أستاذ علم اجتماع سياسي في الجامعة اللبنانية للوفاق:

التضامن مع الشعب الفلسطيني تضامن مع الحق والعدل

خاص الوفاق : حركتا الجهاد وحماس الإسلاميتين  في فلسطين طوّرتا قدراتهما بدعم قوي إيراني وسوري ومن حزب الله، برعاية الشهيدين، السيد حسن نصرالله واللواء قاسم سليماني

2024-11-30

سهامه مجلسي

 

أُعلن الاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1977، وتزامنت  ذكرى هذا اليوم مع الظروف الاستثنائية التي يتعرض فيها قطاع غزة وفلسطين كلها لأبشع صور العدوان الوحشي من قبل الكيان الغاصب وقتل آلاف الأطفال والنساء، واستخدام سلاح التجويع والحصار وقصف المستشفيات والمدارس والنازحين.فمنذ بداية العدوان في أكتوبر 2023، تستهدف قوات الاحتلال البشر والحجر في قطاع غزة من خلال تدمير كل شيء، حتى المستشفيات والمراكز الطبية وسيارات الإسعاف لم تسلم من همجية الاحتلال، فتم إحراقها وإخراجها من الخدمة، بالإضافة إلى منع إدخال المستلزمات الطبية والوفود الصحية إلى قطاع غزة.

 

إن دعوة الجمعية العامة منذ العام 1977، للاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تعني اعترافا من غالبية دول العالم التي صوتت لصالح القرار بعدالة القضية الفلسطينية، وتبني وتصديق رواية الشعب الفلسطيني، صاحب الحق، ودعم نضاله السياسي والوطني في مواجهة الرواية الصهيونية المزورة القائمة على صناعة الأكاذيب وترويج سرديته الباطلة، وفي هذا الصدد أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة اللبنانية زكي جمعة وفيما يلي نصه:

 

حركات التضامن مع فلسطين، التاريخ، التأثير، المستقبل

 

في البداية يوضح لنا الاستاذ زكي جمعة: تعتبر أولى حركات التضامن مع فلسطين، من الوجهة العملية والمبدئية، تلك التي أطلقها الإمام السيد موسى الصدر في لبنان، منذ خمسينيات القرن الماضي، فقد تنبه باكراً إلى الخطر الذي يمثله وجود الكيان الصهيوني على فلسطين، وعلى المنطقة بأسرها، على الحضارة والدين، على الإنسان والقيم الإنسانية السامية، فقد تدرجت حركته سياسياً وفكرياً واجتماعياً، دعماً للقضية الفلسطينية ومقاومتها، واشتغل على بناء المجتمع المقاوم، إلى أن أعلن في أوائل سبعينات القرن الماضي، تأسيس «أفواج المقاومة اللبنانية _ أمل» كحركة مقاومة، لمواجهة الخطر الصهيوني ومقاومته، ودعماً للقضية الفلسطينية، عاونه في ذلك الشهيد الدكتور مصطفى شمران، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للدفاع في إيران وممثلاً للإمام الخميني(قدس)، إلى جانب عدد من الكوادر الإسلامية والمسيحية في لبنان، وقد أعلن الإمام الصدر فتواه الشهيرة «الكيان الصهيوني شر مطلق» وفتواه الشهيرة أيضاً «إذا التقيتم العدو الصهيوني قاتلوه بأسنانكم وأظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعاً»، وعمل على حشد الطاقات العربية والإسلامية لنصرة فلسطين.

 

تعريف حركات التضامن مع فلسطين

 

ويؤكد الاستاذ زكي جمعة: مع إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، أعلن الإمام الخميني(قدس) إغلاق السفارة الصهيونية في طهران، وفتح سفارة فلسطين، كانت هذه إيذاناً بانطلاق حركة داعمة لفلسطين ومقاومتها، وكان الإمام الخميني(قدس) قد أعلن فتواه «لو ألقى كل مسلم دلوا من الماء على الكيان الصهيوني لجرفته السيول»، إثر ذلك أخذت حركة التضامن مع فلسطين تتطور أكثر فأكثر. إلى جانب تحرك الإمام الخميني(قدس) وحركة الإمام موسى الصدر دعما لفلسطين.

 

الجذور التاريخيّة لحركات التضامن مع فلسطين، وأبرز التحوّلات التي طرأت عليها

 

يشير زكي جمعة عندما اجتاح جيش العدو الصهيوني، سنة 1982 م. لبنان واحتل العاصمة بيروت تصاعدت حركة المقاومة ضد العدو، وانطلقت المواجهات معه، وخاضت حركة أمل معركة كبيرة ضد العدو في منطقة خلدة على مشارف بيروت، والحقت به خسائر فادحة، ومن ثم ظهر إلى جانب حركة أمل، حزب الله كحركة مقاومة ضد العدو الصهيوني ودعماً لفلسطين ومقاومتها، وأخذت المقاومة تنمو كحركة ومجتمع مقاوم، وألحقت الكثير من الهزائم بالعدو، من خلدة 1982 إلى التحرير سنة  2000 إلى إنتصار تموز في 2006، لقد احتضن المجتمع اللبناني وخصوصاً الجنوب والبقاع  والضاحية الجنوبية، المقاومة الفلسطينية وقضية فلسطين وقدم الكثير من التضحيات، وفي هذا المجتمع نشأت حركة أمل وحزب الله حركتان مقاومتان متضامنتان مع فلسطين، وشكل الثنائي الشيعي قوة ضاربة في مواجهة العدو، هاتان الحركتان هما حركتان اجتماعيتان وسياسيتان داخل المجتمع اللبناني، لقد رفعت المقاومة اللبنانية منسوب التضامن مع فلسطين وشعبها، منذ الإمام السيد موسى الصدر إلى اليوم، وكان الحضور البارز والقوي لشهيد الأمة الشهيد السعيد السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، مؤثراً بشكل قوي في مقاومة العدو وهزيمته أكثر من مرة، كان لهذه الشخصية قوة احدثت توازناً للردع مع العدو.

 

ويعود الفضل في نمو حركة المقاومة في لبنان إلى الدعم الكبير الذي تلقته من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن سورية.

 

قرار الإمام الخميني(قدس) بالوقوف إلى جانب فلسطين والمقاومة

 

ويلفت زكي جمعة على المستوى العالمي، كان القرار الذي اتخذه الإمام الخميني(قدس) بالوقوف إلى جانب فلسطين والمقاومة، قد أوجد سنداً قوياً لها، وساهم في تأمين غطاء اسلامي دولي لفلسطين، وقد أصبحت منذ ذلك اليوم إيران في طليعة الدول الداعمة والمؤيدة لفلسطين وقضيتها، وبات للقضية حاضنة اجتماعية في إيران إلى جانب الحواضن في لبنان وسوريا والجزائر.

 

يضاف إلى ذلك دول أميركا الجنوبية الداعمة ولاحقا جنوب أفريقيا بعد تخلصها من نظام الفصل العنصري.

 

لقد كان النصف الثاني من القرن الماضي، لحظة تحول كبرى في تاريخ القضية الفلسطينية، ونشوء بيئات حاضنة وداعمة لها، وحركات مقاومة سياسية واجتماعية وعسكرية.

 

لقد استفادت المقاومة الفلسطينية من كل ذلك، وعملت على تطوير نفسها، بالإفادة من دعم الجمهورية الإسلامية وكذلك حركة المقاومة في لبنان، وبالخصوص حزب الله، فنشأت حركتا الجهاد وحماس حركتا مقاومة إسلامية  في فلسطين، وأخذت تطور قدراتها بدعم قوي إيراني وسوري ومن حزب الله، لقد كانت رعاية الشهيدين، السيد حسن نصرالله وقاسم سليماني، ودعمهما الأثر الكبير في نمو قدرات حركتي حماس والجهاد، فقد نمت حماس بشكل كبير وقوي خصوصاً داخل غزة.

 

ومن المعلوم أن الرعاية السياسة لحركة المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها، وجمعها أكثر من مرة، ومساعدتها لمنع الاقتتال فيما بينها، من قبل رئيس حركة أمل الرئيس نبيه بري، كان له، أيضاً، أثر كبير في نمو المقاومة.

 

لقد شاهدنا تطورًا وزخمًا في حركات التضامن العالمية بعد السابع من أكتوبر، فأين تنشط هذه الحركات، وما تفسيرات ذلك؟

 

يؤكد زكي جمعة لقد تضافرت الجهود الكبيرة في المرحلة التي سبقت السابع من تشرين الأول (أكتوبر)2023 من أجل فلسطين، ودعمها والتضامن معها.بين عام 2000م العام الذي تحررت فيه الأراضي اللبنانية وعام 2023م تكثفت محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وجرى العمل على انتاج واقع عربي غير مؤيد لفلسطين، ومتقبل للتطبيع العربي الصهيوني، وكان ما سمي بالربيع العربي أكبر شاغل مؤثر في الواقع العربي، من خلال ما أحدثه من فتن وحروب مدمرة، ساهمت في تنحي الشعوب العربية عن دعم القضية الفلسطينية والانشغال بواقعها المرير، وكادت ترتسم معالم نسيان القضية الفلسطينية، في المجتمعات العربية كما في كثير من المجتمعات العالمية، التي بدأت عمليات استلابها بوساطة سلسلة من  المشكلات والقضايا، من نشر فايروس «كورونا» إلى عمليات نشر «المثلية» التي أريد منها تدمير المجتمع الإنساني وتحويله إلى مجتمع لا أخلاقي، جرى أشغال الرأي العام العالمي والعربي تسهيلاً لتنفيذ المشاريع الصهيونية والليبرالية.

 

المضامين الخطابية التي تستند عليها حركات التضامن مع فلسطين، وأحداث السابع من أكتوبر

 

يقول زكي جمعة: جاءت عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس، لتوقظ الرأي العام العالمي من غفلته، وتعيد تنشيط ذاكرته اتجاه فلسطين، وتنبهه إلى زيف وكذب الصهيونية العالمية، لقد سقط العديد من مشاريعها، بدءاً من المثلية، وظهر رأي عام عالمي داعم ومؤيد لفلسطين وقضيتها، إن ذلك يؤشر إلى أمكانية استعادة الرأي العام العالمي إنسانيته وقيمه الإنسانية واخلاقه، ولهذا تأثير قوي على الصهيونية والليبرالية ومشاريعهما المدمرة، إن استعادة القيم الإنسانية السامية يؤسس لبناء مجتمع الإنسان ونهاية مشاريع الإستعمار والإستعباد، والمشروع الصهيوني.

 

التضامن الكبير مع فلسطين وقضيتها إنطلاقاً من لبنان

 

يتابع الاستاذ زكي جمعة: يمكن اعتبار العام 2023  عام التضامن الكبير مع فلسطين وقضيتها إنطلاقاً من لبنان الذي اطلق حرب إسناد لغزة، واليمن والعراق وإيران، مروراً بكل المجتمعات الغربية التي انفجر الرأي العام فيها مؤيداً لفلسطين ورافضاً لسياسة الإستعمار والظلم. لقد بدأ العد العكسي لحياة الكيان الصهيوني الغاصب، وأخذت نهايته تقترب، وهذا ما يدفعه إلى المزيد من الإجرام والتدمير والتهجير في لبنان وفلسطين، والمنطقة، فان التضامن مع الشعب الفلسطيني هو تضامن مع الحق والعدل.

 

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص