موناسادات خواسته
لا يخفى على أحد دور الإعلام المقاوم، خاصة في الظروف الراهنة وما يجري في المنطقة، من الجرائم التي يقوم بها الكيان الصهيوني، ومنها إغتيال المراسلين والإعلاميين لإخفاء الحقيقة، كما قام أخيراً باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الشهيد محمد عفيف، ففي هذه الأجواء أجرينا حواراً مع مدير قسم الدراسات الإستراتيجية بالجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي، وفيما يلي نص الحوار:
الإعلام المقاوم ودوره في تنوير الأفكار
بداية تحدث الدكتور طلال عتريسي عن رأيه حول الإعلام المقاوم ودوره في تنوير الأفكار وفضح جرائم الكيان الصهيوني، حيث قال: العالم يعرف أن أي حرب بهذا العصر لها ثلاثة مستويات، المستوى الأول هو مستوى الميدان، يعني ما يجري على أرض المعركة، والمستوى الثاني هو الإعلامي، يعني كيف تُخاض المعركة على المستوى النفسي والمعنويات، وعلى مستوى إبراز الإنتصارات والإنجازات، وإبراز نقاط قوة وضعف كل طرف، والصور التي تُنقل من الميدان، إذن الإعلام هو الوجه المكمّل للميدان، والمستوى السياسي هو كيفية توظيف نتائج المعركة الميدانية وحتى نتائج المعركة الإعلامية وتوجيهها لتحقيق الأهداف السياسية، إذن الإعلام له دور أساسي ومهم في أي حرب ومعركة، خصوصاً في زمننا المعاصر، حيث باتت وسائل التواصل في إطار الإعلام في متناول أيدي الجميع، وبالتالي أصبح التأثير يُطال أكثر عدد ممكن من الأفراد، من مختلف الأعمار، والمستويات الثقافية، لهذا السبب هناك إهتمام كبير بموضوع الإعلام من كل الأطراف، وبالسيطرة عليه وبتوجيهه وفق التوجهات السياسية في أي طرف من الأطراف.
الشهيد محمد عفيف
أما حول الميزات الخاصة للشهيد محمد عفيف، من وجهة نظره قال الدكتور عتريسي: الشهيد محمد عفيف ميزته أنه كان من الأوائل الأشخاص الذين إلتحقوا بتجربة المقاومة في لبنان وكان متخصصاً في الجانب الإعلامي، هو لم يتنقّل بين مواقع مختلفة، بقي في إطار العمل الإعلامي، وهذا أمر مهم لأنه يراكم التجربة والمعرفة والخبرة ويبني شبكة علاقات واسعة، خصوصاً أن المقاومة نفسها مرّت بتجارب مختلفة، منذ الثمانينيات حتى اليوم، واستطاع الشهيد محمد عفيف نسج علاقات واسعة مع مختلف الأطراف، سواء في لبنان أو في العالم العربي، أو حتى من الإعلام الأجنبي الذي كان يأتي إلى لبنان لتغطية الحروب التي تحصل فيه، والميزة الثانية للشهيد محمد عفيف هي أنه كان من المقربين على هذا المستوى من السيد نصرالله، وهو كان أحد أهم وأبرز المستشارين الإعلاميين الذي كان يرتّب له اللقاءات ويقترح عليه المناسبات الإعلامية ويرتب له المواعيد مع الضيوف الذين كان يختارهم بعناية من حيث أهميتهم، وقدرتهم على إيصال صوت المقاومة إلى العالم الخارجي خصوصاً، بالإضافة إلى ميزاته الشخصية من حيث الثقة والإخلاص، والتواضع والإلتزام، وربما لهذه الأسباب إصطاده العدو بالإغتيال.
إغتيال الإعلاميين
وعندما سألناه عن رأيه حول أنه هل يمكن خنق وإخفاء الحقيقة باستشهاد المراسلين؟ وهل تتوقف هذه المسيرة؟، هكذا رد علينا بالجواب: العدو لا يستطيع خنق أو إخفاء الحقيقة، حتى لو قام باغتيال المراسلين أو الإعلاميين أو المسؤولين الإعلاميين، هذا جزء من المعركة التي تخوضها الشعوب وحركات التحرر، والدليل على ذلك أن الصور لا تزال تُرسل، سواء من مراسلين متخصصين أو حتى من أشخاص عاديين اليوم، لأن الإعلام أصبح في يد كل شخص يحمل هاتفا أو كاميرا، ويستطيع أن يرسل رسالة لأي مكان في العالم، لكي تنتشر وتتوزع، لن يتمكّن العدو من خنق الحقيقة، ونحن لا نزال لغاية الآن نشاهد ما يجري في الميدان وما يجري في المدن المحتلة، في فلسطين وما يسقط عليها من صواريخ وما يتعرض له المستوطنون، من خوف ولجوء إلى المخابئ وما تقوم به المقاومة، في فلسطين، هذا كله لا يزال يُنقل إلى اليوم، وعلى الرغم من كل الجرائم التي تُرتكب بحق الإعلاميين والمراسلين ، العدو لا يستطيع أن يخنق هذه الحقيقة، التي تُنقل بوسائل مختلفة.
الإعلام الملتزم بقضية المقاومة
وفيما يتعلق بالرسالة التي تقع على عاتق المراسلين ووسائل الإعلام، قال عتريسي: طبعاً وسائل الإعلام لن تتوقف عن القيام بواجباتها ودورها، على الرغم من أن بعض وسائل الإعلام، تعمل وفق توجهات سياسية وتلتزم بما يريده الطرف السياسي، أو الحكومة في هذا البلد أو ذاك، فتنقل ما يتناسب مع توجهات الحكومات، كما حصل في غزة، وبعد 7 أكتوبر، عندما رددت وسائل الإعلام السردية الصهيونية حول ذبح الأطفال والإعتداء عليهم وما شابه ذلك، وكان هذا يخدم الخطاب الصهيوني، وكما فعلت قنوات كبرى بالولايات المتحدة وفي الغرب، وفي المقابل الإعلام الذي يلتزم بقضية المقاومة، يستمر في عمله، على الرغم من التضحيات الكبيرة التي يدفعها والتهديدات التي يتعرض لها، خصوصاً وأنه يعمل وهو في قلب الميدان، وبالتالي هو يتحمل التضحيات التي يتعرض لها ويدفعها في مقابل الإستمرار في نقل الحقيقة.
في الواقع ان الإعلام لديه دور مهم، والعاملون في هذا المجال يقدّمون خدمة قوية وكبيرة للحقيقة وللبعد الإنساني، ولقضية التحرر ومواجهة الإستكبار والهيمنة الغربية على العالم، وقضية تحرير فلسطين، وبالتالي هذه مهمة، حقيقة لا تقل أهمية عن الميدان، وهي في خدمة المشروع السياسي، مشروع التحرر والإستقلال، لهذا السبب يحتاج الإعلام إلى الدعم وبذل الجهود، والحماية ووضع الخطط، وبذل كل ما يحتاجه هذا الإعلام، لأننا نعرف تماماً أن الإعلام المُضاد لحركة المقاومة وحركة التاريخ، تُبذل من اجله عشرات المليارات من الدولارات، وبالتالي الإعلام من الجهة المقابلة، تحتاج إلى الحماية والدعم، على كل المستويات، لكي يقوم بدوره في خدمة مشروع المقاومة وما يجري في الميدان من أجل تحرر الشعوب.
الإعلام جزء من المعركة
وعندما سألناه عن سبب إغتيال المراسلين برأيه قال أستاذ الجامعة اللبنانية: العدو يعرف أهمية الإعلام وأهمية عمل المراسلين، وكانت هذه سياسة واضحة لدى العدو، سواء في غزة أو في لبنان، وتم اغتيال العشرات ووصل العدد إلى المئات من الصحفيين العاملين في غزة وكذلك في لبنان، ولم يلتفت أصلاً إلى جنسيتهم حتى، هناك بعض الصحفيين الأجانب من جنسيات مختلفة، والهدف هو كما ذكرنا، أن لا يكون الإعلام جزء من المعركة التي تعمل لتُبرز إنجازات المقاومة من جهة وصمود الشعب الفلسطيني أو اللبناني من جهة ثانية، وإبراز وحشية العدو بمقابل، هذا ما لا يريد العدو أن يراه العالم، هو يريد أن يعمل في الخفاء، ويقضي على أي صوت يُمكن أن ينقل حقيقة المجازر التي يرتكبها، ولاحظنا كما لاحظ العدو بالتأكيد، أن وسائل التواصل التي نقلت الصور، والمجازر، وعمليات الإبادة، ضد النساء والأطفال والمؤسسات الإستشفائية والتعليمية والدينية، نقلت هذه الصور إلى العالم أجمعه، ما شكّل رأياً عاماً جديداً في الغرب خصوصاً، خرج بتظاهرات بمئات الآلاف، وهذا لم يتوقعه العدو، ولم يتحمله، ولهذا السبب وضع ضمن خططه القضاء بأي وسيلة ممكنة على أكبر عدد ممكن من المراسلين وممثلي وسائل الإعلام، لكي لا ينقلوا الصورة إلى الخارج، وبات معلوماً والعدو يعلم بأنه بسبب هذه الصور التي نُقلت أصبح معزولاً على المستوى الدولي، إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً.