ما تصوراتك حول ما تبدو عليه الصحة النفسية لدى الأطفال؟
ربما يمكنك أن تفكِّر في هدفين أو ثلاثة أهداف جيدة؛ فأنت تعرف على الأرجح أننا يمكن أن نتوقَّع أن ينسجم الأطفال جيدًا مع الآخرين، وأن يتمكَّنوا من الذهاب إلى المدرسة دون الشعور بكثير من الأسى، وأنهم في نهاية الأمر سيتحمَّلون قدْرًا من المسئولية عن أفعالهم. تجسِّد كل هذه الأمور أهدافًا رائعة يدركها الكثير من الأطفال، ولكن هل تعرف كيفية تعزيز هذه الأهداف؟
إن تعزيزَ هذا النوع من الصحة النفسية ممكنٌ ويحتاج مناقشةً بحيث يكون البالغون على دراية كاملة بالتحديات القادمة وعلى استعداد لها. هل هناك أهداف أخرى لبناء المهارات العاطفية والاجتماعية التي ترتبط بالصحة النفسية؟ نعم، فالأشخاص البالغون، مثل الآباء والأمهات والمعلِّمين، يبيِّنون للأطفال كيفية المضيِّ قُدُمًا في بيئاتهم بمهارة ورغبة في التواصل مع الآخرين يوميًّا. يُطلِق علماء النفس على هذه المهارة أيضًا «الكفاءة الاجتماعية»، وتشير ببساطة إلى مجموعة من السلوكيات الاجتماعية الإيجابية، التي أتقنها الطفل، مع إمكانية استخدام الطفل هذه المهارةَ في المستقبل أيضًا. ومثلما تجسِّد الخطواتُ الأولى للطفل في أرجاء الغرفة دلالاتٍ على الصحة البدنية للطفل، فإن الخطواتِ الصغيرةَ صَوْب اكتساب «الكفاءة الاجتماعية» في إطارٍ من التشجيع والدفء شديدةُ الأهمية لدعم الصحة النفسية للطفل.
ان إقامة علاقات صحية مع الأطفال الموجودين في حياتنا تساعدهم على أن يصيروا أناسًا أصحَّاء نفسيًّا. يُطلَق أيضًا على عمليةِ تيسيرِ التنميةِ الصحيةِ هذه «توفيرُ الدعائم»، وهو المصطلح الذي استخدمه عالم النفس الروسي ليف فيجوتسكي (١٩٦٢) لوصف دعم تعلُّم الأطفال. تخيَّلْ مبنًى قَيْد الإنشاء، ولاحِظْ دور الدعائم المُستخدمة في تيسير عملية البناء في ذلك الموقع. يلعب البالغون الدور نفسه أيضًا؛ حيث يقومون بدور الدعائم التي تسانِد تطوُّر الأطفال من خلال توفير إطار يمكن أن يَستخدمه الأطفال للنمو في البيئات التي يعيشون بها؛ فالتطور إلى أفرادٍ أصحاءَ سعداءَ يمكنهم إجادة التواصل مع الآخرين وفَهْم وجهات نظرهم بتسامحٍ والاهتمام بعالمهم؛ أمرٌ ممكن مع الأساس الصحيح، ويمكن أن يساعدنا علم النفس في إنجاز هذا العمل المهم.
ستتردَّد عبارة «الصحة النفسية الجيدة»، والمراد بها ذلك التوازنُ الخاص ببناء علاقات تقترن بمسئولية شخصية، شأنها شأن ذلك التوازن بين الأحماض والقلويات في العالم المادي. وهذا يذكِّرنا بأن الصحة النفسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحتنا البدنية. يشير مفهوم «الصحة النفسية الجيدة» ببساطةٍ إلى أن يرعى البالغون الأطفالَ بصفة يومية، ويشمل ذلك تلقين الأطفالِ ضرورةَ تحمُّل مسئولية أفعالهم، وأن هذه الأفعال لها عواقب، وأننا نتوقَّع منهم أن يتطوروا في حدود هذا الإطار لمساعدتهم في أن يصيروا أطفالًا أصحَّاءَ نفسيًّا.
اللَّبنات الأساسية للصحة النفسية
رَكَّزَ علماء النفس في الماضي عند دراسة السنوات الأولى مِن تطور الطفل على مفهومَين جديرَين بالمناقشة هنا؛ فقد اكتُشف أن كلًّا من «الحالة المزاجية» و«الانضباط الذاتي» مؤشران جيدان يتكهَّنان بالنتائج اللاحقة التي يحقِّقها الأطفال. ونحن نشير إلى مصطلح «الحالة المزاجية» في علم النفس باعتباره مفهومًا يضم السمات المُمَيِّزة للأطفال عندما يستجيبون مع البيئة المحيطة. وتشتمل السمات التي كثيرًا ما تخضع للدراسة لدى الرُّضَّع على سرعة الانفعال ومستوى النشاط والاستجابة الاجتماعية والدافعية. ويعتقد العديد من علماء النفس أن الأطفال يُولَدون بمَيْل إما نحو الهدوء أو سرعة الانفعال والاهتمام ببيئاتهم. ونحن نضع تقديرات حول حالتهم المزاجية من خلال ملاحظة مستويات النشاط البدني والرغبة في ملازمة الآخرين. وعلى مُقدِّمي الرعاية البالغين الأصحاء الاستجابة لكلٍّ من «الأطفال الهادئين» و«الأطفال سريعي الانفعال» واضعين في اعتبارهم أهدافَ تنشئةِ أطفالٍ أصحاء في النهاية. ويمثِّل مفهومًا آخر يرتبط بالحالة المزاجية الحدُّ الذي يصل إليه الأطفال صغيرو السن للغاية في تعلُّم تنظيم استجاباتهم البدنية والعاطفية والاجتماعية مع بيئاتهم. يعني مصطلح «الانضباط الذاتي» أن الأطفال لديهم مجموعة من المهارات مثل التحكُّمِ في درجة تركيزهم أو انتباههم، والقدرةِ على تهدئة أنفسهم عند رعاية البالغين لهم، ولاحقًا التحكمِ في سلوكياتهم.
وبينما قد يبدو أن هذه المناقشة حول الحالة المزاجية والانضباط الذاتي تضع الطفل في بؤرة الاهتمام، فإن العلاقات الصحية مع مقدِّمي الرعاية البالغين تمثِّل دليل الأطفال للسيطرة على بيئاتهم. تبدأ هذه التفاعلات من خلال مفهومٍ يُطلِق عليه علماءُ النفس «جودة التوافق»؛ ويعني هذا المفهوم أن التفاعلات بين الآباء والأطفال يبدو أنها تَحدث تلقائيًّا نوعًا ما. وعندما يكون البالغون مقدِّمي رعايةٍ أَكْفاءَ وقادرين على أداء وظائفهم، يمكنهم حينئذٍ الاستجابةُ بالصورة المناسبة للأطفال «الهادئين» أو الأطفال «سريعي الانفعال»، ومساعدةُ الأطفال في تطورهم.
على سبيل المثال، قد تلاحظ إحدى الأمهات ممن يتَّسِمْن بالنشاط والحيوية عادةً أنه يجب أن تُخفض من صوتها أثناء تقديمها للرعاية لطفلتها الرضيعة التي تَتَّسم بسرعة الانفعال والنشاط البدني بهدف المساعدة في تهدئة الطفلة. وعلى النقيض، فقد تُدْرك الأم الهادئة للغاية أنها يجب أن ترفع من مستوى نشاطها البدني مع طفلتها التي تتسم بالاسترخاء والهدوء الشديدين؛ وذلك لتحفيز اهتمام الطفلة بالبيئة. يثبت مفهوم جودة التوافق في كلتا الحالتين أنه رغم تَناقُض سمات والدتَي الطفلتين مع احتياجات الرضيعتين بشكل تلقائي، فإنهما على استعداد للتغير لمساعدة طفلتيهما على التطور. وتعتمد الصحة النفسية الجيدة للأطفال على التحفيز الحثيث من ناحية البالغين الذين يهتمون بالطفل منذ الولادة وما بعدها.
ستجدون أدناه القوائمَ الخاصةَ باللَّبِنات الأساسية للصحة النفسية الجيدة. يَعْلم علماء النفس أن تطوُّر بناء المهارات يَحدث عادة على مدار سنوات العمر، وأن هذا يُعد تطورًا طبيعيًّا. وتُدرَج هذه التوقعات الخاصة بكل فئة عمرية بالترتيب الذي اكتشف علماء النفس أنها تتطور به لدى الأطفال، بدايةً من الميلاد. تظهر المجموعة الأولى من مهارات بناء العلاقات والمسئولية الشخصية منذ الولادة وحتى عمر عامين. وتضم هذه المجموعةُ ببساطةٍ السلوكياتِ التي يجب أن يمارسها الأطفالُ ويجيدونها على مدار أول عامين.