دور الشعوب العربية والإسلامية في دعم فلسطين بين تواطؤ الأنظمة وتخاذل النخب

لا يمكن لأي نظام متواطئ أن يلغي علاقة الشعوب العربية والإسلامية بقضية فلسطين. إن موقف الشعوب يظل حجر الأساس الذي يمنع اندثار قضيتنا، ويحمل راية الحق ضد قوى الظلم والاحتلال.

2024-11-06

ناصر سعيد

 

لطالما كانت فلسطين محورًا في وجدان الأمة العربية والإسلامية، رغم ما يشهده العالم من تحولات سياسية واقتصادية. ولكن في خضم التخاذل السياسي والتواطؤ الذي تتبعه بعض الأنظمة العربية، يظهر جليًا أن الدعم الشعبي العربي والإسلامي لفلسطين لم يتغير، بل يظل ثابتًا وقويًا، مدفوعًا بروح التضامن العميقة التي تربط الشعوب العربية والإسلامية بقضية فلسطين.

 

الأنظمة بين المصالح الذاتية والتحالفات الأجنبية

 

لا يخفى على أحد أن بعض الحكومات العربية انحرفت عن الدعم المباشر للقضية الفلسطينية، متجهة نحو التحالفات مع القوى الأجنبية، بما في ذلك “إسرائيل”. تتذرع بعض الأنظمة بالاستقرار الداخلي والتنمية الاقتصادية لتبرير سياساتها التي تساهم في عزل المقاومة. وبدلًا من تمكين الفلسطينيين، يتم تعميق التنسيق مع “إسرائيل”، مما يزيد من معاناة أهل غزة ويمهد الطريق لمزيد من الانتهاكات ضد حقوق الشعب الفلسطيني.

 

لكن من الضروري أن نفرق بين مواقف هذه الأنظمة ومواقف الشعوب العربية. الشعب العربي، ورغم كل التحديات الداخلية، لم يتخل يومًا عن قضية فلسطين. بل نجد أن التضامن الشعبي يزداد ويتجدد في كل محطة، سواء عبر الاحتجاجات، التبرعات، أو الحملات الإعلامية المؤيدة للمقاومة.

 

الشعوب العربية والإسلامية: نبض الأمة الداعم لفلسطين

 

من الواضح أن الشعب العربي والإسلامي يقف في صف الحق الفلسطيني بإصرار وثبات. ففي الاستبيانات والمواقف الشعبية، أظهرت الغالبية العظمى من أبناء الدول العربية، بمن فيهم المواطنون في الدول المطبعة مع “إسرائيل”، تأييدهم العميق للقضية الفلسطينية وحق المقاومة في الدفاع عن أرضها. يظهر ذلك جليًا في استبيانات رأي، مثل استبيان معهد واشنطن، حيث أيد 95% من السعوديين و91% من المصريين حقوق الفلسطينيين ودعّموا مقاومتهم.

 

ضرورة موقف عربي وإسلامي موحد ضد الاحتلال واستكباره

 

وفي الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال الإسرائيلي لفرض مشروع شرق أوسطي جديد، يطمح فيه إلى دور مهيمن وكأنه “صاحب المنطقة”، بات من الضروري أن يقف العرب والمسلمون موقفًا موحدًا في وجه هذا الاستكبار. لقد تجاوزت “إسرائيل” كل الخطوط، ولم يعد الأمر مقتصرًا على الأرض الفلسطينية، بل باتت تطمح إلى التأثير في تشكيل المنطقة بأكملها وفق مصالحها التوسعية، ضاربة عرض الحائط بحقوق الشعوب وسيادة الدول. هنا يكمن الدور التاريخي للعرب والمسلمين في الوقوف في وجه هذا المشروع، وفرض حد لهذه الممارسات التي تهدد استقرار ومستقبل المنطقة بأسرها.

 

دور النخب والمثقفين العرب: مسؤولية أخلاقية وتحديات الواقع

 

ينتظر من المثقفين والرموز الدينية أن يرفعوا صوتهم لدعم القضية الفلسطينية بشكل أكثر وضوحًا، وخاصة في ظل تعقيدات وتحديات الأوضاع السياسية الراهنة. يجب أن يكون دور النخب العربية أكثر فاعلية في مواجهة التضليل الإعلامي الممنهج والترويج الزائف بأن الشعوب العربية قد تخلت عن فلسطين. إن مسؤوليتهم الأخلاقية تتطلب منهم كسر حاجز الصمت والانحياز إلى جانب الحق الفلسطيني، وتعبئة الشعوب ضد سياسات الحكومات التي اختارت مواقف متخاذلة تجاه القضية.

 

الدعم المالي والدبلوماسي العربي لفلسطين: جهود يجب ألا تُنسى

 

صحيح أن بعض الأنظمة قد انحرفت عن دعم المقاومة علنًا، ولكن لا يمكن إنكار المساهمات المالية والدبلوماسية التي قدمتها دول عربية متعددة على مدار العقود الماضية. بعض الدول العربية لم تقتصر في دعمها على المال، بل وفرت ملاذًا آمنًا لقيادات فلسطينية ودعمت جهودهم في المحافل الدولية. علينا أن نقر بأن هذا الدعم، رغم أنه ليس على المستوى المنشود، قد أسهم في الحفاظ على القضية الفلسطينية حية.

 

ضرورة التعاون بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين لمواجهة الاستفزازات الإعلامية

 

يحاول الإعلام الموجه تشويه صورة العرب والفلسطينيين وإحداث شرخ بين الشعوب. يجب علينا كفلسطينيين أن نحذر من الانجرار وراء هذه الاستفزازات، وأن نتجنب التعميمات السلبية تجاه الشعوب العربية التي لم تتخلَ عن قضيتنا. إن إهانة شعوب عربية أو التنكر لدورها لا يخدم إلا مصالح أعدائنا، ويمكّنهم من تعزيز جهودهم الرامية إلى عزلنا عن إخواننا.

 

ختامًا، لا يمكن لأي نظام متواطئ أن يلغي علاقة الشعوب العربية والإسلامية بقضية فلسطين. إن موقف الشعوب يظل حجر الأساس الذي يمنع اندثار قضيتنا، ويحمل راية الحق ضد قوى الظلم والاحتلال. وآن الأوان لتتحد كلمة العرب والمسلمين في وجه هذا الاستكبار الصهيوني الذي يهدد بتشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالحه وأطماعه. علينا أن نوجه سهام النقد البناء نحو الأنظمة التي خذلت فلسطين، بينما نعزز أواصرنا مع الشعوب العربية والإسلامية، التي ظلت وستظل حاضنة وداعمة لقضيتنا، بغض النظر عن سياسات حكامها.

 

المصدر: الوفاق/ خاص