الحكومة البريطانية، التي لم تكن لها علاقات جيدة مع إيران بعد الثورة الإسلامية، وسعت دائمًا إلى الإضرار بالأمن القومي لإيران، بعد بدء أعمال الشغب في الشوارع في بعض المدن الإيرانية، وجدت مساحةً مناسبةً لركوب الموجة حتى تتمكن من الاصطياد من المياه العکرة.
رجال الدولة البريطانيون الذين تولوا مؤخراً مقاليد السلطة، يركزون على الاضطرابات في إيران أكثر من تركيزهم على قضاياهم الداخلية، ولا يوجد يوم لا تدلي فيه سلطات لندن بأي بيان ضد إيران.
بعد فرض عقوبات على بعض المسؤولين والمؤسسات الأمنية الإيرانية في الأشهر الأخيرة، لإعلان بريطانيا دعمها للمشاغبين، الآن في خطوة مثيرة للجدل، تحاول الحكومة البريطانية وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية.
وافق مجلس العموم في هذا البلد بالإجماع على هذه الخطة الأسبوع الماضي وقدمها إلى الحكومة لاتخاذ قرار، وهذه الخطة على مكتب رئيس الوزراء لإضفاء الشرعية عليها إذا رأى ذلك مناسبًا، وهي خطوة قد تجعل العلاقات المتوترة بين طهران ولندن أسوأ من ذي قبل.
في غضون ذلك، تعتزم بريطانيا إعلان الحرس الثوري الإيراني إرهابياً، بينما تدعم علناً الجماعات الانفصالية في شرق وغرب إيران، فضلاً عن حرکة “مجاهدي خلق” الإرهابية.
أهداف بريطانيا من المواجهة مع إيران
لا تزال الحكومة البريطانية، التي كانت ذات يوم أكبر مستعمر في العالم ورأت دولًا أخرى كمستعمرات، تحافظ على هذه السياسة الاستعمارية والوهم المتمثل في أنها تستطيع إدارة التطورات العالمية، وإيصال الحكومات التابعة لها إلی السلطة في مناطق مختلفة من العالم.
وبما أن إيران قطعت بعد ثورتها عام 1979 أيدي الأجانب، وخاصةً بريطانيا، عن العبث بثرواتها ومواردها الغنية، وأنهت هيمنتها التي دامت قرونًا في إيران، دائمًا ما يكون رجال الدولة البريطانيون غاضبين للغاية من هذه القضية، وبالتالي لم تكن لديهم أبدًا علاقة جيدة مع إيران، وإذا كانت سفارتهم مفتوحةً في طهران، فهذا لغرض التدخل.
لذلك، تحاول سلطات لندن الإطاحة بالجمهورية الإسلامية من خلال دعم المشاغبين وتنصيب نظام يعتمد عليهم، للسيطرة على كل شؤون إيران ومواردها كما كانت قبل الثورة.
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي مضى شهرين فقط على دخوله المبنى رقم 10، أعلن عن موقفه الرسمي ضد طهران منذ اليوم الأول، وقال إنه سيقف إلى جانب المشاغبين الإيرانيين، وقالت حكومته مؤخرًا إنها لا تركز على الاتفاق النووي وتراقب التطورات السياسية في إيران.
تدعي بريطانيا، مثل الولايات المتحدة، أن إيران تشكل تهديدًا خطيرًا لمصالح الغرب والعرب في الخليج الفارسي، وأن وجود قوة مثل إيران في المنطقة يشكل عقبةً مهمةً أمام تنفيذ المؤامرات الغربية في الخليج الفارسي. ولهذا السبب، يحاولون تعكير صفو استقرار إيران الداخلي بكل الوسائل.
غضب لندن من إعدام الجاسوس الكبير
النقطة المهمة الأخرى التي أثارت قلق رجال الدولة البريطانيين هذه الأيام، كانت إعدام علي رضا أكبري جاسوس لندن في طهران، الأمر الذي ترك انزعاجاً کبيراً لديهم.
هذا المواطن الإيراني البريطاني، الذي أصبح معروفًا بالجاسوس الأکبر، تعاون مع أجهزة التجسس البريطانية لأكثر من عقد، وقدم الكثير من المعلومات السرية إلى لندن، وتم شنقه قبل أيام قليلة، وهذا ما أثار غضب السلطات البريطانية.
لندن غاضبة للغاية لأنها لم تعد تمتلك أداتها القوية للحصول على معلومات مهمة من إيران، وهي تحاول تعويض هذا الفشل بإجراءات انتقامية، بما في ذلك العقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني، لأن الحرس الثوري الإيراني قد وجّه ضربةً قويةً إلى لندن عبر تحديد هذا الجاسوس الکبير.
نهج لندن المتناقض في التعامل مع الاحتجاجات الداخلية وإيران
تتبنی بريطانيا سياسة التوتر مع طهران بحجة دعم المشاغبين الإيرانيين، في حين أنها تطبق نهجاً مزدوجاً في التعامل مع خصومها الداخليين.
تعتبر سلطات لندن مثيري الشغب الإيرانيين متظاهرين سلميين يقاتلون ضد الحكومة لتحقيق الحرية وإقامة العدل، وتعتبر دعمهم نوعًا من الواجب. لكن عندما يخرج شعب بريطانيا إلى الشوارع بسبب ارتفاع الأسعار وأزمة سبل العيش، تظهر القصة بشكل مختلف، والسلطات في لندن تعتبرهم أشخاصًا يحاولون زعزعة الأمن القومي وخلق الفوضى والاضطراب، الأمر الذي يجب التعامل معه بصرامة.
تعتبر لندن هجوم المشاغبين على قوات الشرطة الإيرانية عملاً انتقاميًا ودفاعًا عن النفس، لكن في إنجلترا، لشرطة هذا البلد الحرية الکاملة لقمع المعارضة ويمكنها قمع المحتجين بأي وسيلة، وأي هجوم على قوات الأمن يعاقب عليه بشدة.
حتى أن الحكومة البريطانية تتطلع إلى تمرير خطة لزيادة سلطات الشرطة للسيطرة على الاحتجاجات قبل أن تخل بالنظام العام، ما يعني اتخاذ إجراءات أكثر صرامةً ضد المعارضة. في المقابل، فرضوا عقوبات على قوات الشرطة الإيرانية التي تتعامل مع مثيري الشغب لإرساء الأمن.
في الأشهر الأخيرة، شهدت إنجلترا إضرابات على مستوى البلاد من قبل الأطباء والممرضات وموظفي شركات النقل، الذين سئموا من خطط التقشف الحكومية ويريدون تحسين ظروفهم المعيشية.
وبدلاً من معالجة وضعهم، حاولت الحكومة البريطانية تمرير قوانين صارمة ضد المضربين في هذا البلد، حيث سيتم طرد الأشخاص الذين يضربون في المستقبل، وحتى في بعض المناطق، يعتبر الإضراب جريمةً ويُعاقب المضرب.
قرنان من سجل بريطانيا الأسود ضد إيران
عداء بريطانيا لإيران لا علاقة له بالوقت الحاضر، بل تاريخ هذه المواجهة يمتد إلى قرنين من الزمان.
منذ فترة القاجار، حاولت إنجلترا دائمًا الهيمنة علی سياسات إيران في المنطقة بالتدخل في شؤون إيران الداخلية، وإذا لم تحقق هدفها بالطرق السلمية، فستستخدم القوة والبلطجة.
إن قرع طبول الحرب بين إيران وروسيا خلال فترة القاجار لإضعاف الحكومة، والتي انتهت أخيرًا بتوقيع اتفاقيات جولستان وتركمنشاي المشينة، كان كل ذلك بفعل تصرفات البريطانيين من أجل زيادة نفوذهم في إيران.
کما كان فرض اتفاق باريس على ناصر الدين شاه، والذي أدى إلى فصل هرات عن إيران، مثالًا آخر على سياسات لندن الماكرة، التي نُفِّذت بهدف إضعاف إيران وتقويضها.
کذلك، كان توقيع اتفاقية “دارسي” لنهب موارد إيران النفطية وغيرها من الاتفاقيات القاسية للسيطرة على موارد إيران المعدنية والاقتصادية والزراعية، من بين البرامج التي كانت على رأس السياسة الخارجية البريطانية في الماضي.
وعندما رأت إنجلترا أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها من خلال القاجار، لجأت إلى مسار آخر ونظمت انقلابًا بدعم من رضا خان في مارس 1921 لتنصيب حكومة بهلوي العميلة، وكان رضا خان دائمًا يُعتبر أداةً للبريطانيين.
كما أن الهجوم على الأراضي الإيرانية في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والذي أدى إلى مجاعة ومقتل مئات الآلاف من الناس، هو السجل الأسود لبريطانيا الاستعمارية تجاه إيران.
يمكن رؤية ذروة الجريمة البريطانية ضد إيران بوضوح في قضية تأميم صناعة النفط. فعندما قطعت يدها عن نهب الثروات النفطية، قامت بمساعدة الولايات المتحدة وعناصر داخل إيران بانقلاب على حکومة محمد مصدق، لنهب نفط إيران مرةً أخرى.
كما فصلت بريطانيا البحرين عن إيران من خلال الضغط على حكومة بهلوي، لتقليل دور ونفوذ إيران في الخليج الفارسي.
كانت تصرفات لندن ضد إيران واسعة النطاق سياسياً وعسكرياً حتى انتصار الثورة الإسلامية، ومع قيام الجمهورية الإسلامية، لم تستطع إنجلترا تأمين مصالحها في إيران بالقوة كما كانت من قبل، وتحولت إلى خيارات أخرى.
وحاولت بريطانيا استعادة نفوذها السابق في إيران من خلال دعم النظام البعثي العراقي في الحرب المفروضة، وإعطائه أسلحة لاحتلال إيران والتدخل في الشؤون السياسية.
وفي العقود الأربعة الماضية، حاولت إنجلترا أيضًا التسلل إلى جسد القوى الأمنية والسياسية الإيرانية، ليمكنها من خلال تعزيز شبكات التجسس تنفيذ خططها بسهولة.
لطالما كان التأثير والنفوذ بين كبار المسؤولين الإيرانيين على رأس أولويات لندن، وفي بعض الحالات كان الأمر ناجحًا، ورأينا مثالاً على ذلك في العلاقات بين أجهزة التجسس البريطانية وعلي رضا أكبري المسؤول الدفاعي الإيراني السابق. لكن هؤلاء الأشخاص تم التعرف عليهم ومعاقبتهم دائمًا بمساعدة قوات المخابرات الإيرانية، وفشلت خطط لندن الشريرة للإضرار بطهران.
في السنوات الأخيرة، اتخذت بريطانيا أساليب أخرى للضغط على طهران من خلال الحرب النفسية. حيث أظهرت بريطانيا عدم استعدادها لاتخاذ مسار سلمي مع إيران، من خلال إيواء شبكات مناهضة لإيران في لندن، مثل “إيران إنترناشيونال” التابعة للسعودية، وشبكة “بي بي سي”، التي تعمل باستمرار على تعزيز وتهيئة الأجواء المناهضة لإيران.
يظهر الدعم الكامل للاضطرابات الإيرانية ومحاولة معاقبة الحرس الثوري، أن لندن تدمر كل الجسور خلفها والتي يمكن أن تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية.
يتم إدراج الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب، في الوقت الذي لعب فيه هذا التنظيم دورًا مهمًا في العقد الماضي في مواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من الغرب، وكان في الخط الأمامي لمكافحة الإرهاب وحماية موارد إيران من الحكام الغربيين.
لذلك، فإن الإجراء البريطاني المثير للجدل ضد الحرس الثوري الإيراني سيكثف التوتر بين طهران ولندن، وسيكون له تأثير سلبي على التعاون الدبلوماسي بين إيران والغرب فيما يتعلق بإحياء الاتفاق النووي، وتداعيات ذلك سيتحملها مسؤولو لندن وواشنطن الذين اختاروا الطريق الخطأ لتحقيق أهدافهم.