في الندوة التخصصية الـ 19 للمجلس الأعلى للقرآن في إيران

تربية الإنسان هدف القرآن الكريم.. وقارئه مبلّغ رسائل الله

تعليم القرآن أو تلاوته إذا لم يُثمر في تربية الإنسان، فلم يحقق الهدف الأساسي من نزوله

2024-12-02

يحتل القرآن الكريم مكانةً كبيرةً في ثورة الشعب الإيرانيّ، وفي تأسيس الجمهوريّة الاسلامية على صراط آياته العظيمة. وليس ثمّة أدنى ريب، بأنّ القيادة المسدّدة حين أطلقت النهضة الإسلاميّة المعاصرة في أواخر القرن العشرين المنصرم، كانت على يقين بأنّ نهضةً عظمى، كهذه، لن تنال فلاحها، واقتدارها، وتأييدها الإلهيّ، إلّا عبر التمسّك بكتاب الله، والسنّة المقدّسة، والعترة الطاهرة من بيت النبوّة. وبهذه الدالّة، لن يكون غريبًا أن نرى أنّ الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة تتخذ طريقاً قرآنيًّا محمّديًّا بامتياز كبير.
يتمثل دور النظام الإسلامي في إيران بنشر الثقافة القرآنية، وتربية القرّاء والحفّاظ والمفسرين وطباعة القرآن والكتب المرتبطة به، ونستطيع القول أن الجمهورية الإسلامية تُعد الدولة الأولى في العالم الإسلامي التي اهتمت بالقرآن في جميع المجالات وقد أسست مراكز مهمتها نشر القرآن ومفاهيمه، وتقام سنوياً مهرجانات ومسابقات دولية في الحفظ والقراءة والتفسير يشارك فيها من جميع الدول العربية والإسلامية. ونفذت العديد من الأنشطة والندوات الخاصة ومنها الندوة التخصصية التاسعة عشرة للمجلس الأعلى للقرآن في إيران بعنوان “التبليغ لرسائل الله”، وهو عنوان مستوحى من خطب وكلمات ألقاها سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي العام الماضي.
المجلس الأعلى للقرآن في إيران
تأسس المجلس الأعلى للقرآن في إيران بتاريخ 5 أكتوبر 1991 بمرسوم صادر عن سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، ومهمته كما حددها هي وضع السياسات، والإشراف، والدعم، والارتقاء بالبرامج المتعلقة بتلاوة القرآن، والأذان، والمناجاة، والأدعية، والتواشيح في الجمهورية الإسلامية.
ومنذ عام 2003، يعقد المجلس سنويًا تقريبًا ندوات لتحقيق أهدافه القرآنية، بمشاركة قراء وباحثين قرآنيين من مختلف أنحاء إيران. تهدف هذه الندوات إلى تعزيز التفاعل والعلاقة الفعالة بين القراء والأساتذة والناشطين في مجال القرآن. كما استضاف المجلس في دورات معينة ضيوفًا أجانب من مصر للاستفادة من خبراتهم في المجال القرآني.
وفي هذا الإطار، انعقدت الندوة التخصصية التاسعة عشرة للأساتذة والقراء والحفاظ المتميزين تحت عنوان “قارئ القرآن؛ مبلغ رسائل الله” في حسينية الزهراء(س) في مجمع الإمام الخميني (قدس) في العاصمة طهران، من 27 نوفمبر/ تشرين الثاني حتى 29 نوفمبر.
القرآن مبلّغ لرسائل الله
“صرح محمد تقي ميرزاجاني”، الأمين العام للندوة التخصصية التاسعة عشرة للمجلس الأعلى للقرآن، في حديثه مع الصحفيين عن أهمية موضوع الندوة قائلاً: “نتحدث عن التبليغ؛ قارئ القرآن مبلّغ لرسائل الله، هذا الموضوع طرحه قائد الثورة الإسلامية العام الماضي في شهر رمضان، وقد جعلناه محور الندوة. ينبغي للقراء أن يتأسوا بالآية الكريمة: ‘الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ”، فسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قال: يجب أن نفكر في هذه الآية؛ كيف يجب أن يكون حال من يبلّغ رسائل الله؟”.
وأكد قائلاً: “مهمة قارئ القرآن ثقيلة. لذا حاولنا في هذه الندوة مشاركة هذا الموضوع مع القراء ومحبي القرآن، ليُدرك الجميع أن مسؤولية قارئ القرآن لا تقتصر على التلاوة فحسب، بل تشمل أيضًا التبليغ لرسائل الله”.
الحياة القرآنية للشهيدين عواضة وكرباسي
في اليوم الأول من الندوة، تحدث “مهدي عواضة”، ابن الشهيد اللبناني رضا عواضة والشهيدة الإيرانية معصومة كرباسي، التي استشهدت مع زوجها قبل أربعين يومًا في هجوم بطائرة مسيرة للاحتلال الصهيوني في لبنان، عن حياة والديه القرآنية.
وقال: “كان والدي يوصينا كثيرًا بقراءة القرآن، وكان يلتزم بتلاوته يوميًا. كان يصرّ على أن نكون جميعًا، أنا وإخوتي، مجتهدين في قراءة وحفظ القرآن”.
وأضاف ابن الشهيد: “طريق الجهاد والشهادة دائمًا مفتوح، وأحد مصاديقه هو الجهاد في طلب العلم. لكن، متى ما تهيأت الفرصة، سأكون جنديًا في خط المقاومة الإسلامية، كما كان والدي الشهيد”.
ترجمة القرآن للصينية نموذج للتبليغ
في جزء آخر من حفل الافتتاح، تحدث “أبو الفضل بهرام بور”، المفسر والمترجم البارز للقرآن، عن نقاط فريدة من محيط القرآن الواسع، وقال: “لدي العديد من المؤلفات، أحدها يتناول محاور موضوعية للقرآن لفائدة المداحين والوعاظ، وآخر يحتوي على 70 تفسيرًا مختصرًا للقرآن”، وأضاف: “هدفي من التأليف هو تقديم بيان مؤثر للقرآن الكريم يناسب جمهور اليوم”.
وأشار إلى أنه يعمل حاليًا على ترجمة القرآن الكريم للصينية، وذكر أن هذه الترجمة في مرحلة التحرير. وأوضح: “السبب في اختياري للصينية هو إيماني بضرورة إيصال رسالة القرآن لكل شعوب العالم، بغض النظر عن عقائدهم وأعراقهم. فالقرآن الكريم  قادر على إيصال الإنسان الباحث عن الحقيقة إلى منابع المعرفة القرآنية”.
وأشار بهرام بور إلى أن القرآن عندما نزل على النبي (ص)، كُلف النبي ببيانه للناس لفهمه، وقال: “تبيين القرآن يتمثل في الترجمة المباشرة، وأيضًا في تعميق المعاني لجعل القارئ يتصل بجوهره”.
أنشطة الندوة القرآنية
في حفل الافتتاح، تم الكشف عن أربعة نتاجات قرآنية جديدة، منها نسختان من القرآن الكريم بأحجام مختلفة، وكتاب لمقالات وأبحاث الندوة السابقة، وكتاب بعنوان “أربعاء القرآن”.
وفي أيام الندوة الثلاثة، قدم 22 أستاذًا أبحاثهم ودراساتهم العلمية المتعلقة بتلاوة القرآن وتأثيرها، وبعد كل عرض، تمت مناقشة الأفكار والنقد من قبل الحضور.
وافتتح الدكتور “محسن فتاح” العروض بورقة بعنوان “أصول وطرق التبليغ لرسائل الله عبر فن تلاوة القرآن”. وتلاه عرض بعنوان “مفهوم تبليغ رسائل الله في القرآن والروايات” من إعداد “نور الدين زنديه” و”سعيد وحيدي مهر”. كما قدم “محمد حاج أبو القاسم” و”أبو الفضل خوش‌منش” و”محمد صادق بهشتي” ورقة عن “متطلبات القارئ المبلّغ في المصادر الإسلامية والعلوم الإنسانية”.
في اليوم الثاني، قدم “سيد عزيز سيد نور” بحثًا بعنوان “التبليغ في فن التلاوة عبر الفضاء الإلكتروني”. وتناول “رسول آزمایش” في ورقته موضوع “التدريس الفعال لرسائل الله في القرآن”. وتبع ذلك تقديمات أخرى ركزت على مكونات التلاوة المؤثرة.
وبعد ذلك، قدم  “حسين قرباني” مقالاً  بعنوان “دراسة المكونات الدائمة والذاكرة المؤثرة في تلاوات التأثير مع التركيز على الخصائص الدعوية”. كما شارك الدكتور “أحد فراز قراملکي” بمقال بعنوان “الرابطة الوجودية لقارئ القرآن”، وقدّم “ولي ياراحمدي”، و”الدكتور مجتبى إيزدي”، و”الدكتور علي أصغر شعاعي” مقالًا بعنوان “مهام المجموعات المعنية في دعوة الدين عبرفن تلاوة القرآن” للحاضرين في الجلسة التخصصية.
ابتدأت جلسة اليوم الثالث مع عرض مقال السيدة “رضوان جلالي‌فر” بعنوان “نظرة وصفية تحليلية إلى المتطلبات واللزوميات للقارئ – المبلغ في المصادر الإسلامية”، وقدّم الدكتور مصطفى صولتي مقاله بعنوان “نظرة إلى مكانة فن تلاوة القرآن في دعوة رسالات الله، من منظور القرآن والحديث”، وكان العرض الأخير لـ “مهدي دغاغله” و”حسن مختاري” ليقدما مقالًا بعنوان “دراسة مصداقية تلاوات التأثير، مع التركيز على المكونات الدعوية”.
تربية الإنسان
اختتمت الندوة التخصصية التاسعة عشرة مساء يوم الجمعة، حيث تم تكريم أصحاب الأبحاث المقدمة، وألقى حجة الإسلام والمسلمين “حميد رضا أرباب سليماني”، الذي تم تعيينه حديثًا معاوناً لوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي بشؤون القرآن والعترة، كلمته الأولى بعد توليه المنصب. قال: “هذه الجلسات نعمة تستحق الشكر، الهدف من كل هذه الجهود هو تربية الإنسان”، وأضاف: “إن تعليم القرآن أو تلاوته إذا لم يُثمر في تربية الإنسان، فإننا لم نحقق الهدف الأساسي من نزوله”.
شكلت الندوة التخصصية التاسعة عشرة فرصة لالتقاء الأساتذة والقراء لتطوير المعرفة القرآنية، كانت هذه الندوة حدثًا ثقافيًا وعلميًا، سعت لتوضيح توجيهات سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي وإبراز دور قارئ القرآن الكريم كمبلغ مسؤول.
المصدر: الوفاق