محاولة تقويض الاتفاقية النووية في برلين وباريس

الاوروبيون وظفوا كافة أدواتهم الاعلامية ضد ايران في الاشهر الاخيرة، وتذرعوا بذرائع مختلفة بالتعاون مع بعض الناطقين باللغة الفارسية في الخارج لإضفاء صبغة أمنية على ملف ايران

2023-01-24

د.هادي محمدي

يتحدث البعض هذه الايام عن (موت) الاتفاقية النووية، وبعض آخر يصفها بالمريضة المشرفة على (الموت). إلا أنه لا يمكننا القول بانها توفيت تماماً لانها لا تزال جارية وفقاً لقرار مجلس الامن رقم 2231، مع العلم انه في ساحة العمل لم يتم تنفيذ أي من بنودها المهمة لا من الجانب الاوروبي ولا الأمريكي، الذي كان عليه وفق الاتفاقية ان يوقف العقوبات، ولم يوقفها، ولا من الجانب الايراني الذي كان عليه تنفيذ تعهداته النووية، والتي لم ينفذها بسبب نقض الغرب تعهداته. في ظل هذا، من هو الطرف المقصر؟

مع ان الامريكان، بخروجهم من الاتفاقية النووية عام 2018، بعد سنتين ونصف السنة من بدء تطبيقها، أثاروا صدمة شديدة لهذه الاتفاقية وحرموا الى حد كبير ايران من الاستفادة من ميزاتها الاقتصادية، لكن اليوم، بعد مرور اكثر من اربع سنوات ونصف السنة على ذلك التاريخ، لا يمكن تحميل كل التقصير في فشل الاتفاقية على أمريكا. فمع ان ترامب أعاد فرض كافة العقوبات التي القيت او جرى تعليقها في الاتفاقية، مسدداً ضربة شديدة لها (الاتفاقية)، لكن يبدو للعيان ان المسار الذي بدأ بعد مجيء بايدن الى البيت الابيض وبدء مباحثات احياء الاتفاقية، هذا المسار أخلّ به الاوروبيون الذين هم من بين المتهمين بايجاد مثل هذه الاوضاع ودفع الاتفاقية الى حالة الموت.

يذكر ان جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي، ادعى مؤخراً انه لا يتوقع حصول تقدم في مسار نجاح الاتفاقية النووية، ولا يعتقد ان الاتفاقية ممكن احيائها، موضحاً تحليله بأن: توقعات التوصل الى اتفاق نووي وصلت الى الصفر بسبب معارضة (فرنسا) و(ألمانيا). هذا الاعتراف يدل على وجود مؤامرة كبيرة على الاتفاقية واستهداف لها في باريس وبرلين، الى حد ان هذين البلدين اختطفا مصالح بقية الدول الاوروبية واتخذا القرار لصاحهما متذرعين بذرائع بما فيها حقوق الانسان وحرب اوكرانيا، ليفشلا المباحثات (النووية) ويسدان كافة الطرق لاستئناف محادثات احياء الاتفاقية التي لها فائدة امنية واقتصادية لأوروبا.

نحن نعلم ان الاوروبيين يميلون الى اعتماد المنظمات والمسارات ويسعون لايجاد الاجماع الدولي والاستفادة من المنظمات والمؤسسات الدولية للوصول الى اهدافهم، عكس أمريكا التي كثيراً ما ترى القوة أداتها الرئيسية لتحقيق اهدافها، مستعدة في هذا للتضحية بالمؤسسات والاتفاقيات الدولية.

المثال على هذا هو الاتفاقية النووية نفسها، اذ عندما خرجت أمريكا من الاتفاقية ولم تبال حتى بالتقارير ال 15 للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كانت اوروبا هي التي التزمت بالاتفاقية وحافظت عليها على اساس تقارير الوكالة. وحتى في الاشهر الاخيرة الماضية، على الرغم من اعاقة المانيا وفرنسا، تمكن الى جانب طلب ايران لعودة كافة الاطراف الى الاتفاقية، من ايصال المباحثات الى مستويات جيدة.

يشار الى ان الاوروبيين وظفوا كافة ادواتهم الاعلامية ضد ايران في الاشهر الاخيرة الماضية، وتذرعوا بذرائع مختلفة بالتعاون مع بعض الناطقين باللغة الفارسية في الخارج لاضفاء صبغة امنية على ملف ايران، وذهبوا في هذا المسار بعيداً الى حد اصبحوا فيه لعبة بيد اللوبيات المناوئة لايران، لتكون عودتهم الى مسار المباحثات غير ممكنة على حد قول بوريل، وصعبّوا الامر للغاية على انفسهم وبثمن باهظ، ويبدو ان سوء نياتهم تجاه روح الاتفاقية اثارت قلقهم ومخاوفهم من الاتفاقية علاوة على عدم تمكنهم من ايجاد الوهن في جوهرها.

برلين وباريس تعلمان ما لإساءة استخدامهما من الوكالة ومنظمة الامم المتحدة ومجلس الامن ضد الاتفاقية النووية من عواقب. ولابد انهما تتذكران الرسالة التي بعثها رئيس الجمهورية الاسلامية في 2019، حسن روحاني، لهما حول بدء تقليص التعهدات النووية الايرانية، والتي تضمنت بنداً ختامياً مهماً مصرحاً بالقول “اذا حصل وبأي سبب وماتت الاتفاقية النووية وذهب ملف ايران مرة أخرى الى مجلس الأمن وشمله البند السابع، فعليهم انتظار رد فعل ايراني شديد”.

وقد جرى الافصاح عن رد الفعل هذا: خروج ايران من اتفاقية (ان بي تي) او اتفاقية عدم نشر الاسلحة النووية، واخراج مفتشي الوكالة في غضون 90 يوماً، وانهاء الحد الادنى من الاشراف على البرنامج النووي الايراني.

بالطبع هذه التهديدات لم تستمر، لكن يمكن تصور كم سيكون باعثاً لقلقهم اذا خرج بلد ما من اتفاقية عدم النشر وقام باخراج مفتشي الوكالة. فالخروج من هذه الاتفاقية هو أمر بمثابة الكابوس بالنسبة لرجال الدولة عديمي التجربة في فرنسا وألمانيا حالياً.

تجدر الاشارة الى ان الجمهورية الاسلامية الايرانية، وكما كرر مسؤولوها مرة بعد أخرى، تمتلك المقدرة والتقنية والمواد اللازمة لصنع العديد من القنابل الذرية، إن ارادت. الارادة التي تتكون وفقاً للمصالح الجديدة والظروف الزمنية الجديدة مقارنة بالفترة قبل 14 عاماً، وربما سيكون الندم متأخراً. والاتفاقية النووية مع كونها هدفاً للنوايا السيئة من قبل هذين البلدين الاوروبيين الطامعين، فهي لا تزال على قيد الحياة رغم ضعفها. والفرصة آخذة بالزوال، واذا تقرر نفخ الروح في هذه الاتفاقية التي عانت وتقطعت انفاسها، فيجب ان يشمروا عن سواعدهم، وعدا ذلك لا يمكن بسهولة رسم صورة بهية وواضحة لما سيأتي به المستقبل.

المصدر: الوفاق خاص