السيّد نصر الله ومدرسة الولاء للقيادة الدينية وحفظ الهوية الوطنية

"لبنان هو وطننا الذي نفتخر به، نعيش فيه ونحمل رايته، وعلينا أن نحافظ عليه بقدر ما نحافظ على هويتنا الدينية والتزامنا بولاية الفقيه، فليس هناك تعارض بين الوفاء لهذا النهج وحب الوطن وخدمته"

2024-11-11

السيّد نصر الله ومدرسة الولاء للقيادة الدينية وحفظ الهوية الوطنية

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

يُعتبر سماحة السيد حسن نصر الله قُدّس سره، الأمين العام لحزب الله اللبناني، أحد أبرز الشخصيات الشيعية المعاصرة التي جسدت فكر ولاية الفقيه، كما أسس لمدرسة فكرية سياسية قائمة على المزج بين الولاء للقيادة الدينية وحفظ الهوية الوطنية تبعاً لانتمائه إلى توجيه الشهيد الإمام السيد محمد باقر الصدر الذي قال: “ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام” وإلى فكر الإمام السيد موسى الصدر.

 

عمل السيّد نصر الله قُدّس سره على نقل المبادئ التي استلهمها من الإمام الخميني(ره) والسيد الخامنئي إلى السياق اللبناني، مما خلق مزيجاً فريداً من التزام ديني وسياسي. وقد أشار السيد نصر الله قدس سره في خطبة له عام 2006 إلى هذا المزج بقوله:

 

“لبنان هو وطننا الذي نفتخر به، نعيش فيه ونحمل رايته، وعلينا أن نحافظ عليه بقدر ما نحافظ على هويتنا الدينية والتزامنا بولاية الفقيه، فليس هناك تعارض بين الوفاء لهذا النهج وحب الوطن وخدمته”.

 

 

هذه الرؤية الجامعة بين الهوية الدينية والمصلحة الوطنية تعتبر محوراً رئيسياً لفهم مدرسة السيّد نصر الله قُدّس سره الفكرية، وقد كان لها تأثير كبير في صياغة التوجهات الفكرية والسياسية لحزب الله في أدائه الوطني اللبناني اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً.

الخلفية الفكرية والمدرسة الصدرية بين لبنان والنجف الأشرف

أ. السيد موسى الصدر: التركيز على البعد الوطني والتعايش

 

لقد تأثر السيد حسن نصر الله بفكر السيد موسى الصدر، الذي عُرف بدوره في تأسيس الهوية الشيعية اللبنانية بملامحها الوطنية، ودعوته المستمرة للتعايش بين الطوائف. قال السيّد نصر الله قُدّس سره في إحدى خطاباته:

 

«نحن نحمل إرث السيد موسى الصدر الذي أكد مراراً على أن لبنان وطنٌ للجميع، وليس حكراً على طائفة دون أخرى، وأن دور الشيعة في لبنان يجب أن يكون في خدمة الشعب كله وليس مذهبهم فقط».

 

هذا النص يعكس فكرة أن الهوية الشيعية، كما يراها السيّد نصر الله قُدّس سره، تتجاوز الطائفية، وهي رؤية صاغها السيد موسى الصدر الذي دعا إلى الانفتاح على الطوائف الأخرى، والتأكيد على ضرورة التصدي للتحديات الوطنية المشتركة.

ب. السيد محمد باقر الصدر: توظيف البعد العلمي والأخلاقي

 

أما السيد محمد باقر الصدر، فقد ترك أثراً بارزاً في منهج السيّد نصر الله قُدّس سره العلمي والأخلاقي، لا سيما فيما يتعلق بإدارة القيادة وفق أسس علمية وأخلاقية. يقول السيّد نصر الله قُدّس سره في خطبة له:

 

«لقد تعلمنا من السيد محمد باقر الصدر أن القيادة ليست مجرد سلطة، بل هي التزام ومسؤولية أخلاقية. وهذا ما دفعنا إلى أن نسير وفق مبدأ العدالة في العمل السياسي والإداري، متبعين أسلوب الصدر في الأخذ بالأخلاق قبل أي شيء آخر».

 

هذا النص يعكس منهج السيّد نصر الله قُدّس سره في جعل الأخلاقيات جزءاً لا يتجزأ من قراراته السياسية، متأثراً بإرث السيد محمد باقر الصدر الذي شدد على أهمية النزاهة في القيادة.

 

تحليل الخطب والمواقف الخاصة بالسيد حسن نصر الله

 

أ. التعايش الوطني

 

التعايش الوطني يشكل محوراً أساسياً في خطب السيّد نصر الله قُدّس سره، حيث يؤكد دائماً على ضرورة تحقيق الاستقرار الوطني عبر احترام التنوع اللبناني. وقد أشار في خطاب له:

 

«نحن لا نرى لبنان على أنه طائفة، بل هو أرض يسكنها مسلمون ومسيحيون يعيشون معاً. ومن واجبنا كلبنانيين أن نتحد في وجه أي خطر يهدد هذا التعايش. لقد دعانا السيد موسى الصدر إلى هذا التعايش، وها نحن اليوم نسير على نهجه».

 

هذا الخطاب يوضح موقف السيّد نصر الله قُدّس سره الثابت تجاه العيش المشترك، مستلهماً من إرث السيد موسى الصدر الذي عزز هذا المفهوم.

 

ب. الحفاظ على الهوية الدينية

 

فيما يتعلق بالهوية الدينية حرص السيد حسن نصر الله قدس سره على أن يقوم بدوره التبليغي الديني رغم الأعباء السياسية والعسكرية مستفيدا من موسمي شهر رمضان وشهر محرم والمناسبات الدينية أو السياسية الخاصة، وتميّز خطابه الديني بالتسلسل المنطقي والعرض السلس الذي يوصل المعلومات والمفاهيم الى مختلف طبقات المجتمع، وركز السيّد نصر الله قُدّس سره على أهمية أن يتمسك المجتمع الشيعي بهويته دون أن يكون ذلك عائقاً أمام اندماجه في الوطن. وقد قال في خطبة عام 2013: “نحن نتمسك بهويتنا الدينية لأنها جزء أساسي من كياننا، ولكننا في نفس الوقت حريصون على أن نحافظ على لبنان وطن الجميع. الدين هو ركيزة أخلاقية وليس سبباً في الانقسام”.

 

هذا هو الفهم العميق للسيّد نصر الله قُدّس سره للهوية الدينية باعتبارها بُعداً داخلياً يعزز الانتماء الوطني ولا يعزله عنه.

 

الاستقلالية الوطنية والدفاع عن الحدود

 

بناء على اعتبار لبنان وطنا للجميع، فإن السيد نصرالله قدس سره انطلق مع المؤسسين في إطلاق المقاومة الإسلامية بتوجيهات وفتوى الإمام الخميني واستمرارا بعناية ودعم الإمام الخامنئي والتزاما باستكمال مسيرة الإمام السيد موسى الصدر الذي أكد  في أكثر من مناسبة ، بدءاً من مهرجان بعلبك 17/3/1974 حيث قال سماحته “نريد أن نستعد، نريد أن نربي جيلاً كي يتمكن من حمل السلاح بيد والمنجل باليد الاخرى لذلك نحن بحاجة ملحة إلى التدريب العسكري، وطالبنا الحكومة بذلك، وليس هناك من مجيب، نحن مضطرون إلى تدريب أولادنا وتسليحهم لكي نحفظ كرامة بيوتنا ونحفظ أعراضنا ونؤدي دورنا في صيانة الوطن.”.

 

وقد كان لسماحة السيد نصر الله رؤية استراتيجية نافذة وحكيمة ثبت صوابها باعتماده الدفاع عن سيادة واستقلال لبنان وسوريا حتى في داخل الأراضي السورية ضد التنظيمات التكفيرية جبهة النصرة وداعش وغيرها، الأمر الذي دفع خطر الإرهاب عن لبنان بحدوده ومواطنيه باختلاف مذاهبهم.

الإلتزام بمشروع الدولة الواحدة مقابل مشاريع التقسيم والفدرلة

 

اعتبر عدد من السياسيين اللبنانيين أن لبنان (وهو دولة منشأة حديثا في حدودها الجغرافية) قد وجد لخدمة طائفة معينة وفق الأوضاع السياسية السائدة في المنطقة حينها، ووفق مقتضيات وجود الانتداب الفرنسي، ووفقا للحجم السكاني لكل طائفة فضلا عن المستويات العلمية المتفاوتة والقدرة على القيام بوظائف الدولة فضلا عن الالتحاق بها. ومع التغير الحاصل في الوضع الداخلي (ديموغرافيا وتعليميا وثقافيا) في مقاطع تاريخية متعددة، واقتضائه تغييرا في قدرة المسلمين على الإمساك بمفاصل مهمة في الدولة، انقلب بعض الطائفيين على فكرة الدولة الواحدة وجاؤوا بعدة طروحات تقسيمية ونظّروا لها. فيما بقي الموقف الإسلامي وخصوصا الشيعي واحدا معارضا لأي طرح تقسيمي سواء على مستوى المرجعية الروحية الرسمية للطائفة وهي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أو على مستوى قواها التنظيمية السياسية (حركة أمل وحزب الله )، وكان سماحة السيد نصر الله قدس سره معبّراً عن هذا الموقف بكل وضوح. فمما قاله قدس سره في كلمة له خلال إحياء سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت الذكرى الثانية والعشرين لرحيل الإمام الخميني (قدس سره) 2011:

“نحن في لبنان جميعاً نريد الدولة ونؤيد مشروع الدولة. ومن حيث المبدأ أنا لا أعتقد أن أحداً في لبنان من اللبنانيين لا يريد ذلك. اتركوا المزايدات على جنب، يعني بين 8 آذار و14 آذار وعندما تتعقد الحكاية بين بعضهما “هؤلاء يقولون لا يريدون الدولة وأولئك يقولون أيضا هم لا يريدون الدولة”. لا، أنا شخصياً أعتقد أنه لا يوجد بين اللبنانيين أحد مهما يكن إلا ويريد الدولة في لبنان، ومشروع دولة في لبنان. طبعاً نختلف كيف تكون الدولة وما هي الدولة، هذا بحث آخر. أنا أتكلم بالمبدأ، الكل عاش خلال عقود من الزمن في لبنان تجارب مؤلمة جداً، تجارب أمن الميليشيات (الأمن الذي تحققه الميليشيات للناس)، تجربة الإدارات المحلية، تجربة الكانتونات المغلقة، وخطوط التماس، وحصد اللبنانيون نتائجها. لبنان لا يحتمل لا دويلات ولا كانتونات ولا إدارات محلية، أي أمن ذاتي سيكون فاشلاُ وعاجزاً ومأزوماً، نحن نؤمن بأن شرط الوحدة والأمن والاستقرار والتطور والنمو في لبنان هو قيام دولة واحدة حقيقة”.

 

وأعلن قدس سره في نفس الخطاب:

 

” من أوجب الواجبات الحفاظ على مؤسسات الدولة، على بنية الدولة، بمعزل عن واقعها المتعثر هنا أو المرتبك هناك. كل مؤسسة من مؤسسات الدولة اليوم يجب أن نعمل على الحفاظ على وحدتها على تماسكها وخصوصاً المؤسسات الأمنية وبالأخص المؤسسة الوطنية، الجيش اللبناني، لأن الحفاظ على بنية الدولة هو الذي يحافظ على وحدة البلد، على أمن البلد، على استقرار البلد، في الحد الأدنى لا يأخذنا إلى المخاطر، إن لم نستطع أن نحقق الإيجابيات المنشودة. هذه مسؤولية كبيرة وددت اليوم أن أؤكد عليها”.

 

بل ان سماحته رفع سقف التحدي إلى القول في خطاب احتفال ذكرى الشهداء القادة 2023 :

 

” من يريد أن يدفع لبنان الى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منا ما لم يخطر في بال او وهم وان غدا لناظره قريب”.

3 الدروس الفكرية من الإمام السيد موسى الصدر وأثرها في فكر السيّد نصر الله (قُدّس)

 

كان للإمام السيد موسى الصدر تأثير فكري كبير في توجهات السيّد نصر الله (قُدّس سره) ، وخاصة فيما يتعلق بالعمل من أجل العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة لجميع اللبنانيين.وكان الإمام السيد موسى الصدر قد عبّر بوضوح في نص كتيب في سبيل العدالة وهو التقرير الذي أقره المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عن حقوق الطائفة سنة 1974 :

– بالنسبة الى نوعية المراكز يرفض المجلس تصنيف المواطنين طائفياً ويؤكد بقوة مطالب القائلين برفض طائفية الوظيفة وضرورة تبادلها بين ابناء مختلف الطوائف حسب كفاءاتهم.

 

– إن الألوف من المواطنين في مناطق بعلبك الهرمل وفي الشمال وفي مناطق اخرى لا يملكون بطاقة هوية لبنانية وبالتالي يحرمون من كافة الحقوق المواطنية . إن هؤلاء لا يمكن التشكيك في لبنانيتهم ولا في ولائهم الوطني ولكن ظروفهم الحياتية وسكناهم في مناطق نائية جعلتهم من المكتومين والمعلقين” .

 

 وقد قال السيد نصر الله (قدس سره) في خطبة له عام 2018: “نحن نؤمن بما دعا إليه السيد موسى الصدر بأن العدالة لا يجب أن تكون حكراً على طائفة معينة، بل هي حق للجميع. وهذا يدفعنا للعمل من أجل تنمية شاملة لكل المناطق، بغض النظر عن الطائفة”.

يعكس هذا الفكر الاجتماعي الشامل رؤية السيّد نصر الله (قدس سره)للدولة على أنها إطار لخدمة المجتمع، وليس لخدمة طائفة أو مذهب.

علاقة السيد حسن نصر الله (قُدّس) بولاية الفقيه من خلال كلماته عن الإمامين الخميني(قدس) والخامنئي

 

 ولاية الفقيه ليست مجرد نظرية سياسية أو دينية لدى السيد نصر الله، بل هي نهج عقائدي يلتزم به في سياسته وفكره وعلاقته بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران.

 

يعود ارتباط السيد حسن نصر الله (قُدّس سره) بمبدأ ولاية الفقيه إلى أوائل ثمانينيات القرن العشرين، عندما بدأ حزب الله بالظهور كقوة مقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني. في تلك الفترة، كان الإمام الخميني(قدس) يمثل “المرشد الأعلى للثورة الإسلامية” في إيران، وقد أرسى أسس ولاية الفقيه كمنهج قيادي وديني للأمة الإسلامية، خاصةً لأتباع مدرسة أهل البيت. تأثر السيد نصر الله بشدة بأفكار الإمام الخميني(قدس)، واعتبره قائداً دينياً وسياسياً يحمل رؤى نهضوية تتجاوز الحدود الجغرافية، وتهدف إلى توحيد الأمة الإسلامية.

 

وقد عبر السيد نصر الله مراراً وتكراراً في خطبه وكلماته عن إعجابه العميق بالإمام الخميني(قدس)، واصفاً إياه بـ”المعلم والقائد الروحي” الذي ألهم أجيالاً من المقاومين، وأسهم في تغيير مسار التاريخ الإسلامي المعاصر.

 

 في إحدى كلماته، قال السيد نصر الله (قدس سره): “الإمام الخميني(قدس)، رحمة الله عليه، ليس فقط مرجعاً دينياً، بل هو قائد أمة ومؤسس لمدرسة ثورية تبعث الروح في قلوب المؤمنين”. هذا التصريح يعبر عن مدى تعلقه بالفكر الخميني(قدس)، ويبرز اعتباره للإمام الخميني(قدس) بمثابة المرجعية العليا التي توجه أعمال المقاومة.

 

مع رحيل الإمام الخميني (قدس) وتولي الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله الشريف منصب “الولي الفقيه”، وإكمال مسيرة سلفه في قيادة الثورة الإسلامية، استمر السيد نصر الله في إعلان ولائه لمبدأ ولاية الفقيه، مؤمناً بأن الإمام الخامنئي هو الامتداد الشرعي لفكر الإمام الخميني(قدس)، وقائدٌ للأمة الإسلامية، خاصةً في مواجهة القوى الظالمة والاستكبار العالمي. وقد قال السيد نصر الله في إحدى المناسبات: “نحن في حزب الله نعتبر أن سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي هو إمامنا وقائدنا وولي أمرنا، ونحن ملتزمون بتوجيهاته ونصائحه”. هذه الكلمات تعكس الولاء التام الذي كان يكنه السيد نصر الله للإمام الخامنئي، وتظهر اعتباره للإمام الخامنئي مرجعية شرعية وسياسية في آن واحد.

 

من الجدير بالذكر أن ولاء السيد حسن نصر الله (قُدّس سره) لمبدأ ولاية الفقيه لم يكن على مستوى الشعارات فقط، بل كان له أثر مباشر في سياسات حزب الله وتوجهاته. فالسيد نصر الله يرى أن ولاية الفقيه هي النظام الأمثل لتحقيق العدالة والوقوف بوجه الظلم والطغيان. وقد التزم حزب الله، بقيادة السيد نصر الله، بالتوجيهات العامة لولاية الفقيه فيما يخص القضايا الإجتماعية للمستضعفين والمحرومين من كل الطوائف في لبنان فقد قدم حزب الله بقيادة سماحته نموذجا في مساعدة الناس أيام المحن والحصار الإقتصادي على المشتقات النفطية مثلا فتحدى أميركا والكيان الغاصب وجاء من ايران بشاحنات المازوت عبر سوريا وأمنها لكل القرى والبلدات التي احتاجتها، كما كان له دور كبير في المواقف من القضايا الإقليمية كالصراع في سوريا واليمن والعراق فالتزم سماحته بقيادة حزب الله إلى تبني المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين وسوريا، وإلى دعم الحشد الشعبي في العراق لمواجهة داعش كما كان الصوت العربي الوحيد الفاعل تجاه اليمن.

 

تعتبر علاقة السيد حسن نصر الله (قُدّس سره) بولاية الفقيه علاقة عميقة وثابتة، وليست مجرد تحالف سياسي. من خلال كلماته عن الإمامين الخميني(قدس) والخامنئي، يُظهر السيد حسن نصر الله (قُدّس سره) ولاءَه العقائدي والفكري، ويُبرز مكانة القيادة الإيرانية كمحور توجيهي ومرجعية دينية وسياسية في مسيرة حزب الله.

الاستقلالية الوطنية والتبعية لولاية الفقيه

 

واجه السيّد نصر الله (قدس سره)تحدي تحقيق الالتزام بولاية الفقيه مع الحفاظ على استقلالية القرار الوطني، ويظهر ذلك بوضوح في خطبه التي يؤكد فيها أن علاقة لبنان بولاية الفقيه هي علاقة ولاء أخلاقي وروحي ديني، وليست تبعية سياسية لمصالح خارجية غير وطنية. يقول في أحد خطاباته:

 

“نحن نلتزم بولاية الفقيه كالتزام شرعي وديني، لكننا نؤكد أن هذا لا ينتقص من سيادتنا على قرارنا. نحن نقود حزباً لبنانياً بقرار لبناني، ونعمل ضمن إطار لبنان وسيادته، ولا نقبل بأي تدخل خارجي يهدد هذا الاستقلال”.

 

 نحن سادة عند الولي الفقيه ولسنا عبيداً عند أميركا وأدواتها في المنطقة”.

 

هذا الموقف يعكس رؤية السيد حسن نصر الله (قدس سره)في التوفيق بين انتمائه العقائدي واستقلالية القرار الوطني، موضحاً أن ولاية الفقيه ليست مفروضة بشكل يعارض المصالح الوطنية.

العلاقة مع القيادات الدينية الشيعية اللبنانية المخالفة لولاية الفقيه

 

رغم الاختلاف في قضية ولاية الفقيه مع بعض العلماء اللبنانيين مثل آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وآية الله السيد محمد حسين فضل الله، وآية الله الشيخ عبد الأمير قبلان رحمهم الله، حافظ السيد حسن نصرالله (قدّس سره) على علاقة إيجابية معهم ضمن توافق على المستوى الاجتماعي والوطني والديني. أدرك السيد نصرالله أن التنوع الفقهي لا يجب أن يكون عائقاً أمام التوافق في قضايا حفظ السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.

 

كان آية الله الشيخ شمس الدين ناقداً لمبدأ ولاية الفقيه، لكنه تعاون مع السيد نصرالله حول قضايا تخص الشأن اللبناني والمقاومة. قال السيد نصرالله قدّس سره في تأبينه: “عاش هموم الوطن والأمّة… قد تختلف معه، ولكنك لا تستطيع الا أن تحترم منطقه”. كما أضاف عنه: “موقفه من المقاومة وفلسطين كان موقفاً عقائدياً دينياً قبل أن يكون سياسياً”.

 

أما آية الله السيد فضل الله، فقد كان شخصية مستقلة، ورغم خلافه حول بعض التفاصيل في مسألة ولاية الفقيه، لكنه كان مرشدا دينيا وروحيا لأجيال متعاقبة، وداعماً للمقاومة، واعتبر الدفاع عن الأرض اللبنانية واجباً دينياً ووطنياً. قال السيد نصرالله (قدّس سره) عنه: “فقدنا اليوم أباً رحيماً ومرشداً حكيماً… عَلّمنا في مدرسته أن نكون الرافضين للظلم والمقاومين للاحتلال”.

 

وبالنسبة لآية الله الشيخ قبلان، الذي شغل رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بعد آية الله شمس الدين، فقد كان من اللصيقين بمسيرة الإمام السيّد موسى الصدر ومن كبار دعاة الوحدة الإسلامية والوطنية وداعمي المقاومة. أثنى عليه السيد نصرالله بقوله: “غادرنا اليوم… سماحة آية الله العلامة الشيخ عبد الأمير قبلان… كان سنداً قوياً للمقاومة في لبنان حتى النفس الأخير”.

 

أظهر السيد نصرالله وعياً عميقاً بأهمية الوحدة، حيث استطاع بتقديره واحترامه للآراء المختلفة أن يحافظ على علاقات إيجابية مع هؤلاء العلماء، مرتكزاً على القواسم المشتركة ودعم المقاومة والوحدة الوطنية، مما عزز التلاحم داخل المجتمع الشيعي اللبناني وتاليا مع الطوائف الأخرى.

 

الخاتمة والتوصيات

 

نجح السيد حسن نصر الله(قدس) في إنشاء مدرسة فكرية تجمع بين الالتزام بمبدأ ولاية الفقيه والحفاظ على استقلالية القرار الوطني، مقدماً نموذجاً سياسياً يجمع بين الهوية الدينية والهوية الوطنية. ويستحق هذا النهج التوسع في دراسته واستعراض مزيد من خطب السيّد نصر الله (قدس سره)لفهم كيفية مزجه بين الولاء العقائدي والمصلحة الوطنية.

التوصيات:

 

التعمق في دراسة خطب الشهيد السيّد حسن نصر الله (قدس سره)حول مفهوم التعايش.

 

استكشاف المزيد من تأثيرات السيد موسى الصدر على فكر السيّد حسن نصر الله قُدّس سره.

 

مراجعة دقيقة وجمع وتحليل نصوص المواقف المتعلقة بالاستقلالية الوطنية والولاء لولاية الفقيه.

 

الشيخ علي خازم، أمين سر مجلس الأمناء – تجمع العلماء المسلمين في لبنان –

 

مقالة مقدمة الى مؤتمر “مدرسة نصر الله” الذي عقد في طهران يوم السبت 9-11-2024  بدعوة من وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ورابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية.

 

الفهرست


-السيّد نصر الله ومدرسة الولاء للقيادة الدينية وحفظ الهوية الوطنية.

 

-الخلفية الفكرية والمدرسة الصدرية بين لبنان والنجف الأشرف.

 

أ. السيد موسى الصدر: التركيز على البعد الوطني والتعايش.

 

ب. السيد محمد باقر الصدر: توظيف البعد العلمي والأخلاقي.

 

تحليل الخطب والمواقف الخاصة بالسيد حسن نصر الله.

 

أ. التعايش الوطني.

 

ب. الحفاظ على الهوية الدينية.

 

-الاستقلالية الوطنية والدفاع عن الحدود.

 

-الإلتزام بمشروع الدولة الواحدة مقابل مشاريع التقسيم والفدرلة.

 

-الدروس الفكرية من الإمام السيد موسى الصدر وأثرها في فكر السيّد نصر الله قُدّس سره.

 

-علاقة السيد حسن نصر الله قُدّس سره بولاية الفقيه من خلال كلماته عن الإمامين الخميني والخامنئي.

 

-الاستقلالية الوطنية والتبعية لولاية الفقيه.

 

-العلاقة مع القيادات الدينية الشيعية اللبنانية المخالفة لولاية الفقي.        

        

-الخاتمة والتوصيات.

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص