تطبيقا لمقولة: «ضربني وبكى وسبقني واشتكى»، أعلنت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية، أن مشجعي فريق «مكابي تل أبيب» الصهيوني، تعرضوا لهجمات عنيفة في العاصمة الهولندية أمستردام، بعد المباراة التي انتهت بفوز «أياكس»، من دون أن تذكر دوافع الهجمات وخلفياتها ومسبباتها وعواقبها… وهنا تطرح الأسئلة الآنية: ماذا حدث بالفعل؟ وما هي البواعث والخلفيات والعواقب المتوقعة في أوروبا والعالم؟!
كعادتها تحاول الصحافة الصهيونية عرض عنصر الاضطهاد و«المظلومية»، والإيحاء بأن من يتعرض للصهاينة هو معادٍ للسامية وإرهابي… ولكن في هذا الوقت بالذات الأمر مختلف تماما، ولا سيما في ظل الإبادة بحق المدنيين!
ويأتي هذا الحدث في ذروة الصراع بين الصهاينة والمقاومة بغزة ولبنان، ما يثير دلالات كثيرة جدا على صعيد توسيع الصراع في كل أوروبا والعالم… لدرجة أن بعض المحللين الصهاينة أقر بأن جبهة جديدة فتحت بأوروبا ضد الكيان الغاصب!
والغريب هو وقاحة الصهاينة الذين نظموا مسيرات استفزازية مع هتافات وشعارات نابية ضد الفلسطينيين، والأغرب والمثير للتعجب، وجود جنود صهاينة بينهم، ناهيك بتأكيد غير وسيلة إعلامية استهزاء جمهور الصهاينة بأطفال غزة، ونزع عشرات الأعلام الفلسطينية التي وضعها هولنديون على منازلهم منذ أشهر تضامنا مع ضحايا غزة، وكان سبق ذلك تمزيق العلم الفلسطيني خلال المباراة، ما أثار غضب مؤيدي فلسطين، وأدى إلى المواجهات التي تعد بمنزلة «الشعرة التي قصمت ظهر البعير»!
وتشير التقديرات إلى أن الشرطة الهولندية اعتقلت سبعة وخمسين شخصا، وأعلنت عن إصابة عشرة صهاينة في المواجهات، وإن أكد شهود عيان إصابة ما يزيد على مئة صهيوني…
فتلك الأحداث وما تلاها من استنفار مكتب نتنياهو الذي أرسل وزير خارجيته إلى هولندا… ثم إجلاء المشجعين الصهاينة من هولندا… وقدر عددهم بنحو 2700 شحص… تترك بصماتها الكبيرة على بذور مواجهة في المستقبل القريب في أوروبا والعالم بين الطرفين… ولا سيما أن الرأي العام الشعبي العربي والمسلم وغيره من اللاجئين وأحرار العالم، لا يتعاطف مع المدنيين بغزة ولبنان وحسب، بل بات قسم منه يشعر بتقصير تجاه القضية الفلسطينية… ولعل ذلك ما فسر المضاهرات الكبيرة التي نظمت في غير دولة أوروبية، مطالبة بوقف إطلاق النار بغزة.
فأينما اتجه الصهيوني، فسيجد نفسه مطارداً ومنبوذاً، سواء في الرياضة أو المهرجانات أو الفعاليات العالمية… ولا غرابة في أن يصبح عبئا على الأوروبيين أنفسهم والعالم أجمع… إذ لا يعقل أن يفرد لكل سائح “إسرائيلي” في القادم من الأيام أكثر من شرطي ليحرسه…!
وهكذا غدت مشاركة الصهيوني في أي فاعلية غربية عبئاً ثقيلاً على الدول المستضيفة نفسها، وهو هاجس لن تستطيع دول العالم عامة تحمله…
ويبدو أن إدارة نتنياهو لم تلتفت بعد إلى هذه النقطة الخطيرة، فهي غاطسة بمجازرها، متنشية بسفك دماء الأطفال والمدنيين وتهديم المنازل على قاطنيها، ناهيك بتدمير الآثار والتاريخ
وحتى الحياة! فهي كمن يضع رأسه وراء إصبعه، ظانا أن العالم لا يشاهده… لكنه يصدم بمطبات الانتقام والمواجهة والتتبع والرصد…
والواقع أن هذه الأحداث ليست الوحيدة في أوروبا، ولكنها تعد الأخطر والأوضح، كونها رصدت في الإعلام والكاميرات في وقت مصيري ووجودي بالنسبة إلى الاحتلال… ولعل هذا ما فسر الظن بوجود رهائن بيد الملثمين المتضامنين مع غزة… وهو ما قد يحصل بالفعل في أحداث مقبلة…!
لقد عبر المتضامنون، سواء أعدوا للمواجهة مسبقا كما ادعى الإعلام العبري، أو جاءت «انتفاضتهم» رد فعل عفوي على استفزازات حرق الأعلام والشتائم… عبروا عن تضامنهم وتفريغ مكبوتاتهم بطريقتهم، حاملين رسالة مدوية مفادها: «لن نترك جرائم الاحتلال بلا عقاب، ولن ننسى الإبادة، ولن ننسى الطفل الممزق والمدني المعذب…»
داس المتضامنون على المشاغبين الصهاينة، وأحرقوا علم الاحتلال… قالوا كلمتهم وإن منعوا من التضاهر… لكن الأهم من ذلك نجحوا بإيصال رسالتهم إلى كل العالم… رسالة صريحة ملخصها أنه سيمشي الصهاينة في أوروبا وكل العالم وهم ينظرون خلفهم، مخافة الانتقام لدماء غزة ولبنان… وهذا العبء كبير على الأوروبيين وكل العالم…
صفوة القول هذا هو الكابوس الذي سيؤرق أميركا والعالم في حال استمر مسلسل الإبادة بغزة ولبنان… فهل من متعظ؟!
د. أنور الموسى/ كاتب وأديب لبناني