الفنان والمخرج الفلسطيني وليد سعد الدين للوفاق:

المسرح قوة الفلسطينيين الناعمة لحفظ الهوية ونشر الثقافة

الوفاق/ خاص- استطاع الصهاينة احتلال أرضنا وطرد شعبنا ولكنهم لم يمحوا ثقافتنا بالرغم من كل محاولاتهم من الاستهداف الممنهج للثقافة من تدمير وسرقة للتراث واغتيال المثقفين والعلماء

2024-11-06

عبير شمص

 

ساهم المسرح في تأصيل وبناء الشخصية الفلسطينية حيث كان ولا زال الهم الأكبر لأي مبدع فلسطيني هو تأكيد هويته والحفاظ عليها في ظل كل ما يحدث من نهب للأرض وللهوية وللتراث . وأنتج المسرح الفلسطيني منذ بدايته العديد من المسرحيات التي تتحدث عن حب الأرض والتمسك بها فكان وسيلة قوية للحفاظ على الهوية ودعم النضال والتواصل بين الأجيال وتعزيز المقومات النضالية والثقافة الإيجابية التي تساهم في البناء، ومع تطور المسرح الفلسطيني تبنّى أساليب فنية حديثة وركز على المواضيع الإنسانية والاجتماعية التي تتناول القضايا الحياتية من تهجير الشباب والفقر وقضايا المرأة والطفل والبيئة وحقوق الإنسان والمساواة وغيرها بأسلوب فني ومعالجة مستحدثة تربط بواقع الاحتلال وتأثيره على الحياة اليومية، وفي هذا السياق وللتعرف حول واقع المسرح الفلسطيني في لبنان حاورت صحيفة الوفاق الفنان والمخرج الفلسطيني الأستاذ وليد سعد الدين وفيما يلي نص الحوار:

 

 

تأسيس المسرح الفلسطيني في لبنان

 

بدايةً يحدثنا الفنان والممثل وليد سعد الدين نائب رئيس الإتحاد العام للفنانين الفلسطينيين في لبنان وعضو نقابة السينما والإذاعة والتلفزيون اللبنانية، عن بدايات نشاطاته الفنية في عالم المسرح والتي شرع بها منذ طفولته بالمشاركة في الاحتفالات المدرسية، وفي مرحلة الشباب كبرت معه فكرة تأسيس مسرح  فلسطيني، وشعرنا بضرورة ذلك بسبب بُعدنا عن بلدنا  فلسطين واحتلالها وتطورت الفكرة لمسرح فلسطيني وبدأنا تصميم مسرحيات فلسطينية لكُتاب جداً معروفين مثل غسان كنفاني وتوفيق الحكيم وغيرهم، لكن على مستوى الإتحاد العام للفنانين الفلسطينيين في العالم فقد تأسست الأمانة العامة له بعد الإجتياح الصهيوني للبنان عام 82 والتحقنا به في لبنان عبر الأستاذ محمد الشولي رئيس الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين في لبنان الذي تأسس في لبنان عام 1990، وبدأنا حينها في إنجاز ورش عمل للمسرح الوطني الفلسطيني وتشكيل فرق فلكلورية وفنية منها فرقة حنين للأغنية الفلسطينية الملتزمة ونظمنا عروضاً مسرحية  والبداية كانت  مع مسرحية أم سعد وعوض الجمال ثم القبعة والنبي لغسان كنفاني، كل هذه المسرحيات اعتمدت على نصوص كتاب معروفين، فيما بعد بدأنا بكتابة النصوص المسرحية  بأنفسنا ويخرجها الأستاذ محمد الشولي، وأصبحنا  نُنظم عرضاً مسرحياً كل سنة بإنتاج محلي لبناني برعاية حركة فتح  مالياً، ومع مرور الوقت تطور الاتحاد وأصبح له هيئة إدارية مؤلفة من ثلاثة عشر عضواً وأنا استلمت منصب نائب الرئيس، هذه الفترة شكلت محطة انتقالية على مستوى تأسيس المسرح الفلسطيني في لبنان، وذلك على صعيد الكتابة والإخراج والممثلين الذين أضحوا حالياً ممثلين معروفين في لبنان وفلسطين والبلاد العربية وذلك بسب مشاركة مسرحنا في مهرجانات دولية، وأضحت فرقة المسرح الوطني تنافس كثيراً من الدول  منها الهند ايطاليا فرنسا الدنمارك اسبانيا وألبانيا غير الدول العربية وحصلنا في هذه المهرجانات على عدة جوائز دولية ومنها جائزة  أفضل ثاني إخراج في المهرجان الدولي في القاهرة ونلت جائزة أفضل ممثل وأفضل ثاني كاتب للأستاذ زياد كعوش وعدة جوائز أخرى بمسرحيات شاركنا فيها على المستوى الدولي ومنها لاجئ و”معروف التايه”، والمسرحية الفائزة بخمس جوائز في مهرجان القاهرة الدولي هي “يا خوف عكا من هديرك يا بحر”، هذا باختصار تأسيس المسرح الوطني الفلسطيني”.

 

استمرارية رغم الصعاب

 

يعتبر الفنان سعد الدين أن أهم المحطات التاريخية مر بها المسرح الفلسطيني في لبنان كانت في السنوات الخمس الأخيرة فنضج عملنا الثقافي والفني والإبداعي وتطور بالمسائل الفنية في العروض من السينوغرافيا الديكور الموسيقى التصويرية والتي أصبحت خاصةً لنا وليست مقتبسة من عمل آخر، وبما أن الأعمال خاصة بنا فقد واجهنا صعوبة في التمويل وخاصةً في وجود مشاكل اقتصادية أثرت علينا وما تزال وكنا نحاول الحصول على التمويل والدعم من الفصائل الفلسطينية أو من سفارة فلسطين في لبنان  فكنّا نؤمّن منها بعض احتياجاتنا من ثمن تذاكر للسفر وكلفة  الموسيقى التصويرية أو الديكور وأجهزة العرض والصوت والأزياء وغيرها، وبالرغم من هذه الصعوبات ولكننا ثابرنا واستمرينا بالعرض كل سنة ولم نتوقف حتى لو اضطررنا للدفع من مالنا الخاص فالإستمرارية تُعد مقاومة للحفاظ على التراث والتاريخ  والهوية الفلسطينية.”

 

يؤكد الفنان سعد الدين على أن:” المسرح يطرح قضايا الشعب الفلسطيني من كل جوانبها الإنسانية والسياسية والثقافية والتربوية والصحية وهو لا يقدم الحلول بل يكتفي بالعرض لتبيانها وإظهارها والمؤسسات المختصة واجبها علاج وحل هذه المشاكل وهو يُرسل رسالة الشعب الفلسطيني إلى كل المجتمع الفلسطيني أولاً والمجتمع العربي ثانياً والمجتمع الدولي ثالثاً وذلك ضمن قالب فني جذّاب نصاً وإخراجاً وموسيقى تصويرية لتصل الرسالة إلى العالم بالشكل المطلوب”

 

مسرحياتنا من رحم معاناة شعبنا

 

يشير المخرج الفلسطيني سعد الدين بأنه:” تنطلق القضايا التي يعالجها المسرح الفلسطيني من رحم معاناة الشعب الفلسطيني وواقعه الذي نعيشه في المخيمات وخارجها، من مشاكل تربوية وصحية وتربوية وإنسانية واجتماعية، فدائماً مسرحنا الفلسطيني يحمل معاناة شعبنا وإيصال صوتنا ووجعنا للمجتمعات العربية وتعريفهم بمشاكلنا التي يكمن حلها النهائي في العودة إلى أرضنا في فلسطين وعودة الحق إلى أصحابه وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني”.

 

لن يمحو ثقافتنا

 

وحول دور المسرح حالياً في المشهد الثقافي الفلسطيني، يؤكد الفنان سعد الدين بأن:” الصهاينة استطاعوا احتلال أرضنا وطرد شعبنا ولكنهم لم يمحوا ثقافتنا بالرغم من كل محاولاتهم من الاستهداف الممنهج للثقافة من تدمير وسرقة للتراث واغتيال المثقفين والعلماء، وما زال الشعب الفلسطيني متمسكاً بتاريخه وثقافته وتراثه الذين  تتوارثهم الأجيال جيلاً بعد جيل، كاسراً مقولة رئيسة الكيان الصهيوني السابقة “غولدا مائير” إذا قتلتم الكبار فسينسى الصغار، صاحبة هذا الشعار ماتت وبقي الشعب الفلسطيني وثقافته، لذا الثقافة فاعل رئيسي في الحفاظ على الذاكرة والقضية الفلسطينية بل يُعد الفن دافعاً ومسانداً للمقاومة، مثلما هو الحال مع بعض الأغاني الوطنية الفلسطينية والعربية التي رافقت الثورة الفلسطينية والحروب العربية مع العدو الصهيوني، فتشجيع الناس على المقاومة يمكن أن يكون عبر أبيات شعرية أو أغنية وطنية أو عرض مسرحي، كلها أشكال نضال ثقافي فني تحض على التعاضد والتضامن والترويج للقضية الفلسطينية وهذا جوهر عملنا الفني. ”

 

المسرح قوة فلسطينة ناعمة

 

أكد المخرج سعد الدين على أن المسرح قوة فلسطينية ناعمة قائلاً:” كل نشاط ثقافي فلسطيني يحفظ الذاكرة والهوية الفلسطينية يؤلم العدو الصهيوني وما حربهم على الثقافة الفلسطينية والفنانين والمثقفين إلا خير دليل على ذلك، فهم اغتالوا  ابن مخيم عين الحلوة الفنان ناجي العلي خوفاً من سلاحه وهو الريشة، واغتالوا الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني والذي قال عنه الموساد الصهيوني  بعد اغتياله: اليوم تم اغتيال لواء فلسطيني مدرع “غسان كنفاني”. الشهيد كان سلاحه قلم ولكن كان مصدر قلق للصهاينة، وكذلك حاولوا سرقة اللباس الفولكلوري الفلسطيني، فنسبوا لباس المرأة الفلسطينية التراثي لأنفسهم وارتدته مضيّفات طيران العال على أنه لباس تراثي صهيوني، وكذلك يسري الأمر على الأطعمة الفلسطينية من الحمّص والشكشوكة. لذا نعمل دائماً على المحافظة عليها في كل أماكن تواجدنا وتوريثها للأجيال المقبلة، فدور المسرح الأساسي الحفاظ على الهوية الفلسطينية من الاندثار على مر التاريخ، وهو مثله مثل باقي أدوات الثقافة الفلسطينية، الكتابة والصورة والفن التشكيلي والسينما، فدورنا هو عبر ما نقدم من ثقافة وفن هو تعزيز الهوية الفلسطينية، والتمسك بأرضنا ودحض الرواية الصهيونية خاصةً في الفترات الأخيرة لأننا نلاحظ أن هناك هجمة صهيونية على تراثنا علاوة على أرضنا”.

 

ويتابع الفنان سعد الدين بالقول:” قدم مسرحنا في المهرجانات المختلفة الصورة الواقعية للمقاوم وفي حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا في غزة عرضنا مسرحيات “مريم والمفتاح” و”راجع” في مصر ومهرجان قرطاج في تونس، لنُظهر شجاعة البطل الفلسطيني المقاوم  بصورة واقعية وكيف هذا المقاوم يقاوم بمفرده الجيش الصهيوني بطائراته ودباباته، وعرضنا حرب الإبادة بحقه وشطب عائلات غزاوية كاملة من السجل المدني، وأيدنا حقنا المشروع في الدفاع عن أنفسنا وأرضنا وشعبنا وفق كل الشرائع القانونية”.

 

ويؤكد الفنان سعد الدين بالقول:” لن نتخلى عن الثقافة والفن الفلسطيني في المسرح والراديو والإعلام وكل مجال بالرغم من كل الاستهدافات المباشرة وغير المباشرة، لا يستطيع العدو القضاء على ثقافتنا فقد شربناها مع حليب أمهاتنا وترعرعنا معها واكتسبنا من أهالينا كيف نحافظ على العادات والتقاليد المكتسبة منهم وسنحافظ عليها ونعرضها وسننقلها للأجيال المقبلة عبر المسرح والفن”.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص