تبقى الحرب هي أسوأ ما يمكن أن يضطر الإنسان للتعايش معه في حياته، ولكن في كل الأحوال ينبغي على الحكماء في العالم أجمع أن يضعوا حدّا للحروب والنزاعات، أو على الأقل محاصرتها وجعلها تدور في اضيق مساحة ممكنة من العالم، وهذا الهدف العظيم ليس محالا إذا توافرت الإرادة القوية ذات الإنسانية العالية…
كثيرة وكبيرة تلك الأضرار التي تُلحقها الحروب بالبشر، ولهذا تعدّ أسوأ شيء عرفه الإنسان عبر تاريخ البشرية الطويل، فأول الأضرار وأكثرها فداحة أنها تُزهِق أرواح الناس، وهذا يعني إنها تسعى لإطفاء الوجود بأكمله، فما جدوى الحياة بلا إنسان، وإذا لم تقتلْهُ فإنها تصيبه بالعاهات الجسدي التي قد تعيق حركته، وتقضي على قدراته أو تحد منها، وبهذا ربما يكون الجسد المصاب بعاهة كبيرة كمن فقد حياته ويصبح عبئًا على الآخرين.
تعمل الحرب على نسف حالة الاستقرار التي يحتاجها الإنسان لكي يكون منتجا ومفكرا، فعندما تنشب الحرب أول شيء تفعله خلخلة استقرار الناس، وبالتالي تخلخل تفكيرهم، أما على الصعيد العمراني فهي لا تُبقى حجرا على حجر، وتتسبب بهدم العمارات والبيوت وكل مرافق الحياة، وتصبح معيشة الناس في هذه الحالة شبه مستحيلة.
ثم تقوم الحرب في زرع الفتن والأحقاد في المجتمع، وعلى المستوى النفسي تتسبب الحرب في صنع العقد النفسية التي تضعف العقول والنفوس، وتزيد من عذاب الناس وحرمانهم، وعدم استقرارهم نفسيا، فيفقدون حالة الأمان التي تعد من أساسيات الحياة الصحيحة، وفقدان الأمان يعني تدمير النفس وكل قدرات الناس الأخرى.
هناك أضرار أخرى للحرب، فهناك أعداد كبيرة قد تفقد حياتها حتى لو كانت على قيد الحياة، ونقصد بهم الأسرى، وهم المقاتلون من كلا الطرفين الذين يتعرضون للأسر، وحينئذ يتعرضون لظروف قاسية جدا، نعم هنالك حقوق وتشريعات تراعي بعض الحقوق للأسرى، ولكن في الغالب لا يتم الالتزام بها، فيكون الأسير ضحية للحرب، وتتعرض حياته وشخصه للامتهان والتعذيب والتجويع وسوى ذلك.
الحرب تحرق الزرع والضرع
لهذا يجب أن يكف الناس على الحروب، ويجب على الأنظمة السياسية والحكام وضع حد لكل أنواع الحروب، لأنها تؤذي الإنسان، ولا فائدة منها حتى لأولئك الذين يعلنون النصر على الطرف الآخر، فالحرب تحرق الزرع والضرع وتدمر حياة الجميع، وفي حال يضطر أحد الطرفين للحرب يجب أن يكون هذا الخيار الأخير، وأن يتم العمل على تجنب الحرب بأقصى ما يمكن.
(من الأضرار الأخرى للحروب أنها تتسبب بزجّ المقاتلين في الأسْر فيكون أسيرا عند الطرف الآخر، لذا يجب على الجميع أن يتجنبوا الحرب بكل السبل المتاحة، وإذا اضطر الإنسان إلى الحرب ـ لأن عدوه جره إليها ـ فمن الواجب أن يقتصر ذلك على أقصى درجات الضرورة).
لهذا ينصح بضرورة وأد الحروب من جذورها، بشكل نهائي، لأن أضرارها ومساوئها لا تقتصر على الموجودين حاليا، بل تتجاوز ذلك إلى الأجيال اللاحقة التي تظل تعاني من انعكاسات الحرب المستمرة حتى بعد انطفائها، فهناك تداعيات للحروب على المجالات كافة، السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والعلوم بصورة عامة، بالإضافة إلى تأثيرها على الحياة العامة، لهذا يجب أن تتوقف نهائيا.
ومن الأمور التي أقرَّ بها الإنسان إن الحرب والصراع لا يمكن تحييدها تماما لأنها جزء من تكوين الإنسان، لهذا فهي موجودة بيننا شيئنا أم أبينا، وحتى القرآن الكريم أشار إلى هذا الوجود الحتمي للصراع ليس بني البشر وحدهم وإنما بين الكائنات كلها، ولكن على الإنسان أن يسعى بكل ما يستطيع أن يتجنب الصراع، وأن يبعد النزاع وأن يتحرك بكل ما يستطيع حتى يُبعد شبح الحرب والنزاع والصراع، والمخلفات الناتجة عن ذلك.
(إن الحرب حتى لو كانت ظاهرة منذ القِدَم، بل قيل أنها مؤيَّدة من قبل القرآن الحكيم في الجملة، حيث قال سبحانه: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) (البقرة: 251). بل قال البعض بأنها مظهر من مظاهر (تنازع البقاء) الذي هو وصف طبيعي ملازم لجميع الكائنات الحية لا ينفك عنها، وإنه سُنّة من سنن الاجتماع البشري إلا أن اللازم الحيلولة دون وقوعها).
الحرب ظاهرة ثانوية وليست حتمية
هناك ظواهر مؤذية للإنسان قد يصعب التخلص منها بشكل تام، منها على سبيل المثال الحرائق التي تنتج عن خطأ في استعمال أدوات الطبخ مثلا، أو الإنارة، فيحدث الحريق وتكون له أضراره المعروفة، كذلك هنالك الأمراض والأوبئة وهي أيضا لا يمكن الفرار منها، ولكن لا يمكن أن تشكل الحرب حالة حتمية فيما بين البشر، إذ من الممكن معالجة ذلك، كونها ظاهرة ثانوية وليست حتمية أو أولية.
(إن المرض ظاهرة بشرية منذ القدم، وكذلك احتراق المدن أو البيوت أو المتاجر، وكذلك ما تتسبب به السيول، وسائر العوامل الطبيعية التي تؤذي الإنسان، لكن كل ذلك لا يجعل من الحرب أمراً لا بد منه، فليست الحرب حقيقة حتمية، وإنما هي ظاهرة ثانوية تقع بسبب شراسة بعض الأفراد).
ومع كل ما تقدّم تبقى الحرب مكروهة، ولابد من السعي لإطفائها بكل السبل، وهي تتسبب بأنواع الأذى للبشرية، وهذا ما تشير إليه نصوص قرآنية تؤكد قباحة الحروب والنزاعات.
لذا فالحروب في كل الأحوال ليست أمرا طبيعيا، ويمكن للعقول الحكيمة والشخصيات الرصينة في المجتمعات أن تستعيض عن الحروب بالحوارات والتفاهمات التي تحفظ الودّ بين الأطراف المتحاربة من خلال الاحترام المتبادَل للحقوق والحريات والممتلكات والمصالح المختلفة.
وعلينا جميعا أن نفهم بأن الحرب ليست أمرا طبيعيا، بل هو حالة شاذة تصنعها الرؤوس الفاسدة وتطلعاتها غير السليمة للاستحواذ والطغيان والتجاوز على حقوق الناس، وهذا يتطلب أن تتعاضد الناس (الشعوب، الجماعات، المجتمعات) فيما بينها كي تقاوم الفاسدين عبر العالم، حتى تهنأ البشرية كلها في عيش مسالم تُحفَظ فيها كرامات الناس بلا استثناء.
في الخلاصة تبقى الحرب هي أسوأ ما يمكن أن يضطر الإنسان للتعايش معه في حياته، ولكن في كل الأحوال ينبغي على الحكماء في العالم أجمع أن يضعوا حدّا للحروب والنزاعات، أو على الأقل محاصرتها وجعلها تدور في اضيق مساحة ممكنة من العالم، وهذا الهدف العظيم ليس محالا إذا توافرت الإرادة القوية ذات الإنسانية العالية، لكي ترفل البشرية كلها وتنعم بحياة أفضل وأجمل وأكثر استقرارا وتقدما.