عبير شمص
تتعرض الثقافة الفلسطينية وتلك المؤيدة لها في العالم للاضطهاد بهدف خلق معادل للإبادة في غزة. فهي مهددة اليوم، وقدرتها على المقاومة لا تقل أهمية عن قدرة الفدائيين على صناعة أسطورة الصمود في غزة. يهدف العدو الصهيوني عبر محاولاته المتكررة لإبادة الثقافة الفلسطينية إلى إخراس الصوت والهوية الفلسطينية، هذا يتكرر منذ تأسيس هذا الكيان المؤقت، ففي عام 1948، اعتقد العالم أن قضية فلسطين انتهت وأنه يُمكن اختصارها بالإعاشة التي تقدمها الأونروا. غير أن المفاجأة أتت من حيث لا يتوقعون؛ فقد قامت الثقافة الفلسطينية بترميم نفسها عبر الشعر أولاً، معيدة إنتاج الهوية على كافة المستويات، وتحول الفدائيون إلى كلمات جديدة تكتبها الدماء والتضحيات. لقد تعلم الصهاينة وحلفاؤهم الغربيون الدرس جيداً، فاذا أردت أن تبيد شعباً أو تمحوه، عليك أن تدمر ثقافته وتمحوها تمهيداً لتهميشه بشكل نهائي، وحول أهمية معركة الحفاظ على الثقافة الفلسطينية التي علينا أن لا نستهين بها، والتي هي أحد أوجه معركة الوجود، وهي معركة الثقافة العربية بأسرها وليست معركة الفلسطينيين وحدهم، حاورت صحيفة الوفاق الإعلامي والكاتب الفلسطيني الأستاذ عثمان أحمد بدر، وفيما يلي نص الحوار:
سرقة التراث الثقافي الفلسطيني
يشير الأستاذ بدر إلى أن:” الشعب الفلسطيني يتميز بغنى ثقافي من الأرض واللباس والفن والطعام والفولكلور و… ، وهنا ما لم يستطع العدو الصهيوني تدميره لجأ إلى سرقته وإدعاء نسبه له، فنجد بعض الأكلات الفلسطينية المعروفة مثل الحمص نسبها العدو الصهيوني إليه، حتى العملة التي يتعاملون بها اليوم “الشيكل” هي عملة فلسطينية بالأساس وإسمها ” الشيقل”، حتى الكوفية الفلسطينية التي تعتبر رمزاً للنضال الوطني الفلسطيني تم سرقتها وارتدائها في مسابقات الجمال الصهيونية، كل هذا التدمير الممنهج لثقافة الشعب الفلسطيني لمحو آثار هذا الشعب وتراثه لتكذيب حقيقة أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الحقيقية والترويج للسردية الصهيونية بأن هذه أرض الميعاد وبالتالي هي أرض صهيونية وليست فلسطينية، وللأسف يتبنى بعض العرب المطبعين هذه السردية وأن وجودهم في فلسطين إعتداء على اليهود لأن هذه الأرض هي بالأساس لهم، وبلغ الأمر ببعضهم إلى القول أن المسجد الأقصى المبارك الموجود في فلسطين ليس هو المسجد الأقصى الحقيقي، وبلغ بمثقف عربي القول لقد صليت في مسجد في أوغندا قدسيته تفوق قدسية المسجد الأقصى، وهذه ليست تصريحات عبثية بل بدأ بعض المثقفين العرب بشيطنة الفلسطيني لإنهاء القضية الفلسطينية والسعي للتطبيع مع العدو الصهيوني، شيطنة الشعب الفلسطيني عمل تبريري من قبل هؤلاء المتصهينين العرب لسحب القدسية عن أرض فلسطين كي لا تحاسبهم شعوبهم، فوصموه بالإرهاب والقتل وسلخ القدسية عن الأماكن المقدسة في فلسطين وفي مقدمتها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ليتماهى مع المشروع الصهيوني الرامي إلى سلخ الثقافة الفلسطينية عن أصحابها وتدميرها بشكلٍ تام سعياً لإثبات أحقية هذه العصابات بأرض فلسطين”.
مثقفو فلسطين في دائرة الاستهداف
يؤكد الكاتب بدر بأنه:” من البديهي والطبيعي استهداف المثقفين لأنهم أساس وعماد الثقافة لأي بلد، لذلك نجد أن جهاز الموساد الصهيوني شرع بعمليات الاغتيال الممنهج للمفكرين والمثقفين والعلماء الفلسطينيين منذ عام 1950 يعني بعد سنتين من إعلان قيام كيانهم المؤقت، فاغتال عدداً من العلماء والمثقفين بشكلٍ سري، ومن ثم أصحبت عملياته علنية في السبعينات وما بعدها وكانت أبرز عمليات الاغتيال للمثقف الفلسطيني الكبير الكاتب غسان كنفاني ومجموعة من المثقفين وتوالت الاغتيالات، هذه الاغتيالات والهدم والسرقة لتراثنا وثقافتنا ومثقفينا يثبت أن معركتنا مع الصهاينة ليست عسكرية فقط بل معركة إعلامية تراثية أخلاقية إنسانية بإمتياز، وما زال هذا العدو مستمراً بسياسته في تدمير الثقافة واغتيال المثقفين الذين هم عامود الثقافة في غزة”.
الحفاظ على التراث يعتبر مقاومة
يشير الكاتب بدر بأنه:”عندما يحاول العدو تدمير الثقافة الفلسطينية فهو يهدف إلى مسح ذاكرة الشعب الفلسطيني والقضاء على ثقافته عبر تدميرها أو سرقتها ونسف السردية والرواية الفلسطينية بأحقية الشعب الفلسطيني في أرضه وجذوره الممتدة فيها، وحاول الصهاينة إثبات وجودهم التاريخي في أرض فلسطين عبر التنقيب عن الأثار التي تثبت أحقيتهم في الأرض ولكن أثبتت هذه الحفريات كذبهم وأكدت فيما لا يدع مجالاً للشك التواجد الفلسطيني منذ القدم ودحضت إدعاءاتهم الكاذبة”
ويؤكد الكاتب بدر بأن أحد أوجه مقاومة هذا الاستهداف الصهيوني التمسك بالإرث الفلسطيني العربي:” لذلك بدأت منذ عام 1948 جمعيات ومؤسسات ومراكز تُعنى بالحفاظ على التراث الفلسطيني ونفذت العديد من الأنشطة الثقافية ومنها إنشاء فرق تراثية فنية وتوارثت الأجيال الفلسطينية مهمة حفظ الهوية الثقافية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني عبر وسائل شتى منها إقامة المهرجانات الثقافية الخاصة بالفولكلور الفلسطيني”
ويختم الكاتب بدر حديثه بالقول:” هذا التوحش الصهيوني والمجازر ساهمت بتوضيح الصورة الحقيقة للعدو الصهيوني المجرم أمام العالم، ورأينا نتيجته تحولاً كبيراً في المزاج الشعبي الأوروبي وفي الولايات المتحدة الأمريكية، فتضامن طلاب الجامعات والمثقفون دعماً للشعب الفلسطيني، وأعتقد في النهاية أن المقاومة في فلسطين ولبنان هي القوة الحقيقية ورأس الحربة في استرجاع الحقوق والأرض المحتلة والحفاظ على الثقافة والتراث الفلسطيني واللبناني”.