موناسادات خواسته
تحظى فلسطين بمكانة خاصة لدى جميع أحرار العالم، فالقضية الفلسطينية قضية كل مقاوم وكل إنسان حرّ، الشعر والأدب الفلسطيني هو أنموذج بارز في أدب المقاومة، ففي الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني المظلوم لمختلف الجرائم أمام أعين العالم، أجرينا حواراً مع الأمين العام لإتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين الأستاذ “مراد السوداني” والذي هو شاعر وكاتب فلسطيني، فكان الحديث عن الشعر والأدب الفلسطيني وأدب السجون وجائزة فلسطين العالمية للآداب، وفيما يلي نص الحوار:
الإنحياز إلى الشعر
يبدأ الأستاذ “مراد السوداني” الحديث عن الدافع الذي دفعه نحو الشعر والأدب، حيث يقول: أنا من أسرة فلاحية، تُتقن الحرث والزرع، وفي القرية بما فيها من طقوس ومن إرث وموروث واهتمام والدي بالتراث والزجل الشعبي، وتراديد أمي، كل ذلك كان له الأثر الكبير في الإنتباه إلى هذا الإيقاع الذي فهمت فيما بعد بأنه ضرب من الشعر، والقرية مفتوحة على الجماليات وعلى السياق الرعاوي، وعلى البر والوعر بما فيه ما من طاقة خير وفعل ومراقٍ إلى سدرة البهاء والحضور، كل ذلك كان له التأثير الكبير على قصيدتي فيما بعد، وانحيازي إلى الشعر.
بالدم نكتب لفلسطين
يعتقد السوداني أن الكتابة في فلسطين تختلف عن أية كتابة في العالم، ويقول: إذا كانت الكتابة في غير مكان من العالم بالحبر البارد، فإن الكتابة في فلسطين إستثنائية بامتياز، هي كتابة بحناء وردة السادة الشهداء وشعار العام لإتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين منذ عام 1972 هو “بالدم نكتب لفلسطين”، حيث وشم السيد الشهيد “حنّا مقبل” رئيس تحرير “فلسطين الثورة” هذه المقولة منذ التأسيس وبقيت حتى اللحظة، إلى أن قضى شهيداً في عام 1984 إغتيالاً في قبرص، فطوبى له لأنه قال ولأنه فَعَل، فالكتابة الفلسطينية، كتابة غايتها التحرير والذهاب نحو الحرية المـُنتهى من أجل حرية كل فلسطين، وبالتالي الكتابة لدى الكتّاب والمبدعين الفلسطينيين في الوطن والشتات ليست كتابة لطرف، وليست كتابة من أبراج عاجية، بل هي كتابة ميدانية ترغب في توثيق وتأصيل كل هذه التراجيديا الفلسطينية، ليس اليوم بل منذ ما يزيد على مائة وعشرين عاماً، منذ “نوح إبراهيم” الذي أستشهد وبندقيته في كتفه، وكان في مجالس قائد ثورة 1936، عزالدين القسام، وكتب العديد من الأغاني للثورة، صُعداً بالشهيد الفارس “عبدالرحيم محمود” شهيد الشجرة، صُعداً نحو استشهاد “كمال ناصر” الشاعر الذي يُطلق النار على لسانه، في محاولة لإسكات الصوت الفلسطيني ورسالة بخوف هذا العدو ومزامل الأغنيات، وأيضاً استشهاد واغتيال “غسان الكنفاني” ثم استشهاد “ماجد أبوشرار” و “علي فوده” الذي استشهد في بيروت وهو يوزّع جريدة الرصيف، للـ “علي جوهرية” إلى “أكرم زعيتر” إلى مجموعة كبيرة من الكتّاب والأدباء الفلسطينيين الذين قالوا ما كانوا وكانوا ما قالوا من أجل كتابة فلسطين ومعاناتها وبطولاتها وكل تضحياتها، لذلك الشعر هو واحد من الأدوات والمكوّنات التي إشتغل عليها المثقف والمبدع الفلسطيني في تأصيل الحق والحقيقة الفلسطينية في مواجهة روايات النقيض الإحتلال الذي يسعى لخلق رواية مزيّفة طيلة الوقت، لقد أقاموا هذا الكيان وأرادوا كما قال “بن غوريون” أن يفهموا لها تاريخاً وذاكرة، وبالتالي نحن هناك في مساحة من الإشتباك من قبل ومن بعد هذه الرواية المزوّرة والمفبركة وهذه الأضاليل والشعر كما قلت يبحث عن مساحة الحرية على اتساعها باتساع وامتداد كل فلسطين.
أدب مقاوم بامتياز
يواصل الأستاذ السوداني كلامه بالحديث عن الشعر والأدب الفلسطيني، حيث يعتبره أدباً مقاوما بامتياز، ويقول: منذ ما يزيد على 120 عاماً الشعر الفلسطيني قد خبأ أو قد كبى، وحدثت انزياحة باتجاه تجريده بعيداً عن أدب المقاومة وتقليعات تذهب نحو العدمية أو الذهاب إلى الهامش والمـُعتم في الروح والمكان والزمان ولكن الأدب الفلسطيني ظل إمتداداً لشعلة الفعل المقاوم، ونصب المثقف الفلسطيني رايته وثبّتها على أُحُد الثقافة والمواجهة والمناضلة مع هذا النقيض الإحتلالي، وكل استطالاته وسياقاته المعرفية والثقافية المرقومة، فظل محافظاً على قوة الثقافة الفلسطينية بامتدادها العميق بإرثها ومورثها، بهويتها الثابتة والراسخة التي لا تسقط في اللحظة ولا تُسقط عن لحظة، وظل المثقف الفلسطيني متقدماً ومشاركاً بالقلم والبندقية في كل مراحل الثورة الفلسطينية حتى اللحظة، ومازال كتّاب وأدباء فلسطين الآن في غزة التي تتعرض للإبادة الجماعية والإبادة الثقافية حيث سقط إغتيالاً مايزيد على 47 شهيداً أعضاء في اتحاد الكتّاب من مثقفين وكتّاب وأدباء فلسطينيين بالإضافة إلى إغتيال ما يزيد على 100 من المفكّرين والأكاديميين ورؤساء الجامعات، كل ذلك لم يثن المثقفين وأعضاء الإتحاد وكل مشتغل بالشأن الثقافي والمعرفي في غزة، على رغم كل هذا الدمار للبنية الثقافية من مراكز ثقافية ومتاحف وجامعات ومدارس وجداريات ومراكز فنية وكل ما يتعلق بالوعي والثقافة، كل هذا التدمير لن يثني المثقفين والكتّاب والأدباء على اختلاف مكوناتهم الإبداعية من تأصيل مقولتهم وتدوين هذه المذبحة والمقتلة التي تحدث أمام صمت عربي وفُرجة عالمية، لذلك ويواصل كتّابنا وأدباؤنا بصبر وثبات وصمود وتحد رغم كل الويلات وكل الأهوال، طريق فلسطين الطويل في كتابة هذا الوجع وهذه التراجيديا لغزة، أسطورة الدم والرماد والبطولة والعناد والفعل المقاوم.
ويتابع السوداني: عندما نتحدث عن “طوفان الأقصى” في هذا السياق نتحدث عن كلما حدث من مساحة من التدمير في المكان والزمان على امتداد فلسطين كاملة غير منقوصة، جعل المثقف الفلسطيني والمثقف العربي والمثقفين في العالم، يستعيدون قوة أدب المقاومة ويصوغون قلوبهم نحو فلسطين ويعضّون النواجذ بأقلامهم على تراب فلسطين المقاوم ويؤكدون أن الأدب المقاوم مازال عفياً ومازال مواصلاً هذا الطريق الطويل، طريق فلسطين نحو التحرير والعودة.
ذهاب فلسطين إلى العالم من خلال الأدب
فيما يتعلق بإيصال صوت فلسطين عن طريق الشعر والأدب، يقول السوداني: للمثقف وللمبدع ولكل مكوّنات الإبداع في فلسطين مساحة وفضاء وطريق، من أجل إيصال معاناة شعبنا إلى العالم فإذا كان العالم لا يستطيع أن يأتي إلى فلسطين، فالتذهب فلسطين إلى العالم، من خلال الأدب والفن والثقافة والإبداع والمعرفة، على اختلاف مكوّناتها وبالتالي ليس لنا سواء أن نستعصم بجبل الثقافة وأن نؤكد على قوة هذه الثقافة في العبور إلى التخوم وتجاوز الحدود والعبور عبر الزمن في نقل هذه المعانات وفي توثيقها وتأصيلها، وفي فضح رواية النقيض الإحتلالي وجرائمه وكشف هذا القناع عن الديموقراطية الزائفة والإنسانية المعدومة وكل هذا الإدعاء والضلال الذي تحاول سياسات الإحتلال أن تعممه من خلال منظومة إعلامية وثقافية وتجنّد لها كل الدعم من أجل تزوير الحقائق، لذلك أمامنا تحدٍ كبير في أن نكتب سيرة المكان وبطولة المكان في فلسطين وأيضاً عبقرية هذا المكان من خلال الإنسان الفلسطيني المقاوم الذي مثلما قلت، لم يغادر بيت العزاء منذ ما يزيد على 120 عاما وظل ممسكا بغرة المقولة الثابتة الراسخة والمقاومة ويؤكد من جديد أنه كثقافته غير قابل للمحو والزوال والتواري، والإنكسار والإنحصار أو الهزيمة، بل هو يتحمل كل هذه العذابات وكل هذه الأهوال وكل قواعد التدمير والإستباحة، بصبر وبعناد مقدس وبمثابرة من أجل الخلاص من هذا الإحتلال ومن أجل كتابة سيرة المكان بما يليق بالتاريخ وبالدم المجيد.
ترسيخ ثقافة المقاومة
يعتقد السوداني أن ترسيخ ثقافة المقاومة تكون عبر التوثيق والتدوين لكل ما يحدث على أرض فلسطين والحفاظ على إرث وموروث فلسطين التي تتعرض للسرقة والنهب، في محاولة لسلب الهوية الثقافية الفلسطينية من خلال رواية الإحتلال النقيضة التي تقوم على سرقة كلما يتعلق بهذه الهوية من تراث وإرث وأكلات شعبية ودَبكة فلسطينية وأغاني فلسطينية وكوفية فلسطينية، التطريز الفلسطيني، وكلما يتعلق بمكوّنات الهوية الفلسطينية التي تتعرض للمحو والسلب والإستلاب، ويقول: فلم يكتفوا بسلب المكان بعد محوه واستبداله بأسماء عبرية وتهويد المكان، كما يحدث الآن في القدس وغيرها من الأماكن في فلسطين وما وطأ الإحتلال من أرض فلسطين، بل يسعون إلى تزوير التاريخ وإلى نسبه إلى هذا الإحتلال من خلال سرقة كل مكوّناته، وبالتالي كتابة كل هذه التفاصيل بتاريخ فلسطين وتأصيله من خلال الآثاريين والجغرافيين ومن خلال الكتّاب والأدباء والمختصين بالشأن الثقافي، هو إبقاء جذوة هذه الهوية حية وقدرة على مواجهة كل التحديات وكل مساحات الإلغاء والمحو الذي يقوم بها هذا الإحتلال وبالتالي عندما نكتب هذه الثقافة ونسعى إلى هذا التأصيل نحن نمضي بثقافة المقاومة لأن كما قال الشاعر المحارب رحمه الله خالد أبوخالد: “كلما يجرح سلاح”، وبالتالي الوردة على التل وهي تتعرض لأنياب الجرافات، كما زيتون فلسطين، الذي أصله ثابت وفرعه في السماء يتعرض لأنياب الجرافات هو سلاح، زغرودة أم الشهيد، وهي تودّع أجمل أبنائها، سلاح، دمعة الأم وهي تحتضن أطفالها الشهداء في غزة وفي كل فلسطين هي سلاح، الأغاني الفلسطينية الصادحة بالصمود والبطولة والمقاومة وهي تعزز صمود المقاومين، وشعب فلسطين منذ 100 عام، منذ أغاني نوح إبراهيم حتى اللحظة، من أغاني العاشقين وأغاني الجذور وكل أغاني الفرق الفلسطينية والمنشدين الفلسطينيين، كل ذلك سلاح، لذلك مجرد أن تكتب، إذن أنت تقاوم، ومن يقاوم ينتصر حتما ًوهذه حتمية.
ويتابع السوداني: علينا من خلال هذا الإبداع أن نقوم بتظهيره وبترجمته، لأن الأدب الفلسطيني بحاجة إلى الترجمة لكي يعرف العالم بكل اللغات كل هذه المعاناة ويتعرف إلى أدب المقاومة، وهذا أدب إستثنائي وبرأيي أن غزة تحديداً وكتّاب وأدباء غزة بعد هذه الملحمة الكبرى من الصمود والعناد، وأيضاً الموت والدمار والإبادة، والإلغاء التي تتعرض له غزة، والإستلاب التي تتعرض له الضفة يومياً والمجازر اليومية والقتل اليومي، والجرائم التي يُعاد إنتاجها على جسد كل فلسطين ستنتج أدباً مغايراً واستثنائياً ومختلفاً قادراً على أن يقدّم مساحة مختلفة من الإبداع وسياق مغاير وكل ما أعانيه على مقدار ما أعاني يكون، وبالتالي مرة أخرى الترجمة هي الوسيلة الأمضى والأنقى والأبقى في إيصال ومد الصوت الفلسطيني إلى فضاءات العالم، لكي يتعرف إلى هذا السياق وبالتالي المطلوب، الحث على ترجمة الأدب والإبداع الفلسطيني بكل مكوناته لكي يتعرف العالم على نوعية جديدة من الأدب والإبداع والمقاومة الثقافية.
مواجهة الكيان الصهيوني من خلال فضح روايته
يمكن مواجهة الكيان الصهيوني من خلال فضح روايته وكشف الوجه البشع وكل مقولاته التي سقطت في اللحظة واستطاعت أن تتفكك أمام الحق والحقيقة الفلسطينية، باعتقاد السوداني، ويقول: ما يحدث من حراك ثقافي للطلاب والأكاديميين، والفنانين والمبدعين وكل مَن اهتزت ضمائرهم من المثقفين في العالم، يؤكد بطلان رواية النقيض الإحتلالي، ونحن بدورنا بما نثبته من توثيق وتأصيل وتدوين لمعاناة شعبنا لهذه التراجيديا التي بدت كونية على أرض فلسطين مثلما هي الحرب كونية على فلسطين، تستطيع من خلال سيّال الدم الفلسطيني ومن خلال البطولات ومن خلال هذا التوحش الذي يقوم به النقيض الإحتلالي بشكل غير مسبوق عبر التاريخ في محاولة لإبادة ثقافية وجماعية، في قطاع غزة، نستطيع أن نكتب شهاداتنا ككتّاب وأدباء ومبدعين وهو ما يشتغل عليه كتّاب وأدباء فلسطين، وبالتالي نحن مطالبون بتحمل هذه المسؤولية في أن نكتب كل هذا الوجع، الذي يفوق الجنون، لكي يتعرف العالم على وحشية هذا الإحتلال، وإلى جرائمه وما تعرض له شعب فلسطين في غزة وفي الضفة الغربية من ويلات أمام هذه الفرجة الكونية، وبالتالي الأدب سلاح ناطق يستطيع أن يقدّم الحق والحقيقة، ويستطيع أن يترك في التاريخ بصمة، في لحظة صعبة ومرّة من تاريخ فلسطين غير مشهودة.
سياسة الكيل بمكيالين
أما حول اتخاذ سياسة الكيل بمكيالين تجاه جرائم الكيان الصهيوني، يقول السوداني: أمريكا وأوروبا تجنّد كل إستطالاتها الإعلامية والثقافية لإحتضان هذا التزوير الإحتلالي ولكل هذه الإدعاءات وبالتالي نحن مطالبون كمثقفين ومبدعين في فلسطين بالتصدي لكل هذا التزوير وهذه الرواية المشوهة والملغومة والمدعى وأن نفككها بقوة الثقافة والحقائق الفلسطينية وبتاريخ فلسطين العميق وثقافة فلسطين وهويتها الصلبة التي لن يستطيع هذا الإحتلال على الرغم من كل محاولاته من إختراقها ومن تفكيكها، على الرغم كل ما قدمه من تشويه، إلا أن الثقافة الفلسطينية من خلال الأدباء والكتّاب الذين قاتلوا بالكلمة والبندقية قادرون على أن يؤصّلوا تاريخ هذه البلاد بما يليق بتضحياته ومعاناته وبصموده الأسطوري.
أدب السجون
عندما سألنا الاستاذ السوداني عن رأيه حول أدب السجون، هكذا ردّ علينا بالجواب: منذ الثلاثاء الحمراء وما أُغنيت أغانيهم التي حفروها على جدار الزنزانة التي في عكّا حتى اللحظة، أدب السجون راكم تجربة مختلفة واستثنائية من خلال قدرة المثقفين الفلسطينيين والمقاومين الفلسطينيين في أن يحوّلوا هذه السجون وهذه الباستيلات إلى آكاديميات إبداعية وثورية، فتلقوا التعليم، وحفروا أسماءهم للحصول على وعي مختلف واستثنائي والإصرار على التعلّم بالإضافة إلى مجموعة من الإبداعات في الرواية والشعر والفن والرسم وبأدوات بسيطة إستطاعوا أن يقدّموا إنحيازهم للحياة ودفاعهم عنها في مواجهة السجّان والموت والرطوبة القاتلة والحصار والتعذيب، وكل الأوراق التي خرجت من السجون إستطاعت أن تقدّم أدباً ومعرفة وثقافة إلى العالم لكي تؤكد أن المعتقل والسجين الفلسطيني وهو في أبشع الظروف قادر على أن يُبدع ويقاوم، ومثلما قلت كل كتابة هي مقاومة، فكيف إذا كانت داخل السجون؟ وجعلوا من هذه العتمة وهذه المساحات التي يُعد الإنتاج للعذاب فيها على أجسادهم وأرواحهم أن يثبّت الزمن بمعنى كتابة كل هذه التفاصيل، وكل هذه المعاناة وكل هذه البطولات أيضاً داخل السجون ويستطيعون أن يذهبون بهذه النصوص إلى حيث يجب أن تكون من تظهير ونشر وطباعة بالخارج، إستطاعت أن تحصل العديد من كتابات الأسرى من “باسم الخندقجي” وغيره، على العديد من الجوائز الفلسطينية والعربية والعالمية، وأن يقدّموا أدباً مختلفاً واستثنائياً من هذا المنطلق، فإن أدب الحرية في المعتقلات يقدم نموذجاً للفلسطيني المثقف المقاوم الذي يرفض أن يتقبّل روايات نقيض الإحتلال على الرغم من كل الإكراهات والعذابات، وهذا الأدب أيضاً بحاجة إلى الترجمة ليصل إلى العالم وليعرف العالم حجم المعاناة وما يتعرض له الأسرى في داخل السجون، نحن في الإتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين أصدرنا العديد من الكتابات الإبداعية، والعديد من النصوص لمبدعين ومثقفين فلسطينيين ومازلنا نواصل هذه السلسلة من توثيق إبداعات السجون وتقديمها إلى العالم.
التعريف بالثقافة الفلسطينية المقاومة
أما حول الرسالة التي على عاتق الأدباء والمثقفين، يقول السوداني: نحن في الإتحاد العام لكتّاب والأدباء الفلسطينيين وفي كل مكوّنة نسعى إلى نقل الكتاب الفلسطيني من خلال معارض الكتب العربية والدولية والتعريف بأدب فلسطين، ومثقفي فلسطين في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ فلسطين، وأيضاً نسعى من خلال المؤتمرات مثل الندوات العربية والعالمية إلى التعريف بالثقافة الفلسطينية المقاومة التي تكتب يومياً بالدم من أجل ليس فلسطين وحدها بل من أجل عمقها العربي صُعداً نحو الإنسانية لأن فلسطين قضية إنسانية وهي قضية كل الأحرار في العالم، نحن لا ندافع عن حريتنا كفلسطينيين، بل ندافع عن الحرية في العالم ومن هنا فإن الدور الذي يطّلع به المثقفون كبير في ظل الحصار وعدم وجود الإمكانيات، ولكنهم رغم كل ذلك يحفرون مقولة فلسطين العالية والثابتة والراسخة ويؤكدون أنهم قادرون كلما أوغلوا في ذاتيتهم في فلسطين وترابها وتفاصيلها وهوامشها وفي ثقافتها العميقة ومعاناتها اليومية، كلما أصبحوا عالميين وكلما تنادى العالم إلى مقولتهم بشكل مختلف واستثنائي وبالتالي هذا هو التحدي الكبير الذي علينا أن نبقى ممسكين به حتى نكتب تاريخ فلسطين وحتى نوصل فلسطين إلى العالم وكما أقول دائماً عندما لا يستطيع العالم أن يذهب إلى فلسطين، فعلى فلسطين أن تذهب إلى العالم من خلال الكتّاب والأدباء والكتاب الفلسطيني والمعارض التشكيلية والأفلام الفلسطينية، وكل ما يتعلق بالثقافة والمكوّنات الثقافية الفلسطينية.
جائزة فلسطين العالمية للآداب
عندما دار الحديث عن جائزة فلسطين العالمية للآداب وتأثيرها في دعم المقاومة وفلسطين، يقول السوداني: جائزة فلسطين العالمية للآداب هي إستطالة وسياق ورافعة لدعم أدب المقاومة وفي القلب منها فلسطين، حيث كتّاب وأدباء فلسطين مازالوا على قيد المواجهة وقيد الكرامة والفعل المقاوم ومازالوا يواصلون طريق تحرير فلسطين، وتأصيل مدارك الأجيال، والتأكيد على أن الكلمة المقاومة هي التي تُكاتف الفعل الثوري كما ظلت الكلمة منذ ما يزيد على 120 عاماً، منذ نوح إبراهيم حتى هذه اللحظة، وهي تواصل فعلها، في مناضلة رواية النقيض، وكل تشويهات وفبركات وكل إدعائته وأضاليله، وبالتالي تتيح جائزة فلسطين العالمية للآداب أن تسلّط الضوء على الفعل الثقافي المقاوم في غير سياق من سياقات الأدب وكتّاب وأدباء فلسطين كما قلت وتحديداً في غزة، وفي السجون كذلك، يواصلون بإرادة وعناد مقدس، وفعل ثقافي محمول على التضحيات والفداء، تأصيل مدارك الأجيال وتأكيد أن الثقافة الفلسطينية ستدافع عن حق وحقيقة فلسطين وستبقى على طريق فلسطين الطويل حتى الإنتصار الواجب، والناجز بما يليق بتضحيات كتّابنا وأدبائنا، الذين قضوا شهداء، ما يقارب 50 شهيداً حتى الآن، في مختلف صنوف الآداب وأعضاء إتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين، هؤلاء بدمائهم كتبوا كتاب البطولة وكتاب التضحية الفلسطينية وبالتالي يستحقون هم ومن أصّل وأكد على دورهم وفعلهم وعلى دور الكلمة المقاومة أن تنحاز لهم الجوائز، لأنهم هم الجوائز العليا والأنقى والأبقى.
نشاطات الإتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينين
بعد ذلك تطرقنا إلى نشاطات الإتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينين، حيث قال السوداني: إن هذا الإتحاد منذ التأسيس الأول في عام 1966 بغزة إلى التأسيس الثاني في عام 1972في بيروت كقنطرة من قناطر منظمة التحرير الفلسطينية استطاعت أن تؤصّل مقولة مختلفة ومقاومة وجعلت شعارها: “بالدم نكتب لفلسطين” أسماء الشهداء الذين قضوا إغتيالاً وغيلة في مسيرة الثورة الفلسطينية حتى هذه اللحظة، وبالتالي إتحاد الكتّاب مازال يواصل مقولته الثابتة والراسخة والمقاومة، ويؤكد على أدب المقاومة في أشد اللحظات هُلكة وصعوبة، واستهدافاً، ومازال من خلال إبداعاته ونشاطاته وحراكه العربي والعالمي، ونحن نقوم في هذه اللحظات ومنذ بداية طوفان الأقصى و 7 أكتوبر، بالعمل على تأسيس الجبهة الثقافية العالمية لدعم فلسطين من أجل حشد كل الطاقات الثقافية والإبداعية والمعرفية والفنية في العالم، من أجل أن تكون على صراط فلسطين وأن تصوّب مقولتها على فلسطين وحريتها في مواجهة التوغل والتوحش الإحتلالي، لأننا نريد من العالم مرة أخرى ومن مثقفيه ومن أحراره ومن الضمائر الحية الثقافية والإبداعية والفنية والمعرفية في العالم أن تأتي لحق وحقيقة فلسطين، وأن تكتب وتدافع بشكل قوي ومختلف واستثنائي بما تمليه الوقائع والضرورة الفلسطينية، لأن فلسطين تتعرض إلى محو غير مسبوق وامتد هذا المحو إلى لبنان كما نراه إلى المنطقة وبالتالي هذا الإستهداف الذي يقوم به الإحتلال، يجعل من فلسطين منصة لكي يطلق من خلالها كل موته ودماره على المنطقة بأكملها، لذلك نحن كمثقفين علينا مسؤولية مرة أخرى في إتحاد الكتّاب وفي كل المكوّنات الثقافية، سواء أفراداً أو مؤسسات أن نقوم بدورنا، في تأصيل الأدب الفلسطيني وأدب المقاومة وفي التعريف والترجمة والذهاب بهذا الأدب إلى العالم والمشاركة في كل الفعاليات الثقافية ومعارض الكتاب وكل مساحات الذات علاقة، لذلك الكتابة في هذا الزمان الإبادة الجماعية وزمان إغتيال فلسطين على المرأى والمسمع من العالم، بسبك ارصان وترصد يقتضي منّا كإتحاد كتّاب وأدباء ومثقفين فلسطينيين أن نكون أكثر ثباتاً وأكثر مضاءاً وأكثر تمسكاً بالإستراتيجيا والثوابت الفلسطينية، لأننا لن نقبل إلا بخارطة مكتملة وبعودة كاملة إلى كامل التراب، بما يعزز تاريخ فلسطين وثقافتها وهويتها.
الكتابة أمضى أسلحة
فيما يتعلق باعتبار الأدب الفلسطيني كسلاح في يد الشاعر والكاتب الفلسطيني، يعتقد السوداني أن كل ما يجرح هو سلاح، كما قال الشاعر خالد أبوخالد، ويقول: الكتابة هي أمضى الأسلحة وهي ألقاها وأبقاها فكما يكمن المقاتل خلف سلاحه، يكمن المثقف والمبدع الفلسطيني خلف قلمه، والثقافة هي باقية، لأنها عماد نهضة الشعوب وهي الجوهر الأنقى والأعلى والأبقى، وبالتالي علينا مرة أخرى أن نمسك بقوة الثقافة الفلسطينية، وأن نحافظ على ثقافة المقاومة والثقافة في سياق التحدي والمواجهة، محمولة على الجماليات وطاقة فعل جمالي مختلف، وأن لا ننسى أننا تحت شرط ومشارط هذا الإحتلال، وهذه يتطلب منّا كتابة الحرية على اتساعها وامتدادها واشتدادها، وهو تحد كبير يقع على مسؤولية الكتّاب والأدباء الفلسطينيين، ليس لفلسطين فقط، وما هو على كتّاب العرب والعالم، لذلك الكتابة كما أقول دائماً: “من يكتب، يقاوم، ومن يقاوم ينتصر”، والكتابة في فلسطين تحد، لأنها تواجه منظومة معدة من التشويه والأباطيل، والضلالات والتزوير، والفبركة، وبالتالي لابد لها من الحفر عميقاً في طبقات الوعي من أجل تجذيره، والمحافظة عليه من النسيان والتزوير والإستهداف والإستلاب، وها نحن قادرون ككتّاب وأدباء أن نقدّم نموذجاً مختلفاً واستثنائياً في هذا السياق وهو ما يكتبه ويؤيده ويؤصّله كتّاب وأدباء فلسطين.
الصبر والصمود والمواجهة والمقاومة
وفي ختام كلامه يقول السوداني: إننا على قيد الصبر والصمود والمواجهة والمقاومة ككتّاب وأدباء ومنشغلين ومشتغلين بالشأن الثقافة الفلسطينية وسنبقى نواصل هذا الطريق الطويل من أجل حرية فلسطين المـُشتهى كاملة غير منقوصة، على أرض الغزالة والأرجوان كما قال الغاوي الفلسطيني “محمود درويش” وأن نواصل كتابة تاريخ فلسطين بكل تفاصيلها وهي محمولة على البطولة والعناد وعلى الفعل المقاوم، وتُسند نفسها إلى ثقافة عميقة مقاومة، كل ذلك من شأنه أن يجعل من الثقافة الفلسطينية، ثقافة عابرة للزمن وباقية لا تغيب، ولا تُغيّب، وكل هذه الكتابات التي تنهض على جذر المقاومة ستُعلّم العالم معنى الصمود، ومعنى التضحية والبطولة والأدب المقاوم.