة أولًا، ثم توقع أثره في الميدان بعدما ما جرى من قتل القادة والتدمير.

 

اليوم، الرابع والعشرون من شهر تشرين الأول شهد وحده ما يمكن وصفه بمعجزة على المقاييس العسكرية، حيث وقفت لليوم الرابع والعشرين من “إعلان الغزو البري” خمس فرق مدرعة كاملة لا تتحرك أمتارًا أو سنتيمترات في الجنوب، ومع كل خطوة يفكرون بها تأتي القذائف والكمائن والصواريخ من رجال الله تبيدهم وتردهم على أعقابهم خاسرين، وكل ما يدّعيه العدو من تفوق ساحق في الجو لا يقابله رغبة في التقدم شبرًا واحدًا على الأرض.

 

هذا الكلام يستند إلى ما يطلبه الصهاينة أنفسهم من وساطة لتوقف إطلاق النار، وتعيد مئات الآلاف من الهاربين إلى شمال فلسطين المحتلة، ولم يعد يتطرق حتى في خطاباته الداخلية أو أوهام نتنياهو إلى مسألة القرار 1701، أو جنوب نهر الليطاني، أو نزع سلاح حزب الله، والذي نقل بكل أمانة ومسؤولية وتجرد هو أن تلك الاشتباكات الضارية هي مرحلة جديدة دلفت إليها المقاومة بقيادة جديدة وبروحية لا تتبدل ولا تتغير، روحية انتصار الدم على السيف.. اليوم فقط أرسل المجاهدون الصابرون العابدون الربانيون رسالتهم إلى سماحة سيد الوعد الصادق: “نحن يا سيدنا ثابتون هنا”، كلمات حفرت بالنور والدم وألف ألف جرح تركت ذكراها موشومة على لوح قلوبنا منذ العام 2006.

 

لقد كنا في حاجة شديدة ومفزعة إلى رسالة انتصار إلهي، تحديدًا اليوم، إصرار رجال الله على ألّا يمكّنوا العدو من حبة تراب في الجنوب، بسالتهم وروحيتهم وبأسهم الذي لا وصف لها ولا حدود، وشجاعة القيادة الجديدة وحسن تنظيمها وسرعته ودقته، بالشكل الذي أفقد “المؤامرة الأميركية” على لبنان أجنحتها مبكرًا، فباتت عاجزة عن التحليق ولو لثوانٍ في فضاء غرب آسيا…

 

قبل 7 تشرين الأول المبارك/ أكتوبر، في العام 2023، مباشرة كان المشروع الوحيد القائم والمطروح في المنطقة هو التطبيع، كان يشبه رغبة عمياء ومحمومة من أصحابها بتحويل عهود التآمر والسياسة السرية القذرة من تأمين عروش الشيوخ والجنرالات ومصالح الكيان في النفاذ إلى الخليج، حيث الهدف الأثمن، الموارد الغزيرة، والتكوين السكاني والاجتماعي الهش، وحيث أمن الحاكم هو التجلي الأعظم للأمن القومي، قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول كانت الرغبة الخليجية الصهيونية هي “تقنين” العلاقات بما يسمح بنقلها إلى عيش مشترك وحياة متواصلة في “بيت واحد كبير”، ونسي أو تناسى المغفلون أن للتاريخ ضروراته وأحكامه ومسيرته وأن محور المقاومة عمومًا، وحزب الله خصوصًا، أطرافنا الفاعلة في هذه المعادلة، وهي أطراف لا تكل ولا تضعف، وإنه حتى بالتنازل والخضوع لا يمكن انتزاع “شرعية” لعلاقة طرفاها اللص وصاحب البيت.

أحمد فؤاد

 

المصدر: العهد