هيئة الترفيه أم هيئة زرع الأحقاد بين الناس

الإستياء بالنسبة لما تقوم به هيئة الترفيه لم يبق في دائرة علماء الدين والدعاة فحسب بل شمل الكثير من أفراد المجتمع برغم مخافتهم من الضغوطات التي قد تواجهم، عبّروا عنه في صفحاتهم الإجتماعية..

2023-01-21

الشعور بالتقارب، أهمّ مقومات المجتمع

إنّ من أهم الأمور التي تساهم في بناء المجتمعات ومن الموارد التي تعتبر مقوّمة رئيسية له، هو الشعور بالتقارب والأُخوّة بين أفراد المجتمع وطبعاً هذا الشعور والتقارب يؤدّي إلى تكاتف وتضامن مجتمعي.

إنّ السعودية أصبحت شهيرة بزرع الأحقاد بين أفراد مجتمعات سكنية وشعوب من خلال وسائل إعلامها وسياساتها التفرقية حيث عملت على هذه السياسة في اليمن والكثير من البلدان العربية. في السياق ذاته قال المتحدث السابق باسم وزارة الصحة اليمنية الدكتور يوسف الحاضري في حوار مع الوفاق: إنّ السعودية عملت في هذه السنوات الست على زرع الأحقاد في اليمن وحاولت إبعاد الإخوان بعضهم عن بعض وجعلتهم يحاربون البعض ويكرهون البعض ويحسدون البعض من خلال سياساتها التفرقية”.

في جانب آخر حينما نراجع المشهد السوري نرى السعودية مارست نفس السياسة بحق الشعب السوري الموّحد حتى تُبعدهم عن بعض وتجعلهم يكرهون بعضهم بعضا وهذا ما نراه بوضوح في تصريحات رسمية وغير الرسمية التي صدرت عن السعودية.

هذا الأمر لم يكن مقصوراً في البلدين بل إنّ هذه السياسة مورست بحق شعوب آخرى منها.

الأحقاد الدفينة في المجتمع

كان الشعب في المملكة السعودية رغم معناته من عدم وجود الديمقراطية وحرمانه من الحقوق الإجتماعية يحظى نوعاً ما بوحدة النسيج وإنسجام في التقاليد والقيم الإجتماعية حيث كانت لهم خطوط حمراء إجتماعية ودينية لم يجرؤ أحد على تجاوزها بل هذا الإلتزام كان يقرّب الناس من بعض ويجعلهم محترمين عند بعضهم البعض مع عدم إلتزام مجموعة من الناس في الخفاء.

بعدما تأسست هيئة الترفيه في تاريخ 6 مايو2016 أثارت قلقاً إجتماعياً بين أطياف الشعب إذ كانوا يخافون من تجاوز خطوط دينية حمراء من قبل الهيئة وتخريب إيمان الشباب والبنات وجعلهم ملحدين ومسيئين إلى المقدسات.

وصل القلق إلى حد عبّر الدعاة الذين لهم شعبية عن قلقهم تجاه هذه المسألة وفي السياق ذاته ،إمام المسجد الحرام الشيخ صالح آل طالب صعد المنبر في أغسطس ٢٠١٨ وطلب من الناس أن ينكروا المنكرات وأن يقوم بواجبهم تجاه الطغاة الظالمين فيما كان الشيخ يحظى بقبول وشعبية من قبل زوار بيت الله الحرام.

وأشار الحساب المهتمّ بنشر أخبار النشطاء ومعتقلي الرأي في السعودية، آنذاك، إلى أن الأنباء تتحدّث عن أن خطبة ألقاها الشيخ عن المنكرات، ووجوب إنكارها على فاعلها، كانت سبب اعتقاله.

موقف الشيخ صالح يظهر مدى الإستياء الذي أوجدته هيئة الترفيه في نفوس المتدينين في السعودية فيما لم يكن الأمر يقتصر في خطبة الشيخ بل عبّر الكثير من أفراد المجتمع عن إستيائهم بالنسبة لما تقوم به هذه الهيئة ولكن لم يروا نتيجة إيجابية عقب إعتراضهم الّا أنهم أعتقلوا وسجنوا مثلما فعل النظام السعودي بالشيخ سفر الحوالي وأربعة أولاده أو أضطرّوا بالخروج من البلاد والإنضمام الى المعارضة في الخارج نحو الكثير من النشطاء الإعلاميين والذين ينشطون على تويتر.

مستقبل معتم في جميع النواحي الإجتماعية

في السياق ذاته قال الأستاذ عبدالله الغامدي وهو ناشط سياسي وإعلامي في السعودية في حوار خاص مع الوفاق:

مستقبل السعودية بشكل عام معتم وستزيد العتمة جميع النواحي الاجتماعية بسبب غياب أهم مقومات بقاء أي نظام حاكم.

الإستياء بالنسبة لما تقوم به هيئة الترفيه لم يبق في دائرة علماء الدين والدعاة فحسب بل شمل الكثير من أفراد المجتمع برغم مخافتهم من الضغوطات التي قد تواجهم، عبّروا عنه في صفحاتهم الإجتماعية ناهيك عمّا فعلوه رداً على التصريحات المثيرة لتركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه الراهن في أكتوبر عام ٢٠١٩ إذ وجه تهمة نحو منتقدي هيئة الترفيه وغرّد عبر حسابه في تويتر: “اللي ببالي ببالك” فأثار ضجة تويترية وسخط الناس.

السجن للمنتقدين

الشعب السعودي يرى اليوم كلّ من كان يحبّه ويتابعه والذين كانوا ينشطون في إطار الخطوط الحمراء التي وضعها الدين الإسلامي أو القيّم الإجتماعية في السعودية أو أصبح في السجن أو أصبح بلا صوت مثلما جرى للشيخ محمد العريفي والذي يحظى بما يقارب ٢٠ مليون متابع في تويتر بسبب خطبهم الجاذبة للشباب السعودي ولكن واجهه المنع والحرمان من الخطابة لأنه برغم مواقفه المؤيدة للعائلة الحاكمة أعتبر ناشراً وداعياً لأمور مضادة لما تنشره وتدعو إليه هيئة الترفيه.

هذه قاعدة يقول بها بعض علماء علم الإجتماع السياسي: إذا لم يتمكّن الناس من التعبير عن إستيائهم تجاه مسألة يعانون منها، يضطرّون إلى دفنه كبذر تحت التراب، سيصبح شجرة حقد عظيمة لايمكن لأحد إستئصالها ولاعلاجها.

فيكف الأمر إذا كان الإستياء تجاه مسألة تعتبر من أشد الخطوط الحمراء يلتزم بها المجتمع؟

من يريد أن يعرف ماهو مدى غضب السعوديين من هيئة الترفيه وأنشطتها المسيئة إلى مبادئ المجتمع وقيمه ليراجع الهاشتاقات التي أطلقتها رواد صفحات التواصل الإجتماعي نحو #مقاطعة_موسم_الرياض و#رقاصة_الياسمين_مول وغيرها من الهاشتاقات التي أطلقها الشباب والبنات في السعودية رفضاً لهيئة الترفيه.

جمار الغضب في الصدور

إنّ علاقاتي الشخصية مع أصدقائي في المملكة السعودية جعلتني أشعر بالأحقاد الإجتماعية التي تزرعها هيئة الترفية لاسيما بعد تولّي تركي آل الشيخ لها حيث قسم من المجتمع السعودي يقبل إقبالاً واسعاً تجاه أنشطة هيئة الترفيه وممارسة الفواحش والتواجد في قاعات الرقص والملاهي وحتى عدم رفضهم لمضار المثلية وقسم آخر وهو ما يشكّل أغلبية السكان في المملكة يحملون في صدرهم جمار الغضب والإستياء بالنسبة لما يرون من هتك المقدسات والإساءة إلى الأحكام الإسلامية في أرضٍ إستقبلت ضيوف الرحمن خلال ١٤ قرناّ بعد ظهور الإسلام. خاصة أن هيئة الترفيه عبر  أنشطتها الغريبة جعلت الناس في البلدان الأخرى يسخرون من السعوديين بأنّهم من الشذوذ والضعفاء النفسيين.

وفي السياق ذاته سبق أن نشر الأمير عبدالله بن فهد آل سعود فيديو قال فيه: “فوالله من كثر ما نصح الناصحون وحذر المحذرون إلا أن هيئة الترفيه لا زالت على غيّها وكأنها تقول إئتنا بعذاب الله”.

قسم من المجتمع يكره الآخر

اليوم جعلت الهيئة قسماً كبيراً من المجتمع يكره الآخر ويُبغضه في حال لايستطيع أن يعبّر عن مدى إستياءه وغضبه لأنه يدرك أن النظام سيفعل بالمنتقدين الجدد مافعله بالمنتقدين السابقين.

لا نخطئ القول بأن الممكلة أصبحت بلاد الأحقاد الدفينة التي تزرع هيئة الترفية بذورها اليوم وسيجني عنبها المرّ ، الجيل القادم الذي يذوق طعمها القاتل. وإذا لم تعالج العائلة الحاكمة هذا التباعد المجتمعي والكره الذي تزرعها الترفيه فلا محالة من استفحال الأزمات التي قد لاتُعالج بأي دواء.