موناسادات خواسته
تعد اللغة بلا شك تجسیداً للعقل ورمزاً له.. یتم التعبیر عن الفعل العقلي عندما یصل إلى مرحلة اللغة، والتعبیر لیس سوى مزیج من الكلمات والعبارات. المقاومة كلمة بوسع العالم، كلمة تتضمن مفاهيم كثيرة، لا يمكن اختصارها في أسطر أو كتاب، أو حتى موسوعة، بما أنها تتضمن مجالات مختلفة؛ إضافة إلى ساحات الحرب والنضال، ومن أبرز المجالات الثقافية، هي شعر وأدب المقاومة، حيث الأديب يستخدم قلمه لدعم المقاومة. وبما أن قلم الأديب يعتبر سلاحاً، وهناك تأليفات قيّمة، فأجرينا حواراً مع الكاتب اللبناني “مهدي زلزلي” الذي لديه كتب ومقالات عديدة، وفيما يلي نص الحوار:
تأثير “طوفان الأقصى” على الشعر والأدب
أُفتتح الحوار بالحديث حول تأثير عملية “طوفان الأقصى” على الشعر والأدب، فقال “مهدي زلزلي”: أن لملحمة “طوفان الأقصى” المباركة تأثيرا كبيرا على مناحي حياتنا كافة، والشعر والأدب ليسا استثناءً، ومن بركاتها أنها جددت إيمان الجمهور العربي بالقضية الأهم وهي القضية الفلسطينية، وخصوصاً فئة الشباب، وكان من الطبيعي أن يندفع من يمتلك من هؤلاء موهبة في صنف من صنوف الأدب إلى تسجيل موقفه ومشاعره وانطباعاته إزاء هذه اللحظة التاريخية من خلال الأدب، بعد عقودٍ من محاولة رأس المال العربي في دول التطبيع حرف أنظار أصحاب هذه المواهب عن قضاياهم الحقيقية من خلال إغرائهم بالجوائز السخية والدعوات والتكريمات، وشيطنة حركات المقاومة في أذهان المثقفين وعموم الجمهور، ووصمها بالعنف وقصر النظر والتبعية وتحميلها مسؤولية كل مشكلات الدول التي توجد فيها، وجعلها في موقع مناقض للآداب والفنون وما تعبّر عنه من حضارة ورقي.
اليوم لم تعد المقاومة في موقع دفاعي، بعد أن رأى الجميع بأم العين صدق قولها وبهاء فعلها، وأظنّ أننا لم نعد بحاجة إلى بذل جهد كبير لإجتذاب الأقلام الجميلة إلى ميدان الأدب المقاوم، بعد أن قلبت عملية “طوفان الأقصى” كل الحسابات وأعادت الأمور إلى نصابها.
أدب السجون
وفيما يتعلق بأدب السجون وكيفية توثيق الحقائق، يقول الكاتب اللبناني: عربيّاً هناك غزارة في الأعمال الأدبية التي تنتمي إلى “أدب السجون”؛ لكنها كانت مرتبطة دوماً بتجارب المعتقلين السياسيين المعارضين للسلطة. ما يعنيني أكثر في الأمر هو الطفرة الحاصلة حاليّاً على صعيد كتابة الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال حكاياتهم بأنفسهم، ولا شك أن فوز الكاتب الأسير “باسم خندقجي” أخيراً بالجائزة الأبرز على صعيد الرواية العربية سيعزّز هذا المسار، وينتج روايات عظيمة تحمل إلينا أصوات هؤلاء، وتشكل وسيلة إضافية من وسائل النضال في سبيل تحقيق حريتهم.
أدب المقاومة سلاح فعال
وحول أدب المقاومة وكيفية مواجهة الكيان الصهيوني بالأدب، هكذا يبدي عن رأيه: أدب المقاومة سلاح فعال، يمكنه أن يحقق الكثير، فمعركتنا في الأساس هي على الوعي، وحربنا هي حرب الرواية، وما نجاح كيان الاحتلال في البقاء والاستمرار طيلة هذه العقود التي مرّت منذ النكبة حتى الآن، رغم تناقض ذلك مع المنطق الطبيعي للأمور، ومخالفته لحسابات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والسياسة وتوازنات القوى، إلا بسبب تفوّقه في حرب الرواية، الذي جعله يجنّد العالم كله تقريباً في صفه، حتى ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
بعد الطوفان، صار العالم الذي انقشعت أمامه الحقائق نسبيّاً أكثر جاهزيةً لسماع روايتنا، ولم يبقَ إلا أن نقدّم هذه الرواية جيداً، وشرط ذلك أن يتصدى لهذه المهمة المبدعون الحقيقيون من أصحاب هذه القضية وأهلها، لا طفيليات الوسط الأدبي العربي، التي اعتادت أن تعتاش على ركوب الموجة واستغلال اللحظة وأن تكتفي من القضية باسمها الجاذب للمتلقي من دون التعرّض لها بشكل فعلي.
ترسيخ ثقافة المقاومة
بعد ذلك أدار الحديث عن ترسيخ ثقافة المقاومة وتخليد أبطالها، حيث قال “زلزلي”: هناك وجوه لا تحصى لتحقيق ذلك. أدبيّاً، المطلوب هو تعزيز الأدب المقاوم، من خلال الإقبال عليه كتابةً وطباعةً ونشراً وقراءةً، مع التشديد على أهمية رفع مستواه ليكون لائقاً بالمقاومة التي اجترحت المعجزات وحققت المستحيل على المستويات العسكرية والأمنية والسياسية، وعدم الاكتفاء بنبل المقصد وحسن النية، فهذا المقصد النبيل والعنوان الكبير يقتضي الاجتهاد أكثر لرفع المستوى، ولا يمكن على الإطلاق أن يكون حجة للإستسهال.
المطلوب هو كتابة نصوص أدبية حقيقية تنسجم مع معايير النوع الأدبي المطروق، وتحاول من حيث المستوى منافسة ما هو موجود من نصوص ضمن هذا النوع الأدبي، لتشجيع القارئ على ضمّ نتاجات الأدب المقاوم إلى قائمة قراءاته.
وفي هذا السياق، أجد الفرصة مؤاتية لدعوة الكتّاب الإيرانيين الذي يكتبون باللغة العربية إلى توسيع مشاركتهم في جائزة سليماني العالمية للأدب المقاوم، التي ننظّمها في جمعية أسفار للثقافة والفنون والإعلام في بيروت للعام الرابع على التوالي، اعتباراً من دورتها الخامسة التي نطلقها العام المقبل إن شاء الله، وهي تتوزع على فئات الرواية والقصّة القصيرة والقصيدة العمودية والقصّة المخصّصة للناشئة.
سياسة الكيل بمكيالين
إنطلاقاً من جرائم الكيان الصهيوني في غزة وما شهدناه أخيراً في لبنان؛ سألنا الكاتب اللبناني عن كيفية مواجهة هذا العدو الغاشم، وسبب سياسة الكيل بمكيالين أمام جرائمه من قبل أميركا والدول الغربية، فقال “زلزلي”: المواجهة على المستوى العسكري قائمة بأفضل صورة ممكنة، أما على المستوى الشعبي والثقافي فليس مطلوباً إلا محاكاة الدول العربية والإسلامية لما يحصل في الغرب من ثورة حقيقية على كيان الإحتلال وداعميه، باتت تشكل إحراجاً كبيراً لهم وعاملاً أساسيّاً من عوامل محاصرة الكيان والضغط عليه.
أما عن سياسة الكيل بمكيالين، فهي ليست غريبة عن الولايات المتحدة والغرب عموماً، وليست مستغربة حين نؤمن أن الكيان الصهيوني ليس سوى قاعدة عسكرية متقدمة لمشروع هؤلاء المستعمرين، الذي لم يتغيّر وإن تغيّرت وسائله وأشكاله.