سهامه مجلسي
المقاومة الثقافية جزء من ثقافة المقاومة فهي مفهوم إنساني، وحق مشروع، معروف في القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، وله ضوابطه وروابطه وآدابه وثقافته وأخلاقه. والمقاومة، في مفهومها العام، هي ردة فعل مجتمعية واعية، ضد واقع مرفوض أو غير مشروع أو لمواجهة استبداد أو استعباد أو ظلم أو تمييز أو احتلال… ويزخر التراث الثقافي الإنساني، بظواهر متنوعة من المقاومة يتفاعل معها الناس. وترتبط قدرتها على تحقيق أهدافها، بدرجة احتضان المجتمع لها، وإدراكها السليم للتحديات التي تواجهها، وامتلاكها الوعي والرؤية المتماسكة والخلاقة، والبنية التنظيمية، والقيادة المؤمنة بقوة الفكرة المقاومة، والإرادة الواعية، وإمكانيات يقتضيها زمنها، ومهارات متراكمة في حشد الطاقات… وتتنوع صور المقاومة، عنفاً أو لا عنف، ولكل مقاومة خصوصياتها الوطنية والتاريخية، والتي تنبع من واقع مجتمعها، وفي هذا المجال تحدثت الوفاق مع الدكتورة صفاء قدور عضوة الهيئة التدريسية في كلية العلاقات الدولية والدبلوماسية بجامعة الشام الخاصة، فيما يلي نصّه:
الصراع مع الكيان الصهيوني صراع وجود وليس حدود
قالت الدكتورة صفاء قدور: تعني لي ثقافة المقاومة ثقافة الوجود والعزّ والكبرياء والشيوخ.. تعني لي الرجولة ومقارعة الظلم والاستبداد.. أستعير هنا بمقولة لـ”ديكارت” عبّر من خلالها عن وجوده، حيث قال: “أنا أفكر إذاً أنا موجود”.. وأنا بدوري أقول أنا أقاوم إذاً أنا موجودة لأن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجود وليس صراع حدود وما ارتكبه هذا الكيان المجرم من مجازر جماعية وحشية منذ احتلاله لفلسطين عام ١٩٤٨ ومروراً باعتداءاته المتكررة على الدول العربية وصولاً إلى الإبادة الجماعية بحق أهل غزة ولبنان دليل دامغ على أن الصراع معه هو صراع وجود وليس صراع حدود هذا من جهة.. ومن جهة أخرى وضع منظّروا هذا الكيان معادلة تنص على أن الوجود الصهيوني يساوي القضاء على الوجود العربي والإسلامي.
إستشهاد قائد أو زعيم يزيد من تصاعد وتيرة المقاومة
وأوضحت الدكتورة صفاء قدور أرى بأن ارتقاء قائد أو زعيم مقاوم من الصف الأول يزيد من تصاعد وتيرة المقاومة أكثر فأكثر واشتداد البأس والاقتداء بذلك القائد ونهجه والإصرار على استمرار المقاومة لبلوغ النصر وتحقيق الهدف الذي ضحّى ذلك القائد المقدام بأغلى ما يمتلك من أجله وهو دمه الطاهر وروحه الشريفة.. لقد فقدنا كثير من قادتنا سواء في إيران أو فلسطين أو لبنان وآخرهم حجة الإسلام والمسلمين سماحة السيد حسن نصر الله(رض) والقائد الكبير يحيى السنوار الذي استشهد في ساحة المعركة وهو يقود أشرس المعارك في مواجهة العدو من مسافة صفر ليقدم للعالم أجمع صورة القائد الحقيقي الذي يقود جنوده ويديرهم في أرض المعركة وليس من غرفة العمليات كما اعتاد القادة العسكريون في بقية دول العالم؛ لكن خسارتنا لهؤلاء القادة العظام الذين قدموا مثالاً يحتذى به في البطولة والرجولة والوعد والعهد لا يعني إطلاقاً بأننا قد ضعفنا، والدليل على ذلك على الرغم من حجم الألم والمصاب الجلل إلا أن المقاومة مازالت صامدة وتلحق الخسائر الفادحة بالعدو الصهيوني وداعميه من دول التوحش والاستكبار العالمي والخزي والعار والعمالة، وبالتالي يمكن القول أن دماء هؤلاء الشهداء الزكية تعبّد لمحور المقاومة طريق النصر والعزّ والإباء لأن الشهادة بحد ذاتها هي نصر وسام إلهي يمنحه الله سبحانه وتعالى لمن يستحقه من الأتقياء الأصفياء الذين يعيشون الشهادة في حياتهم، وهذا ما عبّر عنه سيد شهداء محور المقاومة سماحة السيد القائد الشهيد حسن نصر الله بقوله: «نحن لا نهزم.. عندما ننتصر ننتصر وعندما نستشهد ننتصر.. لا يجوز أن ننهزم نتيجة سقوط قائد عظيم من قادتنا، بل يجب أن نحمل دمه ويجب أن نحمل رايته ويجب أن نحمل أهدافه ونمشي إلى الأمام بعزم راسخ وإرادة وإيمان وعشق للقاء الخالق»، فمحور يمتلك هذه العقيدة وهذه النظرة للشهادة يقيناً لا يعرف معنى الهزيمة، بل كلما ازداد عدد الشهداء الأعزاء كلما اشتد بأسه وإصراره لبلوغ النصر الحتمي، بإذن الله.
المقاومة ماضية لتحقيق هدف الشهيد حسن نصرالله
وبخصوص سيد شهداء محور المقاومة، تقول الدكتورة صفاء قدور: إن القائد الشهيد حسن نصر الله لم يكن قائداً عادياً، بل إن الله سبحانه وتعالى قد وهبه كاريزما وحضوراً مميزاً وعقلاً منفتحاً وطلاقة وحكمة وفطنة مكّنته من قيادة حزب الله بعد استشهاد أمينه العام السابق بكل قوة واقتدار تجسدت هذه القدرة بطرد الكيان الصهيوني المؤقت من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ والنصر الإعجازي في حرب تموز عام ٢٠٠٦ ومؤازرة المقاومة الفلسطينية أثناء عدوان غزة ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ وأيضاً عام ٢٠١٢ و٢٠١٤ ثم الوقوف إلى جانب الجيش العربي السوري والحشد الشعبي العراقي لمواجهة الحرب الإرهابية التكفيرية طيلة سنوات الحرب على كل من العراق وسورية ودعم اليمن وأيضاً وصولاً إلى مساندة الشعب في غزة منذ انطلاق عملية أكتوبر المباركة ولغاية منحه وسام الشرف الإلهي وسام الشهادة من الله عزوجل.. فهذه المسيرة المشرفة لسماحته حفرت في عقولنا ووجداننا نهجاً لم ولن تتمكن أسلحة أمريكا المحرّمة ولا صواريخها الفتاكة ولا حتى إجرام الكيان الصهيوني ومجازره الوحشية والإبادة الجماعية أن تنال من عزمنا وإصرارنا على متابعة مسيرة صاحب الوعد الصادق، بل يمكن القول أن ما بعد استشهاد سماحته ليس كما قبله لأن عشاقه ومحبيه لم ولن يهدأ لهم بال حتى تحقيق هدفه الذي نذر حياته الشريفة من أجله أولاً، وثانياً القصاص العادل من الكيان المجرم الغاصب وداعميه من دول الشر والعدوان والخزي والعار.
ثقافة المقاومة عابرة لحدود الزمان والمكان والطوائف والأديان
أما عن التسمية الثقافية للمقاومة، لقد ذكرت الدكتورة صفاء قدور: لقد قدّم لنا سماحة سيد شهداء محور المقاومة السيد حسن نصر الله ثقافة جديدة للمقاومة هذه الثقافة هي عابرة لحدود الزمان والمكان والطوائف والأديان ثقافة منبثقة أولاً من تعاليم الدين الإسلامي القويم الذي أمرنا أن نعد ما استطعنا من قوة ورباط الخيل نرهب به عدونا وعدو الله، وثانياً من نهج الإمام الخميني(قدس) هذه الثقافة التي لم تميز بين أي ذرة تراب من تراب محور المقاومة وهذا ما جسّده شهداؤنا العظام على أرض الواقع فشهيد الأمة الرمز قاسم سليماني ارتقى شهيداً ليس دفاعاً عن إيران، وإنما دفاعاً عن سورية والعراق في مواجهة الحرب الإرهابية التكفيرية، وسيد شهداء محور المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله لم يرتق شهيداً دفاعاً عن لبنان وإنما دفاعاً عن فلسطين.. فهذا النهج الذي سلكه الشهيدان في مسيرتهما النضالية المشرفة أنتجت ثقافة مقاومة ذات طابع ثوري شمولي جديد دفعت جميع الشرفاء على امتداد محور المقاومة إلى قطع العهد والوعد معاهدين الله ورسوله وآل بيته(ع) جميعاً والسيد الشهيد حسن نصرالله الذي كللنا بالنصر والعز والكرامة في زمن العمالة والانبطاح والغدر والخيانة أنهم على نهجه سائرون.. وسيكرسون ويدرسون هذا النهج للأجيال القادمة ويوصون بالحفاظ عليه وترسيخه حتى تحرير كامل التراب المحتل من قبل قوى الشر والعدوان.. وسيوصون الأجيال القادمة بأن كل قطرة دم تجري في عروقنا هي ملك للأمة الإسلامية جمعاء متى طلبتها وجدتها.