موناسادات خواسته
أدب المقاومة في الحقيقة مجموعة فرعية من الإنتاج الأدبي والذي هو نشاط اجتماعي سياسي يشارك في الصراع ضد الأيديولوجيات السائدة. يظهر لنا نضال الكاتب، وهو ظاهرة عالمية، يهدف إلى تحدي القاعدة وتحدي الممارسات الثقافية؛ وبالتالي منح الأمل.
يشمل أدب المقاومة نضالات متنوعة من أجل التحرر في جميع أنحاء العالم، ففي النضال المستمر ضد الاحتلال الصهيوني، يبرز الأدب الفلسطيني كشكل قوي من أشكال المقاومة، ففي الظروف الراهنة أجرينا حواراً مع رئيس رابطة النقّاد العرب، وعضو اتحاد كتّاب مصر، الأستاذ “حاتم عبدالهادي السيد” الذي هو ناقد أدبي وشاعر تناول بالنقد والمناقشة مئات الكتب والدواوين والروايات والقصص، ومعارض الكتاب المصرية والعربية، كما كتب دراسات ومقدمات لعشرات الكتب الأدبية في العالم العربي، وترأس تحرير مجلة الأدباء العرب، ورابطة الأدباء العرب، ورئيس بيت الشعر الإفريقي الآسيوي، حصل على الكثير من الدروع والأوسمة والجوائز الثقافية وتم تكريمه من قبل وزارة الثقافة المصرية في عدة مؤتمرات، وله أكثر من ثلاثين كتاباً في عدة مجالات أدبية وسياسية وثقافية وتراثية، منها رواية “دماء على جسر تايمز”، وكتاب “القدس أرض السلام والزيتون” ودواوين شعر وموسوعة أعلام سيناء، وغيرها – كما له دور بارز في العمل الإجتماعي والثقافي والسياسي المصري والعربي، وفي ظل الأحداث الأخيرة إغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً معه وفيما يلي نص الحوار:
الأدب المعاصر محور الحداثة العربية
بداية تحدث الأستاذ حاتم عبدالهادي السيد عن الأدب المعاصر والشعر والإتجاهات التي في هذا الزمان وأهميتها، حيث قال: يمثل الأدب المعاصر محور الحداثة العربية، ومابعد الحداثة العالمية، ولا شك أن الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرحية، إلى جانب الإعلام والصحافة والميديا، هم عصب الثقافة، والتي تمثل القوة الناعمة لأي دولة، حيث الفكر والثقافة يوجّهان المجتمع، ويحددان طبيعة المجتمعات، وأنماط الثقافة والفكر الشعبي، والذي يدخل في تشكل ملامح الهوية والثقافة القومية للشعوب والدول، لذا فإن أهمية الثقافة والإبداع من الإستراتيجيات القومية المهمة لتقدّم الشعوب والأمم والممالك والحضارات.
فلسطين في الأدب المعاصر
فيما يتعلق بمكانة فلسطين في الأدب المعاصر يعتقد الأستاذ أنه شكّلت القضية الفلسطينية جانباً مهماً ومضيئاً في الأدب المعاصر، ويقول: فلسطين من القضايا المحورية المتجذرة في عمق ديننا الإسلامي، فرمزية القدس كقبلة أولى للمسلمين تمثل مرجعية فقهية، وعقائدية في جوهر الثقافة العربية الإسلامية، كما أن فلسطين تمثل قبلة للمسلمين والمسيحيين، من خلال وجود المسجد الأقصى المبارك، وهو لا يقل أهمية عن الكعبة المشرفة، وفلسطين هي أرض الأديان، ومهد الحضارات، وقبلة المسلمين الأولى، وقد ولد المسيح عليه السلام في بيت لحم في الناصرة، ومن هناك خرجت رحلة العائلة المقدسة مروراً بسيناء إلى دير المحرق ثم إلى نهاية الرحلة في صعيد مصر، وكذلك زارها بعض أنبياء اليهود، وليس الصهاينة، فهي تمثّل رمزية دينية للأديان السماوية، خاصة الإسلام والمسيحية.
ولقد رأينا الأدباء والشعراء يكتبون عن فلسطين قصائد خالدة، وروايات وقصص تجسد الصراع العربي الصهيوني على بلاد القداسة والأديان، وكان محمود درويش، وسميح القاسم، ومعين بسيسو، ومريد البرغوثي وغيرهم كثيرين ممن جسدوا معايشتهم للحالة الفلسطينية-كفلسطينيين- ومن قبلهم وبعدهم لن تجد شاعراً عربياً أو إفريقياً، مسلماً، أو غير ذلك، إلّا وله إسهام وافر عن فلسطين، والقدس والمسجد الأقصى، لأن المسألة تتعلق بالقضية المركزية العربية الإسلامية للعرب والمسلمين، وأصحاب الديانات الأخرى، ولقد وجدنا آلاف الكتب الأجنبية التي تتحدث عن فلسطين، إلى جانب الأدبيات الغربية الأجنبية، وكتب الحج المسيحي الغربي للقدس، وأدبيات المستشرقين، كما وجدنا الكثير من شعراء العالم، وأحراره، يكتبون عن القضية الفلسطينية نثراً وشعراً، ومقالات، ومنهم من يعبّر بالشجب والتنديد، والمظاهرات، إذ ان فلسطين دولة مركزية ومحور للقداسة الروحية للمسلمين والمسيحيين، والأديان السماوية كذلك.
مناصرة القضية الفلسطينية
بعد ذلك دار لحديث عن المسؤولية التي تقع على عاتق الأدباء والنقّاد المعاصرين تجاه القضية الفلسطينية، فقال الأستاذ حاتم عبدالهادي السيد: يقع على عاتق الأدباء والنقاد والمثقفين المسلمين مناصرة القضية الفلسطينية، ليس بالكلمات والشعر فقط، والخطب، بل بالقصيد المقاوم، والأدب الذي يناهض الإستعمار وإبادة الشعوب والثقافة والحضارات، لذا لابد من وجود كلمة عربية موحدة، ومواقف ثابتة بين المثقفين العرب، بل عليهم عقد مؤتمر عربي إسلامي ثقافي لأدب المقاومة، واستنهاض الشعوب والحكومات لإتخاذ مواقف ضاغطة على الكيان الصهيوني الغاشم المحتل، العنصري، لوقف القتل والدمار، والمجازر والإبادة الجماعية، وهذه المواقف الفاعلة يمكن أن تمثل ورقة ضغط لإستنهاض المارد العربي من جديد، والمارد الإسلامي للوقوف بقوة رادعة أمام غطرسة الصهاينة ودعم الأمريكان والغرب إلى الكيان الغاصب – على طول الخط -، كما تقع على المثقفين والأدباء أدوار مهمة لتنشيط الوعي، ويقظة الضمير، تجاه مقدساتنا الإسلامية المنتهكة، وعروبتنا المستباحة، وهيبتها وكرامتنا المجروحة، ودمائنا المراقة من المحيط إلى الخليج الفارسي، في ظل محاولات الغرب لتشويه الحضارة والتراث، وهدم المرتكزات الحضارية والثقافية للأمم والشعوب، لتغليب وبسط ونشر ثقافة الهيمنة، والقطبية، والإمبريالية، فالثقافة حصن الشعوب، وملاذها، وحاضنتها الشعبية الوسيعة.
ويتابع الأستاذ: ان دور المثقف الشرقي هو الدور المحوري أمام كل ما من شأنه الهيمنة على ثقافة الشعوب، ومقدراتها الثقافية والإقتصادية والسياسية، وتغيير هوية المجتمعات، وتذويب ومحو ثقافتنا وديننا، بل ومحو التراث والهوية للشرق الأوسط، والأمة العربية والإسلامية، ونهب مواردها، وثرواتها، عن طريق فرض نظام الماسونية العالمية الأمريكية الغربية الجديد، والذي يرفع شعار: “إرادة القوة، والهيمنة، والقطبية”، ونشر ثقافات مؤدلجة عن طريق الشركات العابرة للقارات، وما العولمة، والإستشراق سابقاً، إلّا أدوات إستعمارية لمحو الهوية وتشويه الدين الإسلامي، وما يفعله العدو الصهيوني المحتل الغاشم في الأراضي العربية الآن، والإستيلاء على كل شيء، بل وقتل وإبادة كل ما هو مسلم، وانتهاج محو الجغرافيا والديموغرافيا العربية، وتغيير الشرق الأوسط وتفتيه إلى دويلات، وغير ذلك، سوى مثال صارخ أمام العرب والمسلمين للتحرك قبل فوات الأوان.
إن هذه النظرة العنصرية الفاشية التي يمارسها الغرب تجاه العرب والمسلمين، نرى نماذجها في الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وتأجيج العنصرية والمذاهب بين الدول، وما رأيناه في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا، ثم محاولاتهم لإيقاف وتدمير قوة إيران، سوى تنفيذ لمخطط ما يسمونه بالشرق الأوسط الجديد، وهو استعمار واحتلال وهيمنة، وتطبيع، أو قتل وتدمير وإبادة، وهذا أبشع مظاهر الإحتلال، والعنف اللا انساني في تاريخ العالم.
الأدب والثقافة جسر الشعوب
وعندما سألناه عن رأيه حول تشكيل رابطة ثقافية موحدة بحضور ومشاركة الأدباء والشعراء من جميع الدول لدعم القضية الفلسطينية، هكذا أبدى عن رأيه: الأدب والثقافة هما جسر الشعوب والدول للحوار، والتعاون، والتشارك في كافة المجالات، وتشكيل رابطة أو منظمة عربية اسلامية للأدب-كما اقترحها-هي أولى الأمور للوحدة العربية الإسلامية والتعاون بين الشعوب العربية والإسلامية، وهو الأمر الذي من شأنه تذويب الخلافات والمذهبيات، وتوحيد الرؤى نحو العمل والتعاون المشترك، في ظل التعددية، واحترام الأديان والمذاهب والعقائد، وتوحيد القوى لايجاد عملة إسلامية موحدة، وبريكس عربي إسلامي، وناتو عربي أسلامي رادع، وهوية عربية إسلامية تجمع كل ما هو مسلم تحت راية الحب والتسامح، والتعاون، وتقريب المذاهب، وتعميق وتعزيز المشتركات الثقافية والحضارية بين الشعوب والأمم والممالك، وتفتح الطريق لقرارات مصيرية مشتركة، -كما أقترح – إعلان ميلاد جديد عن ظهور مارد شرقي عربي إسلامي جديد، وما بعد حداثي، يتسلح بالقوة والثقافة، يخشاه الأعداء المتربصين، ويحفظ توازن القوى بين الدول، ويحافظ على الهيبة، ووحدة القرار العربي والإسلامي.
كما أؤيد بشدة وجود رابطة أدبية ثقافية من جميع الدول لدعم القضية الفلسطينية، وتنسيق الجهود الثقافية والأدبية، وإصدار مجلة تختص بالشأن الفلسطيني وتدعم قضايا المقاومة العربية الإسلامية لمناهضة المحتل، وتؤسس لهوية جديدة للأدب العربي الإسلامي الحديث، ولعقد مؤتمر عالمي للسلام، ونبذ العنف والإبادة، وتذويب الفوارق بين المعتقدات والمذاهب، والأعراق والأجناس ،والتمهيد لمشروع ثقافي عربي اسلامي، للنهوض بالثقافة العربية الإسلامية لمجابهة الغرب المتأمرك، وأرى أنه لا يمكن عقد مثل هذه الرابطة دون تواصل وزارات الثقافة والهيئات الثقافية المعنية في الدول، وعقد اتفاقيات،وشراكات عربية ثقافية وأدبية بين الدول والممالك، تتناول كل قضايانا المحورية الكبرى. كما يمكن توسيع الرؤية والفكرة من خلال الميديا، ومن خلال إنشاء موقع ثقافي كبير، ومساندة صحفية، وإعلامية، وقنوات تواصل دبلوماسية لبدء عصر جديد لثقافة الشرق، ضد ثقافة الغرب، لتغليب ثقافة الحوار، لا الصدام والمحو، من أجل تعايش الشعوب الإنسانية، ونشر قيم المحبة والسلام في كل أرجاء الكون والعالم والحياة.
القضية الفلسطينية هي عقيدة ومصدر روحي
أما عن مكانة القضية الفلسطينية في الأدب المصري وكيفية دعم أدباء مصر لها يقول الأستاذ حاتم عبدالهادي السيد: القضية الفلسطينية هي قضية المصريين القومية، بل هي قضية، وعقيدة، ومصدر إلهام روحي وعاطفي ونفسي لدى كل مصري، وما اتفاقية كامب ديفيد سوى هدنة -كما أرى- اقتضاها الظرف السياسي والإجتماعي والإقتصادي آنذاك، لكن كراهية المصريين للمحتلين الصهاينة متجذرة، ومعهم الأمريكان، وكل من يساند الصهاينة لمحو الأماكن المقدسة، وما الإحتلال والهيمنة، والعولمة، والأمركة، والقطبية سوى أدوات ماسونيه كبرى بيد الغرب، إلى جانب الكيان، وذلك لتحرير مشروعهم الخبيث لإستعمار الأراضي العربية، وهدم الإسلام، بداية بهدم المسجد الأقصى، وهدم الكعبة الشريفة، وتشويه وهدم مساجد المسلمين والعرب، واحتلال أراضيهم، واستئصال وجودهم من على الأرض.
ويتابع: لقد كانت القضية الفلسطينية، وستظل في وجدان كل مصري حر، وعربي شريف: مسلم ومسيحي، بل هي لدى مصر، قضية الدولة المحورية، فمصر دولة محورية، وفلسطين على الحدود مع مصر، ومحاولات الصهاينة لتهجير الفلسطينيين إلى مصر في سيناء تم رفضها من قبل الشعب والحكومة والجيش على السواء، بل لولا صبر المصريين، لتطورت الأمور إلى حرب إقليمية كبرى، ولكن مصر دولة تسعى إلى السلام، فإذا ما ضاق صدرها فسيتكرر ما حدث للصهاينة في عام ١٩٧٣م، ولا زالت الأمور في ترقّب، وإن كان خيار السلام هو الخيار الأفضل والأجدى للبشرية.
لقد دعم أدباء وشعراء مصر القضية الفلسطينية، وناهضوا الاحتلال الصهيوني الصهيوني الغاشم، منذ أن وُجد على أرض فلسطين، فلقد قام الأدباء بتدبيج الدواوين الشعرية، والروايات والقصص، التي تناهض الإستعمار، وظهر أدب المقاومة المصرية ليجسد وجدان الشعب المصري لرفض الاحتلال الصهيوني على كل الأراضي العربية المحتلة.
كما وجدنا مئات المسابقات والمؤتمرات والندوات التي كانت فلسطين تتربع مائدة الثقافة والإبداع المصري، وفي معارض الكتاب التي حملت دورة فلسطين، رمزية القضية، كمحور الفكر المصري القديم والمعاصر، وما حروب مصر مع الكيان الصهيوني إلا لنصرة القضية الفلسطينية في كافة الأزمنة، وعلى مر التاريخ.
ولقد عبّر الأدب المصري المعاصر عن القضية في كتابات الأدباء والمثقفين، وعلى شاشات التلفاز وقنوات التواصل الإجتماعي، والميديا، كما نشروا بيانات الرفض والإدانة والمساعدة للقضية الفلسطينية وقضايا العرب من خلال القنوات الرسمية ووزارة الثقافة المصرية، ومن خلال اتحاد كتاب مصر، والروابط والصالونات الأدبية، وغير ذلك.
أدب المقاومة بعد طوفان الأقصى
عندما سألنا الأستاذ حول أدب المقاومة بعد طوفان الأقصى وميزته، وهل يمكن القول نحن باتجاه ادب جديد يمكن أن نسميه أدب طوفان الأقصى؟، رد علينا بالجواب: أدب المقاومة موجود بوجود فاشية المحتل الصهيوني الغاشم، وقد اكتسب تمظهراته الحداثية بعد طوفان الأقصى، والمقاومة الباسلة من جانب كل الأطراف اتجهت لنصرة فلسطين والإسلام، ونصرة لبنان، والعراق وسوريا، وأرى أن هناك أدباً جديداً وتياراً قد تشكّل بعد طوفان الأقصى، تربّعت فيه المقاومة، ومناهضة الذل والقتل والدمار، وقد ظهر ذلك في كل مراحل النضال السياسي والفكري والثقافي والعسكري والدبلوماسي، بل على مستوى الشعوب والحكومات، لكن أدب المقاومة المعاصر، سيجعلنا نتحدث كنقّاد عن أدب المقاومة، قبل وبعد طوفان الأقصى، فالمارد العربي الإسلامي بدأ يستيقظ من سباته، واستفاق من جديد، لعله يوقف نزيف الدماء والإبادة الجماعية، والفاشية الصهيونية الغاشمة، (وتغيير صورة الصهيوني الذئب وهو يتلذذ بجسد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وبالدماء الفلسطينية واللبنانية، والعربية).
وأخيراً: ندعو الله أن ينهض المارد العربي الإسلامي من جديد، ليحرر المسجد الأقصى، وكل الأراضي العربية المحتلة، من المحيط إلى الخليج الفارسي، وفي ميانمار، في البوسنة والهرسك، وكل مكان يتم فيه إيذاء المسلمين في قارات العالم.
سيظل الأدب جسر التواصل لبناء تواصل ثقافي عربي اسلامي، ويعمق الفجوات بين الدول، ويربط ويوحد الفكر والشعوب العربية والإسلامية.