لم يتأثر اللبنانيون فقط بالعدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، إنما طال أيضاً المقيمون في البلاد واليد العاملة الأجنبية، بدءاً من العاملات المنزليات وصولاً إلى العاملين في مهن حرة. معاناة مشتركة تقاسمها اللبنانيون مع الأجانب الوافدين من بلدان مختلفة مثل إثيوبيا، سيرلانكا، سيراليون، بنغلادش، مصر، السودان وغيرها من الجنسيات.
لكن كان للعاملات المنزليات النصيب الأكبر من المعاناة، الذين تتراوح أعدادهن بين الـ100 ألف والـ250 ألف عاملة منتشرين في مختلف المناطق اللبنانية، اضطرتهن ظروف الحرب القاسية إلى النزوح إما مع العائلات التي يعملن لصالحها، أو بمفردهن. تباينت ظروف نزوح العاملات الأجنبيات، وذلك بسبب الاختلاف في ظروف كل واحدة منهن، ومنهن من تُركن لمصيرهن من دون أي أوراق ثبوتية أو جواز سفر، بسبب نظام الكفالة الذي يُبقي بموجبه صاحب العمل على جواز سفر العاملة الأجنبية، الأمر الذي منع العديد منهن من السفر إلى بلادهن، كما برزت لديهم مشكلة إيجاد مأوى، وأكدت بعض العاملات أنهن لم يحصلن على مستحقاتهن المالية، مما جعل مهمة البحث عن مكان للجوء إليه أكثر صعوبة.
تتحدث العاملة الإثيوبية بيتينا عن الصعوبة التي واجهتها في الخروج من منطقة طريق المطار إلى إحدى مراكز الإيواء، قائلة: “هربت من تحت القصف، كان الصوت كتير قوي وتركت كل أغراضي بالبيت، مشيت من ورا المطار للرملة البيضاء وضليت 3 أيام”. في وقت قام عدد كبير من العائلات اللبنانية بإصطحاب العاملة المنزلية معهم إلى مكان نزوحهم، حيث باتت إحدى العاملات مستعدة للبقاء في لبنان أملاً منها بإنتهاء الحرب، قائلة:”أنا أحب لبنان، و”إسرائيل” سقطت!”.
وبرزت بعض المبادرات لتأمين مأوى للعاملات، حيث افتتحت مراكز مخصصة لهن بعد رفض العديد من مراكز الإيواء استقبالهن، إفساحاً للمجال أمام اللبنانيين بالدرجة الأولى، فكانت المبادرة الأولى في منطقة فرن الشباك، حيث افتتح مركزاً للإيواء ضم مئات العاملات، ومركز آخر في طرابلس. كما أبدت المؤسسات الحكومية بدءاً من وزارة العمل وصولاً إلى الأمن العام اللبناني أقصى درجات التعاون والتسهيل لمساعدة العاملات على السفر إلى بلادهن، عبر التواصل مع السفارات والقنصليات المعنية التي طالب بعضها إمهالهم القليل من الوقت لتجهيز مستندات ثبوتية تسمح لرعاياهم بالدخول إلى بلادهم بشكل شرعي.
أما عن مكاتب استخدام العاملات المنزليات، فأكد نقيبها جوزيف صليبا الاستعداد الكامل لمساعدة العاملات، مطالباً بالتواصل مع المكاتب لتسهيل شؤونهم.
من جهتهم، يعيش عدد من الجالية العربية العاملة في لبنان تخبطاً يومياً بسبب عدم قدرتهم من تدبر أمورهم وتأمين مستلزماتهم، والغالبية العظمى منهم تقطن في لبنان منذ مدة طويلة، ويصعب عليها ترك كل شيء والذهاب بسهولة.
يتحدث فتحي وهو رجل مصري ستيني عن رحلة النزوح قائلاً: “عمري كلو عشته في البلد ده، اشتغلت فيه وعيلتي هنا، طلعنا من برج البراجنة لطرابلس وهستنى الوقت للي هرجع فيه لبيتي وشغلي”. من جهته، قال العامل السوداني محمد إن خوفه من الحرب الدائرة في بلده أيضاً هو ما يقلقه بشأن قرار العودة.
أما سارة وهي فتاة جامعية مصرية تعمل في شركة متخصصة بصناعة المحتوى، تحدثت عن إعطاء الشركة لها “إجازة غير مدفوعة” مما أدى إلى خسارتها لمصدر دخلها الوحيد، ووصفت حيرتها بشأن بقائها في لبنان قائلة: “الأمل هو ما يبقيني هنا، وقد أضطر للسفر بداعي العمل إلى مصر أو أي دولة عربية”.
الظروف المعيشية الصعبة هي العامل المشترك بين كل الناس في لبنان على مختلف جنسياتهم، والتباين في فرص الحصول على المساعدات والتقديمات الإجتماعية سيد الموقف، بسبب محدودية قدرات الدولة اللبنانية والأعداد الكبيرة للنازحين التي أدت إلى حالة من التصارع اليومي لتأمين احتياجاتهم.
ندين نجار