بعد ساعات قليلة على إعلان فوز دونالد ترامب بولايته الثانية رئيساً للولايات المتحدة في البيت الأبيض، حلّت عاصفة مدمّرة على الحكم والحكومة في برلين، مع مطالبة المعارضة الألمانية، وعلى رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ، المستشارَ الألماني، أولاف شولتس، بطرح الثقة بحكومته فوراً بعد انهيار الائتلاف الحاكم، وبقاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي يترأسه شولتس والخضر وحدهما في الحكومة. والحزبان يمثلان أقلّية في البرلمان.
صحيح أن لا علاقة مباشرة لفوز ترامب بالعاصفة الألمانية، لكن هذا الفوز يأتي في أصعب مرحلة يمر فيها الأقتصاد الألماني، الذي يعاني، للسنة الثانية على التوالي، انكماشاً اقتصادياً كبيراً. وعودة ترامب إلى البيت الأبيض ستساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية الألمانية، ليس فقط في ظل الحكومة الحالية، إذا بقيت، بل في ظل أي حكومة تتشكّل لاحقاً.
وقد تتسبب الفوضى الألمانية أيضاً بعرقلة قدرة أوروبا على توحيد موقفها إزاء قضايا متعددة، بينها احتمال فرض الولايات المتحدة تعرفة جمركية جديدة وعد بها ترامب، تتراوح بين 10% و20%.
وتُعَدّ العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأكثر قيمة في العالم، فهي تمثل نحو 1000 مليار يورو من السلع والخدمات سنوياً.
ويستفيد الاتحاد الأوروبي بصورة أكبر من هذا التبادل التجاري، بفائض قدره 156 مليار يورو في العام الماضي وحده. ووفقاً للتقديرات الاقتصادية الأكثر تطرّفاً، فإنّ رفع التعرفة الجمركية، بنسبة 10 أو 20%، من شأنه أن يجعل واردات المنتوجات الأوروبية أكثر تكلفة بالنسبة إلى الشركات الأميركية، وهو ما يعني أنّ الصادرات الأوروبية عبر المحيط الأطلسي قد تنخفض بمقدار الثلث في بعض القطاعات. وتشير التوقعات إلى خسائر بنحو 150 مليار يورو سيتكبدها الأوروبيون سنوياً.
وستكون ألمانيا، القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، الأكثر عُرضة للصدمات مع وصول ترامب، نظراً إلى اعتمادها الكبير على الصادرات الأميركية في قطاعات متعددة، مثل الآلات والمركبات والمواد الكيميائية، والتي شكلت مجتمعة 68% من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، العام الماضي.
ويعلّق موريتز شولاريك، رئيس معهد كيل للاقتصاد العالمي الألماني، وصول ترامب إلى الرئاسة بالقول: “إنّ فوز دونالد ترامب يمثل بداية أصعب لحظة اقتصادية في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية. فبالإضافة إلى الأزمة البنيوية المحلية، تواجه البلاد الآن تحديات هائلة في التجارة الخارجية والسياسة الأمنية، والتي لم نستعدّ لها، وهو ما سيزيد في الضغوط على النمو في ألمانيا وأوروبا”.
ويعود سبب الفوضى السياسية الحالية إلى انفجار الائتلاف الحاكم بعد إقالة أولاف شولتس لوزير المالية، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الحر، بسبب معارضة هذا الوزير خطة لتعليق قانون “مكابح الديون” في مسعى لزيادة الدعم المالي لأوكرانيا، وتحفيز الاقتصاد المتعثر. وأدّت هذه الإقالة إلى انسحاب الحزب الديمقراطي الحر من الحكومة، تاركاً الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يتزعّمه شولتس وحزب الخضر وحيدين في الحكومة.
وفي إثر ذلك، تَشَكّل ائتلاف غير رسمي، يضم كتلة المعارضة الرئيسة، أي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ، بالإضافة إلى الدوائر الاقتصادية، التي تتمّرد على إدارة شولتس للاقتصاد الألماني منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات العقوبات الاقتصادية على روسيا، وخسارة الغاز الروسي الرخيص، وصولاً إلى الدعم الألماني السخي لأوكرانيا بالأسلحة والأموال.
أمام هذه الضغوط، أعلن شولتس أنه سيطلب التصويت البرلماني على الثقة بحكومته في كانون الثاني/يناير المقبل. ومن المرجّح أن يخسرها، الأمر الذي سيؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة في نهاية آذار/مارس 2025، لكن زعيم حزب المحافظين المعارض فريدريش ميرتس، الذي يحظى بتوقعات تصويت تصل إلى 30% في الإحصاءات، يطالب بطرح الثقة بحكومة شولتس فوراً، أي خلال الأسبوع المقبل، على أن تجري الانتخابات في النصف الثاني من كانون الثاني/يناير 2025.
ويقول ميرتس، تعليقاً على اقتراح شولتس بتأجيل طرح الثقة حتى مطلع العام المقبل، إنه “في الوقت الراهن، لن نستطيع تحمّل وجود حكومة من دون أغلبية برلمانية في ألمانيا لعدة أشهر، ثم تليها حملة انتخابية لعدة أشهر أخرى، ثم ربما عدة أسابيع من المفاوضات لتشكيل الائتلاف”.
ويضيف أن “الوقت عنصر حاسم”، وتتوافق كل الأحزاب الألمانية، وبينها حزبا البديل، اليميني المتطرف، وحزب BSW (اليسار الراديكالي) على ضرورة طرح الثقة بحكومة شولتس في أسرع وقت ممكن.