شهدت هولندا في الآونة الأخيرة أزمة سياسية حادة كشفت عن عمق الانقسامات في المجتمع الهولندي حول العدوان الصهيوني على غزة. وقد جاءت هذه الأزمة في أعقاب اشتباكات عنيفة اندلعت في أمستردام بين مؤيدين للقضية الفلسطينية ومشجعين لفريق كرة قدم صهيوني، مما أدى إلى تداعيات سياسية خطيرة هددت استقرار الائتلاف الحكومي الهولندي. وتكشف هذه الأحداث عن التناقضات في السياسة الغربية تجاه الصراع في الشرق الأوسط، وتأثيراتها المباشرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي في أوروبا.
نهج منافق
أدى النهج المزدوج والمنافق للغرب تجاه جرائم الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط إلى مواجهتهم عواقب أعمال العنف والكراهية الصهيونية في قلب بلدانهم.
في الآونة الأخيرة، أدت تصرفات المشجعين المتطرفين لفريق كرة قدم صهيوني خلال مباراة في أمستردام بهولندا، وهتافهم ضد الشعب الفلسطيني وإهانتهم للعلم الفلسطيني، إلى ردود فعل واشتباكات مع مؤيدي فلسطين.
وأفادت وسائل الإعلام الدولية أن مشجعي فريق مكابي الصهيوني تعرضوا للهجوم خلال مباراة الفريق مع أياكس أمستردام الهولندي مساء الخميس، بعد إساءتهم لفلسطين وعلمها.
تصاعدت هذه المواجهات بعد أن أساء المشجعون الصهاينة العلم الفلسطيني في الشوارع وهتفوا ضد أطفال فلسطين وغزة، وحاولوا إنزال العلم الفلسطيني من أعلى أحد المباني.
أصيب في هذه المواجهات أكثر من 10 صهاينة، وأرسلت حكومة بنيامين نتنياهو طائرات لإجلاء الموجودين في هولندا.
وصف “ديك شاف”، رئيس الوزراء الهولندي المعروف بدعمه للكيان الصهيوني، هذا الحادث بأنه “هجمات غير مقبولة تماماً ومعادية للسامية”، وقال إنه على اتصال مع بنيامين نتنياهو بهذا الشأن.
أثارت الإعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين في غزة خلال العام الماضي احتجاجات المواطنين في معظم الدول الغربية. وطالب العديد من المتظاهرين في الدول الغربية، بما فيها هولندا، حكوماتهم بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني احتجاجاً على هذا العنف. استشهد أكثر من 43 ألف شخص في العدوان على غزة منذ 7 أكتوبر من العام الماضي.
عادةً ما تصف الحكومات الغربية مظاهرات المواطنين ضد الكيان الصهيوني بأنها “معاداة للسامية” وتواصل من خلالها دعمها العسكري والسياسي والدبلوماسي للكيان الصهيوني.
في فبراير من هذا العام، طلبت محكمة استئناف من الحكومة الهولندية وقف تصدير قطع غيار مقاتلات F-35 إلى إسرائيل. وحجّت المحكمة بأن استخدام الكيان الصهيوني لهذه القطع في المقاتلات لمهاجمة الفلسطينيين في غزة يجعل هولندا شريكة في انتهاك القانون الدولي.
لكن الحكومة الهولندية أحالت هذه القضية إلى المحكمة العليا في البلاد، التي رفضت لاحقاً طلبات وقف تصدير هذه القطع إلى الكيان الصهيوني، مما سمح للحكومة بمواصلة تعاونها معه.
ادعى “خيرت فيلدرز”، زعيم حزب “الحرية” الهولندي اليميني المتطرف والمعادي للإسلام، والذي يشكل حزبه حالياً جزءاً من الحكومة، بعد الاضطرابات الأخيرة في بلاده أن هولندا أصبحت الآن “غزة أوروبا”. وطالب فيلدرز الحكومة الهولندية بحماية ودعم الصهاينة.
أزمة سياسية
وقد واجهت الحكومة الهولندية أزمة سياسية حادة بعد هذه الاضطرابات المناهضة للكيان الصهيوني،و وفقاً لتقارير وسائل الإعلام، فإن هناك خطراً من انهيار الائتلاف الحكومي في هولندا بسبب الاضطرابات الأخيرة. ونقلت قناتا NOS وRTL التلفزيونيتان عن مصادر حكومية أن مجلس الوزراء الهولندي عقد جلسة طارئة أمس. بدأت هذه الأزمة بتصريحات حادة ومعادية للأجانب حول المسلمين والهولنديين من أصل مغربي بعد الهجمات على مشجعي كرة القدم الإسرائيليين في أمستردام الأسبوع الماضي.
وكانت نورا أشيبار، نائبة وزير المالية الهولندية من أصل مغربي، قد قدمت استقالتها قبل بدء مفاوضات الأزمة. وذكرت صحيفة “دي فولكس كرانت” أن التصريحات المعادية للإسلام من بعض الوزراء بشأن أعمال العنف والاضطرابات الأسبوع الماضي كانت “متطرفة للغاية” بالنسبة لها. ويُقال إن أعضاء آخرين في حزب NSC الذي تنتمي إليه هذه المسؤولة المغربية هددوا أيضاً بالاستقالة.
إذا انسحب حزب NSC من الائتلاف الحكومي الهولندي في ظل هذه النزاعات، فلن يكون للائتلاف أغلبية في البرلمان الهولندي. ويمكن للأحزاب الثلاثة المتبقية إما الاستمرار كحكومة أقلية أو إجراء انتخابات جديدة. يُعتبر الائتلاف الحكومي، الذي يضم للمرة الأولى حزب خيرت فيلدرز اليميني الشعبوي، غير مستقر للغاية بعد أربعة أشهر فقط من تشكيله.
وفي حين لم تقدم الشرطة الهولندية بعد معلومات عن هوية المشتبه بهم في الهجمات على المشجعين الصهاينة في هولندا، ادعى العديد من الوزراء ورئيس الوزراء ديك شوف أن الشباب المسلمين من أصل مغربي بشكل خاص هم من هاجموا المشجعين الصهاينة. كما كرر فيلدرز هذه الرواية مراراً وطالب بطرد منفذي هذا العمل.
لا تزال تحقيقات المدعي العام مستمرة في هذا الشأن. ولم يتضح بعد من المسؤول عن هذه الهجمات. كما اعترفت الشرطة الهولندية بأن المشجعين الإسرائيليين مارسوا أيضاً العنف وأهانوا الفلسطينيين بشعارات عنصرية.
طالب فيلدرز اليميني الشعبوي بطرد المسلمين الذين يصفهم بالعنيفين، مما أدى إلى خلافات جدية في الائتلاف.
ومع ذلك، حلت أحزاب الائتلاف الحكومي الهولندي مؤقتاً خلافها بشأن تصريحات الوزراء العنصرية مؤخراً. وقال ديك شوف، رئيس الوزراء الهولندي، بعد ساعات من مفاوضات الأزمة في لاهاي إن الائتلاف يريد مواصلة الحكم معاً. وأضاف: “لم ولن يكون هناك عنصرية في الحكومة”.
وقال ديك شوف، رئيس الوزراء الهولندي إن حكومته توصلت إلى اتفاق أدى فقط إلى استقالة نورا وليس بقية أعضاء حزبها.