في 18 كانون الثاني (يناير) 2009، وبينما كان النظام الصهيوني يحتل أجزاء من قطاع غزة، معلناً عدم قدرته على منع عمليات المقاومة الصاروخية بهذه الإجراءات، انسحب من قطاع غزة بوساطة مصرية، وبدأت الحرب التي اندلعت 22 يوما (27 ديسمبر 2008). واستشهد في هذه الحرب حسب الإحصائيات الفلسطينية حوالي 1400 فلسطيني و 100 جندي صهيوني. وبلغ عدد الجرحى الفلسطينيين قرابة 5000 فلسطيني وبلغ عدد القتلى الإسرائيليين حوالي 400 قتيل، ولكن لماذا رغم هذا العدد من الشهداء الفلسطينيين والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لقطاع غزة، يعتبر أنصار المقاومة أن “المقاومة الفلسطينية” هي المنتصر مفي هذه الحرب؟
لمحة عامة عن الظروف قبل حرب 22 يومًا
إن مراجعة الأوضاع قبل الحرب فعالة للغاية في تصوير ما حققته المقاومة في حرب 22 يومًا، والأحداث والتوجهات التي جعلت المنطقة على وشك التحول الذي لم يرض ذوق الغرب والكيان الصهيوني.
طرد الصهاينة من جنوب لبنان وقطاع غزة
في أيار 2000، عندما أُجبر النظام الصهيوني على الانسحاب من لبنان في جنوب هذا البلد، ظهر وعد جديد في قلوب الفلسطينيين، وكأن الأمل قد ولد بين الفلسطينيين بأن طرد الصهاينة كان ممكنا، لذلك عندما لم يمض وقت طويل على طرد الصهاينة من جنوب لبنان، اندلعت نيران انتفاضة الأقصى في فلسطين، وهي انتفاضة مسلحة استمرت 5 سنوات، وكان في نهاية هذا الانتفاضة أن الصهاينة أجبروا على مغادرة قطاع غزة. ومع طرد الصهاينة من قطاع غزة، حدثت سلسلة من التطورات بسرعة، فاجأت الفصيل الصهيوني الغربي.
انتصار المقاومة الفلسطينية على الساحة السياسية وحصار قطاع غزة
بعد مرور عام على طرد الصهاينة من قطاع غزة، وبينما كان أبو مازن قد فاز في انتخابات رئاسة حكومة منظمة التحرير الفلسطينية، فقد كلفت حركة حماس بفوزها بأغلبية مقاعد مجلس النواب بتشكيل حكومة في فلسطين. الآن فوجئ الصهاينة ورأوا السبيل الوحيد للهروب من هذا الوضع بالضغط على حلفائهم في حركة فتح، وذلك بالضغط الذي مارسته أمريكا والنظام الصهيوني على حكومة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، أدت الخلافات بين فصائل المقاومة وحركة فتح والجهاز الأمني لحكومة منظمة التحرير الفلسطينية إلى نشوب صراع.
واستغل الصهاينة هذه الفرصة واغتالوا عددا من قادة حماس بعضهم وصل إلى منصب وزير في الحكومة. وكان عام 2007 قد بدأ ولم تتمكن حماس من تشكيل حكومتها الشرعية المدعومة بأصوات الشعب، ومع هذه الشروط، أعلنت حماس ، بتوليها السلطة في قطاع غزة، أن سيادة هذه المنطقة في أيدي السلطة القانونية وحكومة فلسطين، ونتيجة لهذا العمل الذي قامت به حماس، هرب أعضاء من حركة فتح من هذه المنطقة. وأشهر من هرب من قطاع غزة في هذا الوضع هو “محمد دحلان” رئيس جهاز الأمن في السلطة الفلسطينية.
ومنذ فوز حماس في الانتخابات النيابية، حاصر الصهاينة، مع عدم اعترافهم بحكومة حماس في قطاع غزة ومنعوا دخول البضائع إلى هذه المنطقة الصغيرة، وفي ظل هذه الظروف السبيل الوحيد من أجل أن يتنفس قطاع غزة كان معبر رفح المؤدي إلى مصر، أغلق بسبب ضغوط الصهاينة والولايات المتحدة بعد إعلان حماس السيادة على قطاع غزة.
استراتيجية المقاومة لإنهاء الحصار
ولجأت مجموعات المقاومة في هذا الوقت إلى الهجمات الصاروخية لإنهاء الحصار وضرب النظام الصهيوني. واستمر الخلاف بين الجانبين على هذا الوضع إلى أن تم، بوساطة مصرية، التوصل إلى وقف إطلاق نار بين الجانبين في شهر حزيران / يونيو، وبعد إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة وإيقاف فصائل المقاومة الهجمات الصاروخية على الأراضي المحتلة، لم يتغير الوضع خلال هذه الفترة. إلا أن الكيان الصهيوني استهدف مواقع المقاومة مع استمراره في خرقه المستمر لوقف إطلاق النار. وبانتهاء الهدنة أعلنت المقاومة رسميًا عدم استعدادها لتمديد التهدئة وستستأنف هجماتها لإنهاء الحصار عن قطاع غزة. وتم اتخاذ قرار المقاومة هذا فيما كان الصهاينة يستعدون لهجوم شامل، وكانت علامته حربا شاملة نفذت أولا بضربات جوية ثم بغارات برية وبحرية.
أسباب انتصار المقاومة في حرب 22 يوماً
رغم كل الضربات التي تعرض لها قطاع غزة وفصائل المقاومة في حرب 22 يومًا، إلا أن انتهاء هذه الحرب كان انتصارًا كاملاً للمقاومة الفلسطينية، والتي يمكن رؤيتها في الأسباب التالية:
1. خروج الصهاينة بعد الحرب
بدأ الكيان الصهيوني حربا استمرت 22 يوما بهدف إنهاء عمل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهذا الهدف النهائي أعلنته السلطات العسكرية والسياسية للنظام الصهيوني منذ بداية الحرب ولكن بعد 22 يومًا من الهجمات الجوية والبحرية والبرية، وعلى الرغم من سيطرة الصهاينة على أجزاء من قطاع غزة، إلا أنهم أجبروا على الانسحاب من قطاع غزة لأنهم لم يتمكنوا من إصابة النوى الأساسية للمقاومة. وتم انسحاب الصهاينة من قطاع غزة بعد 22 يوما من الهجوم للسبب نفسه الذي دفعهم إلى مغادرة قطاع غزة عام 2005. وكانت تكلفة وجودهم في قطاع غزة باهظة لدرجة أنه لم يكن لها أي مبرر عسكري وأمني واقتصادي ، فاضطروا لمغادرة غزة.
2. الوقوف على الرغم من حصار قطاع غزة وتعاون الغرب مع الكيان الصهيوني
بدأ الكيان الصهيوني الحرب على قطاع غزة عندما حصل على موافقته من مجلس الأمن والغرب. وقبل أيام قليلة من بدء الحرب، تلقت “تسيبي ليفني”، وزيرة خارجية النظام الصهيوني في ذلك الوقت، تفويضًا من مجلس الأمن الدولي والدول الأوروبية بشن هجوم، مستشهدة بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن الحق للدفاع عن النفس والغرب والأمم المتحدة شارك الكيان الصهيوني في هذه الحرب.
ومن ناحية أخرى، كان قطاع غزة ومجموعات المقاومة تحت الحصار لمدة عامين قبل بدء هذه الحرب. ورغم هذين العاملين، ما زالت المقاومة قادرة على إجبارهم على الخروج من قطاع غزة وتوجيه ضربات شديدة لهذا الجيش وهذا شيء لم يحدث من قبل في تاريخ احتلال فلسطين.
3. التأقلم غير المتماثل
في غضون ذلك، حافظت فصائل المقاومة على مواقعها المركزية والرئيسية ضد الكيان الصهيوني لمدة 22 يومًا، والتي لا يمكن مقارنتها بالجيش الصهيوني من حيث الأسلحة والقدرات العسكرية. واقتصرت الأصول العسكرية لمجموعات المقاومة في ذلك الوقت على السلاح الفردي إضافة إلى قذائف الهاون قصيرة المدى وعدد قليل من الصواريخ قصيرة المدى، في حين لم تستفد فصائل المقاومة من القوات الجوية والبحرية.
لكن النظام الصهيوني كان يمتلك جيشًا كاملاً بقوات برية وجوية وبحرية استغل جميع منشآته في الجو والبحر لمهاجمة قطاع غزة، إضافة إلى أن النظام الصهيوني استخدم أيضًا أسلحة محظورة مثل القنابل الفسفورية في هذه الحرب. وعلى الرغم من هذا التناقض في الأدوات والسلاح، وقفت فصائل المقاومة ضد الكيان الصهيوني لمدة 22 يومًا، وبعد ذلك، أجبر تقييم الكيان الصهيوني لاستمرار خسائره ضد المقاومة هذا النظام على الانسحاب من قطاع غزة.
هذه الحرب، التي كانت أول صراع بين المقاومة والنظام الصهيوني، أصبحت نموذجًا للحروب المستقبلية وأصبحت مقدمة للمقاومة لتستخدم دروسها لتكون أكثر نجاحًا في حروب مقبلة مما كانت عليه في الماضي. وحرب 22 يومًا، كحرب وقفت فيها المقاومة خالية الوفاض ضد العدو الصهيوني، أصبحت نموذجًا للمقاومة ورسمت طريق النصر في المستقبل، ومسار كانت آخر محطاته معركة سيف القدس. وفي عام 2021 وحرب 11 يومًا في عام 2022، وفي هذين الحربين كانت حرب المقاومة هي التي بادرت وتمكنت من توسيع دائرة دعمها للأمة الفلسطينية إلى كامل أراضي فلسطين من خلال خلق الردع ضد الصهيونية.