د.محمد علي صنوبري
ستنشر «الوفاق» على عدة حلقات مشاهداتها الخاصة من بيروت كتبها لها الدكتور محمد علي صنوبري رئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية، وفيما يلي الجزء الخامس من هذه السلسلة:
ذهبت إلى ساحة الشهداء في بيروت. في الجانب الغربي من هذه الساحة كان هناك مجمع كبير جداً يحتوي على مبانٍ مكونة من عشرة طوابق. كان هذا المجمع بالكامل مخصصاً للاجئين.
دخلنا هذا المجمع ورأيت عند المدخل امرأة كانت تحیك القماش.سألتها: ماذا تفعلين؟ فقالت: لقد جئت طواعية لأخيط الملابس للضيوف الذين جاؤوا من الجنوب، لأن الكثير منهم لم يتمكنوا من إحضار مستلزماتهم وملابسهم معهم. سألتها: هل يزعجك أن أسأل عن دينك ومذهبك؟ فقالت: حسناً، بما أنك سألت! وأجابت بابتسامة: أنا مسلمة سنية، لكن هذا موضوع إنساني وشعور بالوطنية.
فدخلت المجمع أو المخيم. كان هناك عشرات الأطفال يلعبون في ساحة المخيم الكبيرة. سألت فتاة صغيرة كانت تمسك بيد أختها الأصغر: ماذا تفعلون هنا؟ فقالت: جئنا في رحلة. لماذا جئتم في رحلة؟ قالت: لقد دمر الأشرار منزلنا، وجئنا هنا في رحلة.
فتابعت السير، وفي وسط الساحة كانت هناك مجموعة من الكراسي، وكانت أربع نساء مسنات يجلسن عليها. سألت: من يرغب في إجراء مقابلة معي؟ أشارت المرأة الأكبر سناً والتي كانت تدخن سيجارة إلى إحدى النساء الأخريات وقالت: إنها متحدثة جيدة، تحلل أفضل من جميع المحللين السياسيين. ثم ضحك الجميع.
سألت تلك السيدة عن رأيها في المقاومة ضد الكيان الصهيوني الآن بعد أن أصبحت لاجئة؟ فقالت: ابني، كيف يمكن للإنسان أن يكون لاجئاً في وطنه؟ اللاجئون هم الذين تم طردهم من جميع أنحاء العالم وهم الصهاينة بسبب سوء سلوكهم وتصرفاتهم القبيحة وقد احتلوا أرض فلسطين.لقد وُلِدنا بالمقاومة وسنغادر هذه الدنيا بالمقاومة. المقاومة تعني الهوية، تعني حب الوطن، تعني الهوية الشخصية، تعني التاريخ، والأسرة، والمنزل، وابني استشهد في هذا الطريق. وزوجي فقد عينه، لكن الحمد لله لم نكن مثل الحيوانات التي تبحث فقط عن الطعام وقضاء الحاجة. كنا بشرًا ولنا غيرة، وهذا هو الفرق بيننا.
سألتها: ما رأيك في الشهيد السيد حسن نصر الله؟ فقالت: السيد حسن نصر الله حي، وسيتحدث قريباً في احتفال النصر لنا. أرى ذلك اليوم وأؤمن به.
فقالت المرأة المسنّة التي كانت تدخن: أريد أيضاً أن أتحدث. قلت: تفضلي، إنه لشرف لي. فقالت: أولاً أخبرني من أي قناة أنت؟ قلت: لست من قناة، أريد أن أوصل صوتك فقط. قالت: حسناً، أي قناة إذن؟ قلت: نحن شبكة اجتماعية. قالت: لم أرَ هذه الشبكة من قبل. قلت: وهل يهم ذلك؟ قالت: صوتك يشبه «سلام فرمانده». قلت: صوتي؟ قالت: لهجتك. قلت: حسنًا، أنا إيراني، فضحكت بصوت عالٍ وقالت: إذًا هو نفس الصوت الذي يشبه «سلام فرمانده». وقالت: أنا أحب إيران لأنها ليست خائنة، بل إنها قوية، وقائدكم قوي لأنه غير تابع أو خاضع. فسألتها: ما رأيك في المقاومة؟ فقالت: أنا مستعدة لوضع هذه السيجارة في عين نتنياهو حتى تذوب دهون عينه، فالمقاومة أمر طبيعي، والغريب وغير الطبيعي هو عدم المقاومة.
يتبع…