د.محمد علي صنوبري
ستنشر «الوفاق» على عدة حلقات مشاهداتها الخاصة من بيروت كتبها لها الدكتور محمد علي صنوبري رئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية، وفيما يلي الجزء الثالث من هذه السلسلة:
سألت الشاب اللبناني الذي قال لي إن الضاحية هي قلب بيروت، وأن الأحياء الأخرى هي أطرافها، عن دينه، فقال: لا يهم، في هذه المسألة، الدين ليس له دور، بل الغيرة والإنسانية هما المهمتان. قلت له: أظن أنك مسيحي! فقال: لقد خمّنت صحيحًا.
سألته: ألا تشعر بالقلق من أن تمتد الهجمات الوحشية لكيان الاحتلال الصهيوني من الضاحية إلى مناطق أخرى في بيروت؟ فقال: أشعر بالقلق من أن الكيان الصهيوني يروج بأن سكان لبنان باستثناء الشيعة هم أصدقاؤه.
بعد قليل من الحديث الودّي، ودّعته. وركبت السيارة مع أصدقائي لنرى المدينة أكثر. شارعًا شارعًا وزقاقًا زقاقًا،كان هناك إحساس غريب يسري في الشوارع. كان من الممكن في أي لحظة أن يُدمر أحد تلك المباني العالية التي تتجاوز عشرة طوابق جراء الهجمات الصاروخية لكيان الاحتلال. بدأت قطرات المطر الخفيف تتساقط. كان صديقي علي، وهو ناشط إعلامي لبناني، يجلس خلف عجلة القيادة ويقدم توضيحات حول وضع الحرب.
قررنا أن نتوقف عندما نرى موضوعًا مناسبًا للمقابلة أو الحوار. فجأة، وصلت إلينا رائحة قوية تشبه رائحة البلاستيك أو الأسلاك المحترقة، قال علي: اشتموا، هذه رائحة الانفجار. مررنا بجانب مبنى تم استهدافه قبل يومين. يبدو أن هذا المبنى كان مكان عمل ومنزل سابق لأحد أعضاء حزب الله، ورغم أنه كان فارغًا منذ فترة طويلة، إلا أنه قد تم استهدافه.
سألت: لماذا لا يزال هذا المبنى يحترق بعد يومين؟ أجاب علي: بسبب أن البطاريات الشمسية التي تُركب لتوفير الكهرباء على أسطح المنازل تستمر في الاحتراق لعدة أيام.
في أحد أحياء بيروت، لاحظنا شارعًا ضيقًا كانت السيارات متوقفة بشكل غريب على الجانبين، ولم يكن هناك مجال لعبور سيارة واحدة إلا بصعوبة. سألت علي عن سبب هذا الازدحام. فأجاب: معظم سكان الضاحية انتقلوا إلى هذه المنطقة، وبعضهم ينامون في سياراتهم ليلاً. أما الذين لديهم أقارب، فقد ذهبوا إليهم، وبعضهم تم إيواؤهم في المدارس والأماكن الحكومية.
يتبع..