ذكرت صحيفة “ستاندارد” النمساوية في تقرير لها أن قراصنة إلكترونيين قاموا مؤخراً بسرقة مئات الآلاف من الملفات الحساسة من خوادم حكومية ومؤسسية في إيطاليا. وقد تأثر بهذه الهجمات سياسيون إيطاليون رفيعو المستوى، بمن فيهم رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني نفسها، التي عبرت عن قلقها الشديد إزاء هذا الأمر.
وأضافت الصحيفة النمساوية أن المحققين لم يجرؤوا بعد على تقدير الحجم الكامل لهذه السرقة المعلوماتية. غير أن فرانشيسكو دي توماسي، المدعي العام البارز لمكافحة المافيا في ميلانو، نقل مخاوف كبيرة قائلاً: “ربما لا نبالغ حين نقول إن المتهمين يشكلون خطراً على الديمقراطية في هذا البلد. لقد وضعوا المواطنين والمؤسسات الإيطالية تحت رحمتهم.”
المتهمون في هذه القضية هم مجموعة تضم نحو 60 شخصاً، تم اعتقال ستة منهم أو وضعهم قيد الإقامة الجبرية. والشخصيات الرئيسية في قضية سرقة البيانات هذه تشمل قرصاناً إلكترونياً محترفاً، ومفتشاً سابقاً، ورجل أعمال معروفاً له علاقات سياسية، ورئيس المعرض التجاري في ميلانو.
ووفقاً لدي توماسي، نجح هؤلاء المتهمون في اختراق العديد من قواعد البيانات الحكومية والخاصة. فقد تمت سرقة ما لا يقل عن 800,000 مجموعة بيانات من وزارة الداخلية وحدها، وهي في المقام الأول من السجلات الجنائية الرقمية. كما تم اختراق قواعد بيانات التأمين التقاعدي الحكومي، ومصلحة الضرائب، وقاعدة بيانات “المعاملات المالية المشبوهة” التابعة للشرطة المالية، والسجل الوطني للأفراد والمقيمين.
وأوضح دي توماسي أن هدف هذه المجموعة كان إنشاء ملفات ابتزازية عن سياسيين ورجال أعمال بارزين يمكن استخدامها للضغط على الأشخاص المستهدفين. وقد وضع المتهمون أنفسهم في موقع يمكنهم من “التأثير على القرارات والعمليات التجارية والسياسية وحتى القضائية”. كما كانت للعصابة صلات بالمافيا وأجهزة المخابرات المحلية والأجنبية.
وقد تأثر عدد كبير من السياسيين ورجال الأعمال البارزين بسرقة البيانات هذه، بمن فيهم الشخصيتان الأولى والثانية في الحكومة: سيرجيو ماتاريلا، الرئيس الديمقراطي المسيحي، وإيغنازيو لاروسا، رئيس مجلس الشيوخ، عضو حزب “إخوة إيطاليا” اليميني التابع لجورجيا ميلوني. وفيما يتعلق بماتاريلا، تم اختراق بريده الإلكتروني الخاص. كما تم إنشاء ملفات عن لاروسا وأحد أبنائه. وقد عبّر لاروسا عن “اشمئزازه” من هذه المؤامرات.
كما تعرض للتجسس في هذه الهجمات الإلكترونية ماتيو رينتسي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، وليتيزيا موراتي، عمدة ميلانو السابقة، ورئيس بنك الادخار الحكومي، بالإضافة إلى فنانين وصحفيين وعدد كبير من الأشخاص الآخرين. ولم يتضح بعد ما إذا كانت جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، من بين الضحايا أم لا. ومع ذلك، فقد تعرضت مراراً في الماضي لهجمات القراصنة والتجسس. ومؤخراً، تم التجسس على حسابها المصرفي الخاص من قبل مسؤول مصرفي فضولي.
وقد أبدت ميلوني، السياسية اليمينية التي كانت منذ توليها منصبها قبل نحو عامين تشك في أنها معرضة لخطر الإطاحة بها من قبل معارضيها السياسيين وقوى غير شفافة، قلقها إزاء قضية التجسس الواسعة هذه. وتُعرف هذه الممارسة في إيطاليا بإنشاء ملفات ابتزازية عن الشخصيات السياسية. وأكدت رئيسة الوزراء الإيطالية: “هذه القضية في أفضل الأحوال تشويه سمعة، وفي أسوأ الأحوال محاولة إطاحة بالحكم”. وشددت قائلة: “هذا أمر غير مقبول دستورياً، وأتوقع من النيابة العامة والسلطة القضائية التحقيق الكامل في هذه القضية.”
الحادثة الأخيرة ليست حالة فريدة في إيطاليا، بل تثبت مرة أخرى أن إيطاليا بلد ذو أنظمة مزدوجة. فقد تكرر مراراً اجتماع رجال أعمال مشبوهين مع سياسيين فاسدين وأجهزة مخابرات، وعادةً مع المافيا، لإنشاء هياكل موازية يتم من خلالها ابتزاز السياسة الرسمية والمؤسسات الحكومية والتلاعب بها.