طالبان.. وتداعيات أسلوب الحكم

ان البنية الحالية لطالبان لم تفلح لحد الآن في عبور وتجاوز مرحلة التصدع في مسعاها لتشكيل الحكومة المطلوبة، وذلك لاحتوائها على 3 تصدعات: أمنية، المشروعية، الامكانات والقابليات

2023-01-21

هنالك أربع ميزات مختلفة على الاقل تميّز زعيم الطالبان الحالي، الملا هيبت الله، على الزعيمين السابقين، أي الملا محمد عمر مجاهد والملا أختر محمد منصور. فهو اولاً افضل منهما من حيث التحصيل العلمي. ثانياً، قبيلة نورزهي، التي ينتمي اليها الملا هيبت الله، هي بالمقارنة مع قبيلتي الهوتك (قبيلة الملا محمد عمر) واسحاق زهي( قبيلة اختر محمد منصور)، اكثر سعة وتعداداً في الافراد. وهذه هي اول مرة يحتل فيها فرد من هذه القبيلة رأس الهرم في افغانستان. ثالثاً، فانه من خلال ارسال ابنه لتنفيذ عمليات انتحارية بيّن انه يحظى بأسس عقائدية اكثر رسوخاً من الزعيمين المذكورين، رابعاً فصاحة لسانه واستخدامه آيات قرآنية واحاديث نبوية علاوة على الادبيات التي يستعملها في خطبه، كلها جعلت منه لدى الطالبان شخصية كاريزماتية على نحو اكثر من المذكورين.

ويبدو ان اسلوب حكومة الملا هيبت الله هو مختلف أيضاً: فقد سعى في اسلوب حكمه على التركيز على المقدرة، وحافظ عليها لنفسه وللمقربين منه الحاملين نفس افكاره. وكانت جديته واضحة في مسار تحويل القدرة الى اقتدار من خلال استحصال الشرعية الالهية تأسسيساً على الشريعة الاسلامية.

كما اكد على تعزيز مكانة طيف رجال الدين في البنية الحاكمة الخاضعة لسيطرتهم وعدم تفضيل الاجنحة السياسية على رجال الدين. وشدد اطار الطالبان على الاجنحة الأخرى. يذكر انه لم يبد أي اهتمام وعناية بملاحظات الاطياف السياسية الطالبانية حول كيفية ادارة البلاد، التي لم تكن في اطار قراءته للاسلام. وعلى الرغم من وجود بنية تنفيذية المفروض منها ان تدير شؤون البلاد، فانه تدخل في الامور التنفيذية واجرى تغييرات من قبله في مختلف القضايا. وكان معنياً ومهتماً بجدية في المحافظة على نفوذه وتنفيذ ارادته المباشرة، خاصة في المنظومة الامنية. وهو لايزال يدافع بصراحة وبدون الاهتمام بالاعتراضات، عن القيود المفروضة في صعيد مواصلة دراسة وعمل النسوة.

ان تجربة نحو 17 شهر في ادارة شؤون افغانستان على يد هذه الجماعة تبين انه قام ويقوم خطوة بعد اخرى لتثبيت مكانته، وانه جعل من قندهار المركز الرئيسي للسلطة وادارة البلاد. وهو في الواقع بين انه لايعتزم ان يكون مجرد زعيماً معنوياً فقط. وبالنسبة له، المحافظة على قاعدته وعلاقاته وتعاملاته داخل افغانستان تحتل اولوية أهم مقارنة بالتعامل مع جهات من الخارج. وفي مسار تثبيت طريقة الحكم التي يريدها، فقد زاد من حجم التأثير المباشر للطالبان على القوات المسلحة، الى حد انه تفقد مؤخراً قوات الطالبان في محافظتي قندهار وهلمند بدون تواجد وزير الدفاع.

وعلى الرغم من رغبة اجنحة سياسية من الطالبان في تطبيع العلاقات مع البلدان الأخرى،  واتخاذ موقع في اطار المنظومات المعترف بها دولياً، فان الملا هيبت الله اعطى الاولوية للبنى الايديولوجية المقبولة لديهولدى المجموعة المحيطة به مشدداً على مواصلة طريق مختلف، وهذا مشهود وواضح في مواقفه وتصريحاته.

ان البنية الحالية للطالبان لم تفلح لحد الآن في عبور وتجاوز مرحلة التصدع في مسعاها لتشكيل الحكومة المطلوبة، وذلك لاحتوائها على 3 تصدعات: أمنية، المشروعية، الامكانات والقابليات. لكن على الرغم من ذلك فان هذه الجماعة ستبقى لفترة لا يمكن التكهن بمقدارها قابظة على القدر الاكبر من السلطة في افغانستان في أي متغيرات يمكن ان تحدث، محافظة على وجودها السياسي وربما أيضاً على عناوين متباينة. لكن بطبيعة الحال فان استمرار الوضع القائم، خاصة في ظل التأكيد على المحافظة على الطرف والاساليب في ادارة شؤون البلد، يجعل من المستبعد امكانية ثبات المنظومة الشاملة والمتسلطة على حالها في فترة مقبلة.

ان عدم إحداث تغيير في اسلوب حكم الطالبان، يمكن ان ينتج عنه حالتين اثنتين:

الاولى: في ظل قلة المصادر، فان استمرار الضغط وتأثيرات اطراف خارجية ومواصلة الاجنحة في الداخل تنافسها على الوصول الى المصادر المحدودة ونيل القدرة السياسية لغرض التاثير على اوضاع البلاد، من المحتمل ان تثمر شكلاً من اشكال النزاع الداخلي.

من الطبيعي ان الاولوية لكافة الاطياف المختلفة داخل الطالبان هي ضرورة المحافظة على بقائها، وهذا هو اهم عامل يحول دون الخوض الحقيقي في نزاعات داخلية في الأمد القصير. لكن مع استمرار الوضع القائم والاصطفافات الداخلية، يبدو مستبعداً بقاء هذا الوضع بدون تغيير. وهنا ليس ثمة ضمان لبقاء أي فئة داخل الطالبان بمنأى عن هذه النزاعات.

الثانية: مع مواصلة طريقة الحكم الحالية، فان الملاحظات الناجمة عن وجهة نظر الطالبان حيال المجاميع المتطرفة، غير الافغانية، المتواجدة على الاراضي الافغانستانية قد اشتدت حدتها ما سيؤدي الى أن تحظى هذه المجاميع بالمجال والفرصة الكافية لتقوية بنيتها التنظيمية وقواها البشرية وأيضاً اجتذاب موارد مالية بمختلف الطرق. وهذا سيعمل بصورة طبيعية على حدوث تهديدات وتوتر وانعدام أمن في مساحات جغرافية (لا تقتصر بالضرورة في منطقة معينة)، من قبل هذه المجاميع، وسيتعذر اجتنابها. الامر هذا يمكنه في غضون فترة متوسطة ان يؤدي الى اعادة المجتمع الدولي النظر في عدم العودة الى ساعة الصفر. (طبعاً ليس هذا يجب ان يكون شبيهاً للعام 2001) في مجابهة الأزمة في افغانستان.

 

المصدر: الوفاق/ خاص/ محمدرضا بهرامي