النصر المؤزر من الميدان

خاص الوفاق : فقد حسم الأمين العام للحزب دخول الحرب مرحلة جديدة، مستكملة مسار نهج سياسي وعسكري تكتيكي وعملياتي لم يحد عما رسمه السيد الأقدس، كما لم تحد المقاومة عن مناقشة بنود اتفاق وقف الحرب كما رآها سيدها.

2024-11-27

د. ليلى صالح – خبيرة إجتماعية سياسية

 

كثيرة هي الأسئلة التي شغلت المحللين السياسيين قبيل الانتخابات الأمريكية حول مسار وأفق الحرب القائمة في جنوب غرب آسيا. البعض عَوَّلَ على سياسة سيد البيت الأبيض في وقف الحرب، أو توسعها إلى حرب إقليمية. رهان هذا البعض أتى على خلفية خطاب «ترامب» الانتخابي الذي تعهد فيه بتهدئة المنطقة، وأكده في خطاب النصر ليلة الانتخابات: «سأوقف الحروب» وفق مجلة «إنوميست».

 

الا أن المتحدثة باسم الحزب الجمهوري إليزابيث بيبكو: أكدت بأن «ترامب يريد إنهاء حروب الكيان الصهيوني قريبًا بانتصار حاسم».

 

لا يغفل عنا بأن الحروب الصهيونية هي حروب أمريكية بالوكالة، هذا الدور الصهيوني كان قد اختصره رئيس الوزراء الأسبق شمعون بيريز حين صرح بأن الصهاينة حاملة طائرات لأمريكا في المنطقة مشيراً إلى أنها  تلعب دورًا استراتيجيًا وظيفياً في المنطقة لخدمة المصالح الأمريكية. وكان قد أوضح الشيخ نعيم قاسم: “أن خطط هذه الحرب انهاء حزب الله واحتلال لبنان حتى لو من بعيد وأن نتنياهو أمام مشروع كبير جدا يتخطّ غزة وفلسطين والشرق الأوسط”.

 

وعليه، النصر الحاسم الذي يشير إليه «ترامب» يزيد التساؤلات أكثر من أن يقدم إجابات لأسئلة مطروحة وشائكة.

 

ونرى بأن الأجوبة الأكثر موضوعية نجدها في بيان الأمين العام المنتخب لحزب الله «الشيخ نعيم قاسم» في أربعين السيد الاقدس تؤشر إلى ما سترسمه سيناريوهات المرحلة.

 

فقد حسم الأمين العام للحزب دخول الحرب مرحلة جديدة، مستكملة مسار نهج سياسي وعسكري تكتيكي وعملياتي لم يحد عما رسمه السيد الأقدس، كما لم تحد المقاومة عن مناقشة بنود اتفاق وقف الحرب كما رآها سيدها.

 

خطاب الأمين العام للحزب كعادته وجه رسائل للخارج والداخل بمستوى تحديات المنطقة، مرتكزاً على جهوزية المقاومة ومحورها، كما عهدها شعبها، لا يخاف سيدها في الله لومة لائم.

 

لم تخرج المرحلة الجديدة للحرب عن إسناد غزة بل توسعت إلى «إيلام العدو» فبدأت مع معركة «أولي البأس» وما بعدها، لتستمر معها «الكلمة للميدان» التي صنعت نصراً مؤزراً بكل مقاييسه باعتراف غير مباشر من نتياهو نجد مؤشراته في كلمته بعد توقيع الكابينت على الاتفاق.

 

بشارات النصر بدأت مع  نداء «لبيك يا نصر الله» رفعت المقاومة وفق برنامجها وتيرة عملياتها وقد بدأ ذلك من خلال حجم ونوع ودقة الاستهدافات والأسلحة الجديدة التي أدخلت في ترسانة المقاومة الاسلامية لتنطبق عليها مرحلة جديدة في إيلام العدو.

 

– ففي العمق التعبوي: فشلت كل مساعي وجهود العدو بكل أدواته الإعلامية والأجتماعية والسياسية والاقتصادية والاستخباراتية في تقليب بيئة المقاومة عليها، والشواهد كثيرة على ثبات وصمود النازحين وأصحاب المبادرات الفردية على امتداد الوطن، فضلاً عن دعم الجوار الاقليمي الحليف رسمياً وشعبياً، حيث كشف حجم الاحتضان الواسع والطوعي لبيئة المقاومة عن أن خيار المقاومة هو خيار محوري لهذه الشعوب قد تجاوز البعد الطائفي والمذهبي داخلياً، كما تجاوز البعد القومي خارجياً ليرتقي إلى البعد الانساني التحرري.

 

– وفي العمق البنيوي: استطاع حزب الله أن يرمم كامل هيكليته الحزبية وملء الشواغر وإدارة التحكم والسيطرة بمدة تقل عن ١٥ يوماً بعد استهداف القادة، يقول السيد القائد بأن بركة دماء السيد الأقدس ارتدّت نمواً استثنائياً، وتحول حقاً إلى منظمة ببيئتها الحاضنة قادرة على إعادة ترميم هيكليتها التنظيمية بدراية وصبر وتوكل على الله، واصفاً حزب الله بالإرث الخالد الذي تركه لنا السيد الشهيد حسن نصر الله. وبالتالي ما نشاهده الآن هو استعادة الروح، والمبادرة واستعادة القدرة والتنسيق. والجدير بالذكر، أن المقاومة استطاعت كشف الاختراق الذي يؤدي إلى إغتيال القادة، بدليل أنه  في بيروت أعلن أنه استهدف ولم يصيب الهدف، نتيجة معرفة المقاومة لكيفية وصول العدو إلى المعلومات وبالتالي تم استهداف الثغرة ولم يعد قادر على الإغتيال. هذا يعني أن هناك أمراً تغير في المعادلة الاستخبارية وهذا يعد تطوراً إستراتيجيًا على مستوى الحرب، هنا المقاومة بدأت تستعيد روحها وقدراتها كما وتستعيد مفهوم الأمن وحماية قادتها وتحمي غرف عملياتها، وعليه بدأ يظهر التحول التدريجي والذي نشاهد ثماره بالتدريج وبالتصاعد.

 

– وفي العمق الاستراتيجي: استهدفت المقاومة في  المرحلة الجديدة سلسة من القواعد العسكرية في مواقت استراتيجية إقليمية، منها: قاعدة راوية السوري، ومعسكر كيلع، وثكنة يؤاف في الجولان السوري، وقاعدتي ستيلا ماريس وقاعدة حيفا البحريتين في جنوب حيفا التي تحتوي على غواصات وبوارج ساعر. كما استهدفت مصنع ملام في جنوب تل أبيب 10\11\2024 وأهمية بأنه:

 

* هو أول مصنع للصناعات الدفاعية في الكيان

 

* معمل المشاريع السرية والأمنية الاستخباراتية الأول في الكيان.

 

* الاول في الكيان الحائز على شهادات وتقديرات عالمية في مجال صناعة الصواريخ.

 

* يوظف أكثر من ١١٠٠ عامل في انتاج الصواريخ والقذائف الصاروخية والصواريخ الاعتراضية ومنصات إطلاق الأقمار الصناعية (يعقوب جليفات).

 

* تصنيع نظام arrowلاعتراض الصواريخ البالستية.

 

* نظام إيهود (ACMI) لمراقبة وتدريب الطيراين

 

* أنظمة التحكم وانظمة حجب الترددات اللاسلكية

 

* نظام (CWS)لمنع الاصطدامات بين الطائرات العسكرية والمدنية.

 

مركز الاتحاد للدراسات والتوثيق

 

– وفي العمق التكتيكي: تصاعدت وتيرة القوة بالإدارة والسيطرة كماً ونوعاً فبعد حوالي شهرين من الحرب المباشرة التدميرية الوحشية، التي أسقط فيها العدو كل المعايير والضوابط الإنسانية في الحروب، بعملية البيجر اللاسلكي التقنية الأمنية، وقتل القادة، نفد بنك أهداف العدو، ولم يستطع أن يحقق أيٍّ من أهدافه المعلنة والمضمرة، فلم يقضِ على قوة الحزب ولم يُعد مستوطني الشمال، وما زالت الصواريخ تطلق على الكيان بتصاعد تجاوز معدل أكثر من ١٠٠ صاروخ يومياً، وعشرات المسيرات، بعمق ١٥٠ كلم غطى حوالي ٨٠% من مساحة فلسطين المحتلة، حيث لم يعد هناك مكان في الكيان لا يمكن أن تطاله صواريخ المقاومة بحسب تصريح الامين العام.

 

– وفي العمق العملياتي: تمكنت المقاومة من اجهاض كل عمليات التوغل من خمسة محاور أساسية،   وفي بعض المحاور على مدى ٣ ايام تم تنفيذ أكثر من ٧٠ عملية استهداف لتحشيدات العدو مما أجبر العدو على الانسحاب من البلدات الأمامية، ولم يتمكن من احتلال حتى القرى الحدودية التي تصنف أرض محروقة بحسب التسميات العسكرية. وقد طالت استهدافات الجنود بعد انسحابهم فقد أشارت صحيفة «بديعوت احرنوت» بأن القوة الصهيونية التي اصيبت بصواريخ حزب الله في أفيفيم كانت تعمل في جنوب لبنان وتم استهدافها بعد خروجها من هناك.

 

تؤشر العمليات الميدانية للمقاومة في المحاور الخمسة، جهوزيتها العالية على الإدارة والسيطرة من خلال الموازنة بين عمليتا الدفاع والهجوم في نفس الوقت، فالتصدي  للتحشدات على الحافة الأمامية بالتنسيق مع عمليات استهداف استراتيجية لقواعد ردع إقليمية في منطقة الجولان والقواعد البحرية، واستهداف لمصانع نوعية تسجل نقاط تفوق استخباراتية وتهديد أمني والتحكم الكامل والقدرة على استخدام القوة، وكي وعي العدو بامتلاك المقاومة القوة والقدرة على استخدامها، فضلاً عن تعافي غرفة عملياتها بشكل كامل مما يكذب ادعاء قادته بالقضاء على البنية التحية للحزب وترسانته الصاروخية.

 

ووفق معطيات الميدان صرح الشيخ نعيم قاسم: «لن نستجدي لوقف العدوان بل سنجعل العدو يطالب بوقف الحرب».

 

وأضاف أنه «لا قيمة لنا بالنسبة للانتخابات الأميركية وتعويلنا على الميدان».

 

مشيرا إلى أن «العدو حاول ان يرمي فتنة بين النازحين والمستقبلين لكنه فشل».

 

وختم قاسم بأن «قوة المقاومة بقوة الاستمرار والارادة والمواجهة ليس في قاموسنا الا الرأس المرفوع وانتصار المقاومة».

 

يبقى فيما يتعلق بغارات العدو، فهو قد انتهى من ضرب ما لديه في بنك أهداف للحزب، التحذير والقصف في صور والنبطية وبعلبك لا علاقة له بأهداف عسكرية بل أهدافه الانتقام والتنكيل ورفع الكلفة وكسر المعنويات.. ثبات جبهة النزوح والميدان مكلف لكن الخضوع يعني النهاية، لطالما فرضت الحروب المكلفة على أمم وشعوب لكن بثباتها وحملها للمسؤولية وتكاتفها هزمت المعتدي ونهضت من جديد.

 

بالتالي لم يحقق العدو أي من أهداف الحرب على لبنان.

 

والضربات على الضاحية وعلى مناطق النزوح، تدل على الألم الذي يشعر به الكيان من ناحية حيفا، حيث تعمل المقاومة على اعادة تثبيت معادلة، ضرب الضاحية يعادلها ضرب حيفا، ما يعني تسير قواعد لردع العدو و«إعادته الى الحظيرة» على مستوى الاشتباك لتثبيت قواعد قديمة جديدة اليوم، حيفا مقابل الضاحية وتل أبيب مقابل بيروت، وتبقى الكلمة للميدان وحدها تحدد مسار الحرب.

 

“إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ”

 

هذه الحرب أمريكية صهيونية عدة وعتاد وجهوزية، وإن قامت أمريكا بلعب دور الوسيط والحارس في اتفاق الهدنة مع لبنان،  كل ذلك لا يبرئها من دماء المدنيين اللبنانيين وتدمير المباني السكنية والقرى والمنشآت، وهذه الحرب خطط لها العدو وأعد لها جيشه جهوزية لعشرات السنين ووضعت من أجلها كل المقدرات العسكرية والتكنولوجية الإسراىيلية والأمريكية، فمنذ هزيمة ٢٠٠٦  وجيش الكيان يجري كل مناوراته العسكرية للحرب البرية على لبنان، ولا نغفل عن دعم الكيان في حربه على غزة ولبنان، حيث تم الكشف عن مشاركة أميركية لوجسيتة وإدارية واستخباراتية وألمانية وغيرها من دول الناتو، واجهته المقاومة بشجاعة مجاهديها، وصبر مجتمعها وبسالة رئاستي مجلس النواب والحكومة، التي رسخت القاعدة الذهبية اللبنانية «جيش_شعب_مقاومة».

 

الكلمة للميدان، لا صوت علا صوت الميدان، ارتدادات هذا الاتفاق ستحفر عميقاً لكي وعي وجدان مستوطني الكيان المؤقت، وبالرغم من مساعي نتياهو لإقناع الداخل الصهیوني في كلمته بعد مواقفة الكابينيت على اتفاق وقف الحرب بعد ضربات المقاومة يوم الأحد ٢٤ تشرين الثاني التي اشعلت تل أبيب بأكثر من ٥١ عملية، وما زالت المقاومة تصعد حتى أرغمت العدو على التوقيع على هذا الاتفاق تحت النار لتبقى الكلمة التي حسمت النصر للميدان كما قال سيدنا الاقدس في أول خطاب بعد طوفان الأقصى.

 

فالمقاومة حددت اهداف لرد العدوان ونجحت في فرض معادلة ردع تفندها بنود الاتفاق في وقف الاعمال العدوانية على لبنان المستباحة منذ ١٩٤٨، أما فيما يتعلق بنصر العدو المزعوم في تحقيق اهداف حربه الكبرى على لبنان يبرز في تحليل ابرز ما جاء في خطاب نتنياهو حيث بدأ كلمته بأن الموافقة على وقف اطلاق النار هو للعمل ما بوسعه لمنع ايران من الحصول على سلاح نووي مستبطن مواجهة الرد الإيراني بوقف الحرب على لبنان، ثم تاكيده على حاجته لإعادة ترميم جهوزية الجيش ما يؤكد على قدرة المقاومة على تدمير جهوزية العدو، وأخيرا ًعزل حماس وهو مؤشر باعتراف العدو على نجاح إسناد مقاومة غزة في ايلام العدو وإفشال مخططاته، ويكفي ان نتوقف عند ابرز تعليقات العدو لنؤكد ما اشرنا إليه:

 

فزعيم حزب يسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان: نتنياهو قال إن الحرب تستمر حتى النصر المطلق لكن لم يحدد من الذي سينتصر.

 

* استطلاع القناة 13 العبرية: 61% من الصهاينة يعتقدون الكيان الصهيوني لم تنتصر على حزب الله.

 

* وزير الأمن القومي لدى الاحتلال بن غفير: الاتفاق بين الكيان الصهيوني ولبنان لا يحقق أهداف الحرب بإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم بأمان.

 

بن غفير: الاتفاق خطأ تاريخي وهو عودة إلى مفهوم الصمت مقابل الصمت.

 

عضو الكنيست عن حزب ميرتس «زهافا غالئون»: «نتنياهو يقول نحن نغير وجه الشرق الأوسط» حقاً؟ كيف وأنت تتخلى عن 101 أسير في أنفاق غزة.

 

وما النصر الا صبر ساعة، وما النصر الا من عند الله .

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص