سهامه مجلسي
الحرب النفسية هي الحرب التي تستخدم فيها أساليب الدعاية والوسائل السيكولوجية والمعنوية الاخرى للتأثير في معنويات العدو واتجاهاته، لخلق حالة من الانشقاق والتذمر بين صفوفه، ويقصد بها المساعدة في كسب المعارك الحربية وإلحاق الهزيمة بالخصم.
ويستخدم في ذلك الدعاية، وبث حالة الحماس لدى ابناء المجتمع العسكريين والمدنيين للتمسك بقضيتهم وبحقوقهم التي يحاربون من اجلها، وبيان ضرورة كسب الحرب، مع الاستعانة بإثارة المشاعر الوطنية والقيم الدينية والأخلاقية، وفكرة الشهادة في سبيل الله والعودة للمفاخر التاريخية التي تزكي قيمة الدفاع عن العقيدة والمقدسات والعمل على حمايتها.
تستخدم الحرب النفسية اساليب الدعاية بقصد نشر بعض الافكار أو الاراء او المعتقدات، ولتغير اتجاهات الناس والتأثير في مشاعرهم وميولهم وأفكارهم وأرائهم ومعتقداتهم وتوجه للفرد أو الجماعة على حد سواء.
وتستهدف الحرب النفسية إضعاف القدرة القتالية للخصم وخفض معنوياته وتشكيكه في عدالة قضيته، وفي نفس الوقت العمل على رفع الحالة المعنوية للطرف الذي يشن الحرب النفسية وكذلك رفع قدرته القتالية وزيادة قدرته على النضال والصمود والتضحية والبذل والعطاء، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الدكتورة اللبنانية سحر مصطفى مسؤولة الدراسات في مركز أمان للإرشاد السلوكي والإجتماعي وفيما يلي نصه:
طبيعة الحرب النفسية التي تمارس على بيئة المقاومة
بداية تشرح لنا الدكتورة سحر مصطفى:” لطالما كانت الروح المعنوية للأفراد والجماعات وثقتهم بالنصر وبالقيادة، نقطة مهمة جداً في اية مواجهة. ويخبرنا التاريخ وكذلك الكتب السماوية، عن كثير من المعارك كانت الغلبة فيها لفئة قليلة آمنت بقدراتها واحقية قضيتها، على فئة كبيرة ظالمة… وقد خَبرَ علماء النفس العسكريون ذلك، وطوروا من أساليب التأثير النفسي والمعنوي الى جانب القتال العسكري، سواء في زمن الحروب أو خارجها، حتى يتمكنوا من السيطرة على كل من يفكر حتى بالاعتراض على قراراتهم أو توجهاتهم. وقد حققت أساليب الحرب النفسية قفزات هائلة بعد ثورة المعلومات والاتصالات، الى ان جرى ادخال الذكاء الاصطناعي مؤخراً في تزوير الوقائع، وبث الرعب والاشاعات بين الناس، لتكريس صورة العدو الصهويني بأنه لا يقهر، وتشويه صورة محور المقاومة، وتسميته بمحور الشر والارهاب، وبث الشقاق بين مكوناته…
وقد جهد العدو الصهيوني مؤخراً مدعوما بماكنة إعلامية غربية ضخمة، وكذلك وسائل وادوات اعلامية ناطقة باللغة العربية، لتكثيف الحرب النفسية على بيئة المقاومة، وذلك على عدة مستويات:
1- على مستوى بث الشقاق بين مكونات محور المقاومة، وبشكل خاص الترويج بان الجمهورية الاسلامية تخلت عن المقاومة، وتركت بيئتها لمصيرها، تعاني التهجير والقتل والتدمير.
2- تضخيم صورة التفوق العسكري الصهويني من خلال المبالغة في القتل والتدمير وتصوير ذلك ونشره، مع التعمية على انجازات المقاومة، سواء في المجال العسكري، او الجهود الدبلوماسية التي تبذلها دول محور المقاومة.
3- تخويف البيئة الحاضنة للنازحين منهم والعكس، من خلال استهداف اماكن تواجد النازحين والترويج بأنها تحتوي على اهداف عسكرية، او بث النعرات والحساسيات وتضخيم اي احتكاك او اشكال..
4- ترهيب الرأي العام اللبناني من خلال التهديد بتكرار سيناريو غزة في لبنان.
5- الإعلام العبري يبث مواد تحذيرية وتحريضية تحاول إحداث شرخ بين المقاومة وبيئتها.
6- التشكيك الدائم بجدوى المقاومة من خلال عرض الخسائر التي تتكبدها المقاومة وجمهورها مقابل خسائر العدو، والتركيز على الكلفة الباهظة لخيار مقاومة الكيان الصهيوني المؤقت، في مقابل إخفاء الخسائر المتراكمة في المجتمع الصهيوني.
7- تعميم المنشورات التهديدية التي تدعو لتسليم المطلوبين والتحذير من مساندة المقاومة بأي شكل، وهو عمل يهدف إلى بثّ الهلع والتخوّيف من دعم المقاومة.
8- التأثير في الأفراد عبر الفضاء الرقمي: نجح الكيان المؤقت في إنشاء حسابات مزورة وغير مزوّرة، وحسابات رسمية باللغة العربيّة تستهدف العالم العربي والفلسطينيين بشكل خاص، كصفحة «إسرائيل تتكلم بالعربية» وصفحة أفيخاي أدرعي وسواها…
هذا فضلاً عن استخدام الأبواق الداخلية للترويج لحرب العدو النفسية، وكذلك استغلال معاناة النازحين وتعميقها….
كيف يمكن مواجهة ماكنة الاعلام الصهيونية؟
وتقول الدكتورة سحر مصطفى:” تمثل المعرفة بما يخطط له الأعداء ويقومون به خطوة مهمة على طريق افشال اهدافهم. لذلك من المهم العمل على تفنيد الادعاءات والفبركات الإعلامية، وتعزيز نقاط القوة عند بيئة المقاومة، وتظهير صورة انجازاتها”.
الابتعاد عن كل وسائل الإعلام المشبوهة التي تروج لسرديات العدو، وعدم تصديق كل ما يعلنه العدو الصهيوني والتهويلات التي يقوم بها، لتجنّب الوقوع في دوامة الخوف والانتظار أو الترقّب لأنها تؤدي إلى القلق والتوتر.
ومن النقاط المهمة هي الحذر من تحولنا من حيث لا ندري الى ماكنة لنشر الاشاعات التي تسهم في تعزيز اهداف العدو، والعمل على التثبت من الاخبار التي تنشر وعدم الانجرار وراء مطلقي الأخبار…
التنبه الى أن مبالغة العدو وامعانه في القتل والتدمير، هو دليل واضح على عجزه وفشله…
العمل على تقصي وتسويق المعلومات التي تتحدث عن نسبة الخسائر وأرقامها في الكيان «تراجع التصنيف الائتماني مثلا /المطارات/ المصانع…».
الاعتماد على المعلومات والتحليلات التي تبثها وسائل الاعلام المؤيدة، وعدم الاستماع الى الوسائل المعادية…
التذكير بأن كلفة المقاومة لطالما كانت اقل بكثير من كلفة الاستسلام، وبشكل خاص على المدى البعيد…
الأستفادة من التوجيهات التي كان يعطيها القادة المؤثرون، ولا سيما سماحة السيد الشهيد نصرالله، في مواجهة الحرب النفسية وتفنيد ادعاءات العدو…
مقومات الصمود في مواجهة الحرب
وهنا توضح لنا الدكتورة سحر مصطفى:” لقد اثبتت بيئة المقاومة انها بيئة لديها تربية عقائدية وايمان راسخ، وصلابة وثقة بالله سبحانه وتعالى تمكنها من الصبر وتخطي الكثير من الصعوبات. ولكن في خضم الحرب العسكرية والاقتصادية والنفسية غير المسبوقة التي يقوم بها محور الشر، يجب العمل على تدعيم هذا الصمود وترسيخه من خلال اجراءات عملية تساعد الأفراد على الحفاظ على توازنهم النفسي وقدرتهم على الأستمرار، وبخاصة مع تزايد اعداد الشهداء ومشاعر الفقد وخسارة الارزاق والممتلكات والبيوت”:
– مسارعة الجهات المعنية بتأمين احتياجات النازحين، وتقديم الدعم النفسي والإجتماعي التخصصي.
– الأهتمام بتعزيز الوضع الروحي والمعنوي وسد اوقات الفراغ، والابتعاد عن التتبع لكل مصادر الاخبار والتي في جزء كبير منها غير موثوقة…
– متابعة المواقع التي تساهم في تعزيز الروح المعنوية، وكشف زيف ادعاءات الاعداء.
– الانخراط في أنشطة ثقافية وعبادية وتعليمية، سواء ضمن الأنشطة التي تقام في مراكز النزوح او الأنشطة الافتراضية.
– الأهتمام بتعزيز نوع من الروتين اليومي وبذل جهود لمحاولة التأقلم والتكيف مع الاوضاع الجديدة.
– القيام بمبادرات ضمن اماكن النزوح، وتوظيف امكانات ومعارف الافراد.
– تقديم شكاوى للمعنيين عند وجود ثغرات معينة، والأبتعاد عن اشاعة هذه الثغرات وتضخيمها.
– طلب المساعدة من مختصين ثقة عند الشعور بالعجز وعدم القدرة على التحمل.