غاضب كان رد الفعل الإسرائيليّ من رسم وجه الشهيد الحاج قاسم سليماني على شاطئ غزة، في مبادرة من مواطنين فلسطينيين قاموا برسم وجه الشهيد سليماني على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الرملية في قطاع غزة، ما أثارت غضب السلطات الصهيونية، التي حاولت وسائل إعلامها في البداية تجاهل هذا الحدث، إلا أنّ التغطية الواسعة من قبل وسائل الإعلام الإيرانية والعربية، أجبرت أعداء المقاومة وعلى رأسهم سلطات العدو الصهيوني للرد بغضب، حيث أعاد المتحدث باسم جيش العدو، أفيخاي أدرعي، نشر تغريدة تضمنت صورة الشهيد سليماني على صفحته الشخصية في تويتر، مصدوماً من الصورة الضخمة للراحل الإيرانيّ على ساحل قطاع غزة، وتداول ناشطو العدو الصورة على صفحاتهم، وقد كان واضحاً مدى الانزعاج الذي تركته في قلوبهم.
انزعاجٌ إسرائيليّ شديد
من طريقة التعاطي الإسرائيليّة مع هذا الحدث، كان واضحاً مدى الانزعاج الإسرائيليّ من رسم وجه الشهيد سليمانيّ، باعتباره القائد الذي لم يعرف الجلوس خلف طاولة مكتب، ودأب على العمل العسكريّ الميداني، متنقلاً من جبهة إلى أخرى طوال 40 عاماً، تارة في صلاح الدين العراقيّة خلال استعادة تكريت من تنظيم داعش الإرهابيّ، وتارة في البوكمال آخر معاقل داعش في سوريا، ومرة برفقة السيد حسن نصر الله والشهيد عماد مغنية في الضاحية الجنوبيّة خلال حرب تموز، وأخرى مع القيادات الفلسطينيّة في لبنان، فيما تحاول تل أبيب جاهدة ألا تنعم تلك الدول بالراحة ولو ليلة واحدة لتستمر في اغتصاب أراضي وثروات الأبرياء، وتتمادى في عدوانها وإجرامها.
وتأتي المبادرة الشعبيّة الفلسطينيّة، في الوقت الذي لا يتوقف فيه الدعم الإيراني لفلسطين وقد عبرت طهران عن دعمها للمقاومة الفلسطينية ضد المحتل الأرعن بعد أحداث سوريا والیمن مراراً وتكراراً وعلى لسان مختلف مسؤولي البلاد، ولا تطالب طهران فصائل المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من وراء دعمها لهم، إلا بمواصلة النضال ضد الكيان الغاصب لإعادة تحرير أرضهم، وها هي إيران مستمرة بدعمها للشعب الفلسطيني منذ أن منحت سفارة العدو الغاشم في طهران، للشعب الفلسطيني، وصولاً إلى یومنا هذا من خلال تزويد الفصائل الفلسطينية بما تحتاجه من سلاح للدفاع عن الشعب الفلسطيني، والتضحية بخيرة رجالها نصرة لمحور مقاومة الشر والإرهاب.
ويقول بعض مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعيّ: “كيف لا تخيفهم صورة الشهيد سليماني الذي حصل على وسام ذو الفقار من مرشد الثورة الإيرانية”، سماحة السيد علي خامنئي، وكانت المرة الأولى التي قلد بها أحد بهذا الوسام منذ قيام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، بفضل انجازاته الكبيرة وخاصة خلال الأعوام الـ 10 الماضية، والتي حوّلت الجنرال النادر الظهور والتصريحات، إلى مادة رئيسة على نشرات الأخبار والمقالات والأفلام الوثائقيّة، فيما زادت قضية استشهاده بالعدوان الأمريكيّ – الصهيونيّ، شعبيته الكبيرة لدى الشعب الإيرانيّ والشعوب المقاومة للجلاد الأمريكيّ وطفله “الاحتلال الغاشم”، وخاصة بعد دوره الرئيس والمهم في القضاء على تنظيم داعش في العراق وسوريا، والمحوريّ في إسقاط الخطط الأمريكيّة التي كانت معدة للبلدين.
“بعد استشهاد المحارب البطل قاسم سليماني، لم يقف محور المقاومة فقط جنبًا إلى جنب وفي صف واحد مع قطاع غزة؛ بل امتدت شرارات المقاومة إلى الضفة الغربية، إنّ دماء الشهيد سليماني الطاهرة بركان يقضي على كل محتل ووطني ومرتزق، نهاية الصهاينة أقرب من أي وقت مضى، الشهيد سليماني يرعبك حيا وميتا، مجرد رسم وجه على الرمال أثار رعبكم “، هذا ما ركزت عليه أغلب التعليقات العربيّة التي تفاعلت باستهزاء من “إسرائيل” على صفحات أفيخاي أدرعي، الذي أثبت من خلال تعليقه على الموضوع مدى هشاشة ذلك الكيان المعتدى الذي يدرك أنّ المعركة التي ستخفيه من على وجه الأرض تقترب يوماً بعد آخر، رغم كل الدعم الأمريكيّ والأوروبيّ لبقاء سرطانه الذي يفصل بين مشرق الوطن العربيّ ومغربه، ويزرع الخلافات والفتن والحزن والدمار أينما استطاع لتكون عواصم المقاومة في العالم العربيّ ملتهبة بشكل دائم بما يحقق منافع الإدارة الأمريكيّة والدول الغربيّة، ويضمن وجوده لوقت أطول.
علاقة وطيدة مع إيران
يعلم الجميع، حجم الدعم اللامتناهي الذي تقدمه الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التي تشكل جزءاً مهماً من “محور المقاومة” للفصائل الفلسطينيّة التي تهدف لتحرير الشعب الفلسطينيّ من ظلم وإجرام الاحتلال الإسرائيليّ الغاصب، ويصف الفلسطينيون العلاقة مع طهران في إطار الدعم الذي توجهه للمقاومة الفلسطينيّة، في وقت تُدرِك فيه الفصائل أن الدعم العسكريّ الماليّ والتكنولوجي الإيرانيّ، لا يمكن الاستعاضة عنه بأيّ طرف إقليميّ، كما أنها تُدرِك صعوبة الثمن المطلوب من الأطراف الإقليميّة الأخرى لقاء ذلك الدعم.
وعلى أساس ذلك، تهدف المقاومة لتحرير فلسطين ولا تخوض حرباً بالوكالة أو تنفذ أجندة أي طرف آخر، ما يعني أن إيران تنظر للقضية الفلسطينية من عدة جوانب، الأول هو البعد الإسلامي، وقد موّلت خطة الدفاع الفلسطينية الشاملة وأسهمت في تطوير منظومة الصواريخ والدفاع، والثاني هو العداء المشترك مع الكيان الإرهابيّ، والثالث هو البعد السياسيّ وتفنيد الادعاءات التي تزعم أن إيران تدعم أحزاباً ذات توجهات دينيّة معينة دون أخرى.
إضافة إلى ذلك، ومع وجود فضاءات مختلفة في العلاقة السياسيّة والعسكريّة والاستراتيجيّة بين المقاومة الفلسطينيّة والجمهوريّة الإسلاميّة التي أصبحت الحليف الاستراتيجيّ الأعمق والأقوى للفلسطينيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تترسّخ العلاقة بينهما يوماً بعد آخر، لأنّهم لعبوا بالفعل دوراً محورياً في تعزيز العلاقة الثنائية، وساهم الدعم الإيرانيّ غير المشروط في ضبط إيقاع هذه العلاقة وتطويرها، حيث ترسَّخت جذور التعاون العسكري الإيراني مع الفصائل الفلسطينيّة عبر الدعم المباشر، أو عن طريق التعاون مع بقية أطراف محور المقاومة وبالتحديد سوريا وحزب الله وأنصار الله.
وبالتالي، انتقلت العلاقة بين حماس وإيران إلى مرحلة تاريخيّة في العقد الأخير وتحديداً بعد العام 2011، وصولاً لتشكيل تحالف استراتيجي عسكري، وتقديم الخبرات الإيرانيّة بمختلف تخصّصاتها، وتزويد المقاومة بمختلف التقنيات التي تحتاجها لتطوير قُدراتها العسكرية وتحديداً منظومتيها الصاروخية والتقنية، ناهيك عن الدعم الاقتصاديّ واللوجستيّ للأنشطة العسكرية، وهو دعم لم تألُ طهران جهداً في تقديمه رغم الحرب الشعواء على المقاومة، وقد فُتحت قنوات الدعم من الجمهوريّة الإسلاميّة وزودت فصائل المقاومة بالخبرات اللازمة، ناهيك عن أن العلاقة بينهما شهدت نقلة نوعية، توجَّت بعَقْدِ لقاءات رسمية ذات مستويات عالية، وأعلنت إيران دعمها الكامل لدعم مسيرة العودة وشهدائها وجرحاها، كما تبرعت لعوائل الشهداء التي قُطِعَت مُخصَّصاتها من السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، كما أنّ الاستفادة الغنية من التجارب الاستخباراتية والأمنيّة والتزوّد بالمنظومة التقنيّة لمحور المقاومة وبالأخص إيران، ساهم بشكل كبير في تغيير قواعد اللعبة لمصلحة الفصائل الفلسطينيّة، وشكَّل تحدياً بارزاً وخطيراً في مسار المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيليّ الباغي.
وعلى الرغم من أنّ الأزمة المالية في إيران ألقت ظِلالها على الدور الإيرانيّ في تقديم الدعم الماليّ لقطاع غزَّة المحاصر منذ 15 عاماً، على صعيد إعادة الإعمار أو دعم البنية الاقتصادية والمدنية، إلا أنّ طهران لم تتوانَ عن تقديم الدعم العسكريّ للمقاومة ومن الناحية الثقافيّة التي لا تقل أهميّة عما ذُكر، رعت العاصمة الإيرانية العديد من المؤتمرات التي تُعنى بانتفاضة القدس وفلسطين، وأولت اهتماماً فريداً في دعم هذه القضايا رغم انشغالها بمشاكلها الداخلية وأبقت قنوات التواصُل مفتوحة بشكل مستمر مع فصائل المقاومة الفلسطينيّة بمختلف مكوِّناتها، انطلاقاً من “المبادئ الإيمانية والعقائدية”، وكعناوين فاعِلة في إطار مشروع المواجهة مع المشروع الأميركي والصهيونيّ في المنطقة.