لم تتمكن سيّدة من جنوب لبنان نازحة إلى الشمال من حبس دموعها هذه المرّة، بعد أن جهدت لتتماسك منذ بداية الحرب وتداعياتها على الناس، إلا أنها المرة الأولى التي تجد نفسها غير قادرةٍ على كفكفة دموعها: “بكيت لما شفت الأولاد رايحين عالمدارس، ليش أولاد الناس عم يتعموا وأولادنا لا؟”.
هو مشهدٌ يصوّر الواقع المستجد في العام الدراسي الحالي الذي انطلق في 4 تشرين الثاني/نوفمبر في ظروف استثنائية تعيشها البلاد، في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على معظم المناطق اللبنانية، إذ ارتأت وزارة التربية والتعليم العالي عدم تعطيل السنة الدراسية، معتمدةً في ذلك على خطة عملية في محاولة منها لتحقيق الاستحقاق الدراسي للطلاب، بعد أن سلبت الحرب من عدد كبير منهم الحقّ في العيش الآمن.
“انطلاقة دراسية متعثّرة”
مع بدء أهالي الجنوب بالنزوح نحو مناطق أكثر أمنًا، تحوّلت مدرسة الشهيد معروف سعد الرسمية في صيدا، كغيرها من المدارس الرسمية في المدينة، إلى مركز إيواء للنازحين. تبلغت إدارة المدرسة في 31 في تشرين الأول/أكتوبر بالقرار الوزاري بشأن تطبيق خطة التعليم، لكنها لم تتمكن من المباشرة في التدريس الحضوري مع انطلاق العام الدراسي قبل أيام، نظراً لعدم جهوزية المكان بسبب امتلائه بالنازحين، وفق ما أفادت سعدية بسيوني، مديرة المدرسة للميادين نت.
تنص الخطة الوزارية على اعتماد التعلم عن بُعد في المنطقة الجغرافية التي تقع المدرسة ضمن نطاقها بصفتها غير آمنة للتعليم الحضوري، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالطلاب النازحين الموجودين في المدرسة، الذين سيدرسون أيضاً عن بُعد ولكن عبر مدارسهم التي كانت ضمن مناطق سكنهم الأساسية، أما الطلاب النازحين الموجودين في مناطق تصنف بأنها آمنة، فلهم حرية الاختيار بين التعلّم الحضوري أو عن بُعد عبر مدارسهم الأساسية.
وتلفت بسيوني إلى أنه حتى الآن لم تستلم المدرسة أي شيء من الوزارة، إن كان على صعيد النازحين أو حتى طلاب المدرسة وكذلك المعلّمين، “فالمطلوب تأمين باقات إنترنت وأجهزة للتعلم عن بعد، وفي ظل غياب هذه الإمكانات، ستعتمد الإدارة التدريس عبر تطبيق واتساب، مع دراسة إمكانية الاستعانة بمنصة تعليمية أخرى”.
المدرسة انطلقت بالتعليم عن بُعد في اليوم التالي للموعد المحدد، بعد أن تم توزيع الطلاب على الصفوف والشُعب، وأكدت مديرة المدرسة أن الطلاب النازحين لم يحصلوا على أي كتب أو دفاتر وقرطاسية، ولم يصدر بعد إيعاز من قبل الوزارة بهذا الشأن، واصفةً بداية العام الدراسي بأنها بداية “متعثرة”.
أما ثانوية عيتا الشعب الرسمية فقد أقفلت أبوابها منذ أكثر من عام مع العدوان الإسرائيلي المستمر على جنوب لبنان، واعتمدت التعليم عن بعد منذ ذاك الحين، واليوم تكمل المدرسة بالطريقة نفسها مع صدور قرار وزاري بهذا الشأن. مدير المدرسة محمد دروبي، شرح للميادين نت الإجراءات التعليمية الخاصة بهم، عبر التواصل مع المدرّسين ومعرفة أماكن وجودهم وقدرتهم على التعليم عن بعد، أما على صعيد الطلاب فسجل لغاية الآن 350 طالب وفق مستند إلكتروني خاص بالمدرسة.
دروبي أكد أن عدد الأساتذة المتعاقدين مع المدرسة يعد كاف حاليًا، وأن “التعلم عن بعد كان له نتيجة جيدة في العام الماضي، لا سيما وأن نسبة النجاح كانت ممتازة في صفوف الشهادة الثانوية بفروعها كافة، لذا من الممكن إعادة تعميم التجربة لهذا العام”.
تحديات تواجه المعلمين والطلاب
“انطلاق العام الدراسي كان يجب أن يكون موحّدًا”، بحسب حسين سعد، رئيس لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الأساسي، قائلاً إن المدارس الخاصة انطلقت بالتعليم قبل نحو شهر من المدارس الرسمية، “مع العلم أن الوزارة أصدرت إلى المدارس الخاصة قرارًا بأن التعليم المبكر قبل الموعد الرسمي هو على مسؤوليتها”، لتُلزم المدارس الخاصة أهالي الطلاب بتحمل مسؤولية إرسال أولادهم إليها في حالات التعليم الحضوري. بالرغم من أن ظروف انطلاق التعليم في الموعد الذي حددته الوزارة لا تختلف عما كانت عليه قبل شهر، ولا يحيطها الأمان أو المستلزمات الأساسية لتسهيل عمل الأساتذة والطلاب.
ولفت سعد في هذا السياق إلى أنه قبل أيام وقعت غارة إسرائيلية بالقرب من مدرسة مار شربل في منطقة الجية، أسفرت عن تحطّم زجاج المدرسة، وإصابة الطلاب والأساتذة بهلعٍ شديد، فاضطروا إلى مغادرة المدرسة على الفور.
تُجمع الكثير من المدارس أن تحديات التعليم كثيرة، تشمل الطلاب والأساتذة، منها ارتفاع كلفة الانترنت، أزمة السكن والنزوح المتكرر وعدم قدرة الطلاب والأساتذة على الاستقرار والتركيز، نقص أجهزة التعلّم كالهواتف مثلاً، صعوبة التنقل بالنسبة للأساتذة وتأمين مستلزمات التدريس من كتب ووسائل إيضاح وخرائط وغيرها، عدم تأمن حتى مستلزمات الحياة اليومية، الضغط النفسي، والاختلاف في تطبيق مناهج التدريس.
خطة التعليم التي وضعتها الوزارة، ترافقت مع توفير “الكتاب الالكتروني” الذي أصبح بمتناول الطلاب والمدراس، وفق ما صرّح رئيس المنطقة التربوية في الجنوب أحمد صالح للميادين نت، ويضيف أن الوزارة قدمت مجموعة دروس محضّرة للأساتذة لمدة شهرين، وأصدرت التعميمات المطلوبة للتعليم الحضوري أو التعليم عن بعد بمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، سبع حصص يوميًا.
ولا تزال عملية إحصاء أعداد الطلاب مستمرة، إذ سجّل في مراكز الايواء في صيدا والجوار ما يقارب 10000 تلميذ من أصل 40000 في الجنوب، ومن المتوقع أن تظهر الأرقام بشكل جلي خلال الأسبوع الأول من انطلاق العام الدراسي.
وفي سياق التقديمات، أوضح صالح أن الوزارة وعدت أن تؤمن للتلميذ وللمعلم باقة من الانترنت، وأمنت كذلك الموارد للتعليم الحضوري، مؤكدًا أنه برغم الظروف الأمنية غير المستقرة والخطر الذي يهدد حياة الجميع، إلا أن العام الدراسي سينطلق، “وسوف نعمل على إنجاح هذا الاستحقاق الوطني لأنه جزء من المقاومة التربوية”.
سارة عليان