الصبر والواقعية

بهذه الطريقة سوف ننتصر…

مع جهاد جبهة المقاومة وثباتها وحرفيّتها، لم تصل مساعيهم إلى أيّ نتيجة. كل هذه النجاحات تحقّقت في ظلّ الصبر الفعّال والفهم الصحيح والواقعي للميدان.

2024-11-19

في مطلع شهر نوفمبر من العام الماضي، أعلن قائد المقاومة المدبّر والشجاع الشهيد السيد حسن نصرالله رضوان الله تعالى عليه، في أول خطاب له بعد عملية «طوفان الأقصى» عن استراتيجية جبهة المقاومة: «المعركة، معركة الصمود، الصبر، الثبات، تحقيق الإنجازات، مراكمة الإنجازات وهزيمة العدو ومنع وصول العدو إلى أهدافه وبهذه الطريقة سوف ننتصر».

 

وقد أردفَ موضحاً مسار هذه المعركة: «معركتنا لم تصل بعد إلى مرحلة الانتصار بتوجيه الضربة القاضية. ما زلنا بحاجةٍ إلى الوقت. علينا أن نكون واقعيين». والحراك وفق هذه الاستراتيجية مستمرٌّ حتى يومنا هذا، وقيادة جبهة المقاومة وفصائلها تسير على هذا النهج.

انطلاقاً من هذه الاستراتيجية وبتوجيه من الشهيد نصرالله، بدأ تكتيك انعدام الأمن في مستوطنات الشمال بهدف زيادة الضغط الاجتماعي والسياسي، وقد أخذ بالازدياد كماً ونوعاً مع مرور الوقت. وعلى الرغم من أن النظام الصهيوني بدأ باتّباع سياسة اغتيال قادة المقاومة وكبار رجالاتها، إلا أنّ ذلك لم يحدث خللاً في الخطة الاستراتيجية لجبهة المقاومة. والآن يكافح نتنياهو لإدارة شؤون مئات الآلاف من النازحين، فيما يؤثّر صوت صفارات الإنذار كلّ يومٍ على شكل حياة المستوطنين الذين كانوا قبل عامين من أسعد خمس دول في العالم.

إنّ عاملَي الصبر والواقعية كانا أهمّ المبادئ الاستراتيجية لجبهة المقاومة خلال ثلاثة عقودٍ من مواجهة المخطّطات الكبرى لمنظومة الهيمنة من أجل تغيير النظام الإقليمي. وقد كان انسحاب النظام الصهيوني من لبنان وحرب الـ 33 يوماً وانتهاء احتلال العراق ونهاية نظام «داعش»، من أهمّ مصائر الأحداث التي بدأت بهدف تغيير النظام والإخلال بالتوازن الإقليمي لصالح نظام الهيمنة.

 

لكن في النهاية، ومع جهاد جبهة المقاومة وثباتها وحرفيّتها، لم تصل مساعيهم إلى أيّ نتيجة. كل هذه النجاحات تحقّقت في ظلّ الصبر الفعّال والفهم الصحيح والواقعي للميدان. «انتصارنا يأتي من خلال التسجيل المتتالي للنقاط. هكذا انتصرت المقاومة في لبنان في أعوام 1985 و2000 و2006. وهكذا انتصرت المقاومة في غزّة. هكذا حقّقت المقاومة في الضفّة إنجازاتها.

 

وهكذا انتصرت المقاومة العراقية. هكذا انتصرت أفغانستان… وكل هذا تحقّق من خلال الثبات والصبر والتحمّل» (الشهيد السيد حسن نصرالله 3 نوفمبر 2023). ولكن أيّ أنواع الصبر هو معيار السلوك والعمل؟ «الصبر لا يعني الجلوس مكتوفي الأيدي وانتظار النتائج والأحداث؛ الصبر يعني الوقوف والمقاومة وعدم تغيير حساباتك الصحيحة وحساباتك الدقيقة أمام حيل العدو؛ الصبر يعني متابعة الأهداف التي رسمناها لأنفسنا؛ الصبر يعني التحرّك والاستمرار بمعنويّاتٍ عالية. هذا هو معنى الصبر. وإذا رافق هذا الصمود والمقاومة الحكمة والتدبير والشورى، فلا شكّ أنّ النصر سيتحقّق» (السيد الخامنئي 21 مايو 2020).

ولذلك، فإنّ الصبر الفعّال يورثُ سماتٍ مهمّة: الاستقامة، ثبات القدم، الحكمة والتدبير. لقد كان حزب الله اللبناني نموذجاً واضحاً للصبر الفعّال في الحوادث والأزمات. ربما لا يمكن أن تجد في أيّ مكانٍ في العالم مؤسسةً مثل حزب الله، تتمكّن بعد الصدمة الكبرى لاستشهاد أمينها العام، وأهمّ أعضاء مجلس القيادة وكبار القادة العسكريين ونحو أربعة آلافٍ من القادة والقوّات العملياتيّة، أن تقف على قدميها مرّةً أخرى في أقلّ من بضعة أيامٍ وتمضي باستراتيجياتها العسكرية والعملياتية قدماً أكثر من السابق.

لقد شهدت جبهة المقاومة خلال العقود الثلاثة الماضية، استشهاد واغتيال قياداتها وقادتها البارزين عدّة مرات، لكن هذه المصائب والجرائم لم تؤثّر على سرعة العمل في المسار الصحيح الذي تنتهجه هذه الجبهة. يُظهرُ نوع المواجهة والتخطيط لجبهة المقاومة في فترة الاحتلال الأميركي للعراق كذلك وجود «داعش» في العراق وسوريا، أنّها تتحرك وفق الاستراتيجيّة نفسها في مسألة زوال النظام الصهيوني وانهياره.
إنّ نوع مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله اللبناني وأطراف المقاومة الأخرى وسلوكها، يتحدّد ويتمّ تنفيذه على هذا الأساس: الصبر الفعّال والحركة على أساس حقائق الميدان. لأنه بحسب كلام قائدنا الشهيد نصرالله: «معركتنا لم تصل بعد إلى مرحلة النصر بتوجيه الضربة القاضية».

 

 

محمد حسين وزارتي

كاتب إيراني

 

المصدر: الوفاق/ وكالات