كيف تساعد أبناءك المهاجرين على التكيف في الغربة؟

عادة ما يواجه المغتربون كبارا كانوا أو صغارا مشاعر الوحدة والعزلة، خاصة في المراحل المبكرة من الانتقال. ووفقا لأماني محمد، وهي مصرية تعيش في الإمارات، واجهت ابنتها البالغة 11 عاما صعوبة في التكيف مع زملائها وتكوين صداقات جديدة، ما زاد شعور الأسرة بالعزلة.

2024-11-06

 

كاميليا حسين

رغم الميل الإنساني الطبيعي للاستقرار وصعوبة وثقل مشاعر الغربة، فقد تزايدت معدلات الهجرة والانتقال في السنوات الأخيرة، واضطرت عدة عائلات لاتخاذ قرار الرحيل عن أوطانهم سواء بشكل مؤقت أو دائم.

 

وتنوعت أسبابهم ما بين السعي خلف ظروف اجتماعية ومادية أفضل، أو حتى هربا من ويلات الحروب والأوضاع السياسية في بلدانهم. ووفق تقرير الهجرة العالمية الصادر في مايو/أيار 2024 عن المنظمة الدولية للهجرة يقدر عدد المهاجرين الدوليين حول العالم بحوالي 281 مليون مهاجر، في حين ارتفع عدد النازحين بسبب الصراعات والعنف والكوارث إلى نحو 117 مليون شخص.

 

وبالرغم من الفرص التي قد يوفرها السفر، فعادة ما يحمل معه سلسلة من التحديات المعقدة، خاصة في حالة وجود أبناء صغار أو مراهقين، يعانون في سبيل التأقلم في البلد الجديد، وهي معاناة تتضاعف في حالة اتساع الهوة الثقافية أو اللغوية بينه وبين البلد الأم.

 

تحديات متنوعة تواجه أبناء المهاجرين

 



تتنوع التحديات التي تواجه الأبناء سواء كانوا في عمر الطفولة أو المراهقة، ويمكن تقسيم هذه التحديات بحسب أنواعها على النحو التالي:

 

تحديات نفسية واجتماعية

 

عادة ما يواجه المغتربون كبارا كانوا أو صغارا مشاعر الوحدة والعزلة، خاصة في المراحل المبكرة من الانتقال. ووفقا لأماني محمد، وهي مصرية تعيش في الإمارات، واجهت ابنتها البالغة 11 عاما صعوبة في التكيف مع زملائها وتكوين صداقات جديدة، ما زاد شعور الأسرة بالعزلة.

 

التحديات الأكاديمية

 

تبرز بشكل خاص في حالة الأبناء الأكبر سنا والذين يجدون صعوبة في التأقلم مع أنظمة تعليمية مختلفة عما اعتادوا عليه، وهو ما لاحظته سارة جمال، ربة منزل مصرية تعيش في ألمانيا منذ 3 سنوات ولديها طفلان، وقد وجدت أن الأصغر والذي كان بعمر الخامسة عند سفرهم لم يواجه نفس الصعوبات الأكاديمية التي واجهها طفلها الأكبر والذي كان بعمر الـ11 وقتها بسبب اختلاف النظام التعليمي والقواعد التي تنظم الدراسة عما اعتاد عليه قبل السفر، وكذلك بسبب اللغة التي احتاج لوقت أطول لإتقانها. وعلى العكس فإن علي إبراهيم الذي ولد أبناؤه ونشؤوا في فرنسا، يجد صعوبة في تعليم أبنائه لغتهم الأم، رغم أنه يحرص على ممارستها في المنزل.

 

 

التحديات الثقافية

 

يعد اختلاف الثقافة والعادات والتقاليد واحدا من أعقد التحديات التي يواجهها كل من الأهل والأبناء، حيث يشتد الصراع الداخلي بين الرغبة في الحفاظ على الهوية والتقاليد وبين الرغبة في الاندماج في المجتمع الجديد والذوبان داخله. وعلى عكس البالغين يعاني الصغار الذين لا يزالون في طور تكوين الهوية من تساؤلات أعمق وأكثر حدة خاصة مع إصرار العائلة على التزامهم بحدود وقواعد خاصة تزيد من شعورهم بالاختلاف بين الأقران.

 

تقول الدكتورة دينا الشيخ، مختصة الطب النفس، إن هناك طرقا عدة للتعامل للتكيف عند الانتقال إلى ثقافة جديدة، فالبعض يتخلى تماما عن ثقافته السابقة ويتبنى ثقافة المجتمع الجديد وينخرط فيها بشكل كلي، في حين يتشبث البعض الآخر بثقافته الأصلية ولا يقبل بتبني أي ملمح من الثقافة الجديدة، وهناك من يحاول أن يوازن بين الثقافتين، وهو ما يلجأ له الأغلبية، ورغم أنه يبدو حلا مثاليا إلا أن هناك العديد من التحديات التي تظهر عند تطبيقه.

 

كيف تضمنين تربية شقيقين لا تفرقهما الأيام؟

 

وطبقا لملاحظة الدكتورة دينا الشيخ من خلال عملها وإقامتها الحالية في إنجلترا، فالأمر أصعب على الأهل منه على الأطفال الصغار الذين لا يعون في سن مبكرة الاختلافات بينهم وبين أقرانهم. وتنتج المشكلات عادة من خوف الأهل أن يفقدوا أبناءهم لصالح ثقافة المجتمع الجديد.

 

وترى أن اتخاذ قرار بالعيش في مجتمع جديد وثقافة جديدة يستلزم بالتبعية امتلاك درجة من المرونة تسمح لهم بالتغير والتأقلم، كي يتمكنوا من مساعدة أبنائهم. وتنصح بتعزيز ثقة الطفل بنفسه وباختلافه باعتباره مصدرا للتميز وفي الوقت ذاته ضرورة التأكيد على أن يحترم ما يختلف معه في الثقافات الأخرى وأن يتبنى منها ما يناسبه.

 

كما تنصح بتعزيز الهوية والثقافة الأم عبر مشاهدة الأبناء للأعمال الفنية التي تنتمي لثقافتها الأصلية مثل الأفلام والمسلسلات والأغاني، بالإضافة للوثائقيات، وزيارة البلد الأم بانتظام طالما أمكن ذلك. وكذلك عبر توفير مجتمع بديل ممن ينتمون لثقافته الأصلية في بلد الاغتراب، حيث يتمكن عبر مقابلتهم بانتظام من ممارسة لغته الأم، والاحتفاء بالمناسبات القومية أو الدينية المشتركة.

 

من ناحية أخرى تنصح “الشيخ” بمحاولة تعزيز علاقات الأبناء بأصدقاء من البلد الجديد، عبر التعرف عليهم وعلى عائلاتهم واستقبالهم في المنزل، وإيضاح الاختلافات من دون تبني الشعور بالاضطهاد.

 

وتؤكد الدكتورة دينا كذلك على ضرورة إتقان لغة البلد الجديد بأسرع ما يمكن سواء للوالدين أو الأبناء، بحيث يمكنهم التعبير عن أنفسهم بشكل مفهوم وممارسة معاملاتهم اليومية، ومن المهم أن يفهم الأبناء أنهم غير مطالبين بالتحدث بلكنة أهل البلد الأصلية لتجنب الشعور بالإحباط. وتؤكد على أهمية تعزيز اللغة الأم في المنزل، حيث يتمكن الأطفال الذين ينشؤون بين أكثر من ثقافة لغوية من إتقان أكثر من لغة بسهولة ويسر.

 

نصائح للتعامل مع التحديات التي تواجه أبناءك في الغربة

 

كن يقظا لعلامات التعرض للتنمر: مثل رفض الذهاب إلى المدرسة، الإصابات المتكررة، فقدان المتعلقات، العزلة الاجتماعية، أو تغير عادات النوم والطعام. في حال اكتشاف أي مشكلة، استشر المختصين في المدرسة بسرعة.

 

وضع قواعد تعكس الثقافتين: طوّر قواعد في المنزل توازن بين الثقافة الأصلية والثقافة الجديدة مع التركيز على سلامة الأبناء.

 

شجع الطفل على الحفاظ على هويته مع الاندماج في المجتمع الجديد من دون الشعور بالضغوط.

 

التوعية باختلافات التواصل غير اللفظي: علم طفلك الفروقات في التواصل غير اللفظي بين الثقافات، مثل التواصل البصري الذي قد يُفسر بشكل مختلف بين الثقافات.

 

تشجيع ممارسة الرياضة والهوايات: وذلك لتفريغ الطاقة والاندماج مع مجتمع المدرسة.

 

اللجوء إلى المتخصصين عند الحاجة: إذا استمرت مشاعر العزلة أو عدم التكيف، يمكن اللجوء إلى متخصصين لتقديم المساعدة.

 

تشجيع التواصل والتعبير عن المشاعر: شجع طفلك دائما على التعبير عن أفكاره ومشاعره، فالتواصل معك يعزز ارتباطه بثقافته الأصلية

كاميليا حسين

المصدر: الجزيرة

الاخبار ذات الصلة