عبير شمص
لطالما كانت ثقافة المقاومة والأدب المقاوم سلاحان بيد الشعوب المقهورة التي تعرضت بلادها للغزو وتاريخها للطمس، والتي تُعد القلعة الأخيرة لحماية تراثها وتاريخها وثقافتها من الطمس والتحريف ودفاعاً عن وجودها وحقها في الحياة بحريّة وكرامة، واستنفار الجماهير وحضها على المقاومة. وفي حياة الشعب اللبناني وتاريخه الطويل في المقاومة ومقارعة أعتى الاحتلالات في التاريخ، كانت الكلمة والأدب والثقافة المقاوِمة سلاحه في الرد والمجابهة واستنهاض الهمم. وفي هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق الكاتبة اللبنانية هلا ضاهر وفيما يلي نص الحوار:
فيما يتعلق بمشاركتها في جائزة الشهيد سليماني العالمية للأدب المقاوم والتي تحمل إسم سيد شهداء المحور تقول الكاتبة ضاهر: هذه المشاركة الثانية لي في فئة قصة الناشئة وكانت مشاركتي الأولى قد فازت بالمرتبة الثانية في الدورة الثانية من الجائزة عن فئة القصة القصيرة.
وتعتبر الكاتبة ضاهر بأن أهمية هذه الجائزة على صعيد أدب المقاومة في المنطقة أولاً لأنها تحمل إسم الشهيد سليماني وهو سيد شهداء محور المقاومة، فرمزيته وقداسة إسمه هي لدعم كل محور المقاومة في المنطقة وهذا كافٍ ليدل على العمق في المادة التي نقدمها للقراء وسيظهر هذا العمق على صعيد أدب المقاومة في تجربة هذه الجائزة، ولأن المقاومة في هذا الزمن ليست فقط بالسلاح والكلاشنكوف بل هي أيضاً بالقلم والكلمة فنحن كما نواجه العدو عسكرياً علينا أن نواجهه بالكلمة والوعي والتبيين.
قصصي من الواقع المعاش
فيما يتعلق باختيار الكاتبة ضاهر مواضيع كتاباتها فتقول نحن نعيش في لبنان ولدينا جبهة مفتوحة مع العدو الصهيوني وجبهة أخرى مع المجموعات التكفيرية الإرهابية، وفي تلك الجبهات هناك مئات القصص من مجتمع المقاومة وبيئته، فمن هذا المجتمع ومن بيوته وقراه ومدنه وشعبه يخرج المجاهد وترسل الأمهات أولادهن إلى الجبهة بكل طيب خاطر بل وتكون فخورة بذلك والزوجات يقفن خلف أزواجهن المضحين، هذه صور من مشاهد صمود مجتمع المقاومة والتي أذهلت الأعداء بالصبر والثبات والتضحية بالغالي والنفيس، ومنهم نستقي قصصنا الواقعية والتي شاهدناها بأُم أعيننا بل عايشناها مع أقاربنا وأهلنا، ولزاماً علينا وعلى الكتّاب والفنانين رفدها بالفنون المختلفة ومنها الأدب وحفظها للأجيال القادمة وتعريفها للعالم بأكمله وبلغات العالم جميعها .
وتتابع الكاتبة ضاهر حديثها: “بناءً على ذلك عندما نختار الموضوع نختاره يحمل العبرة والكثير من الوضوح بأننا موجودون في جبهة الحق وأن هؤلاء المقاومون الذين نختار الكتابة عنهم أو الشهداء أو الجرحى هم أبناء تلك الأرض وهذا سر انتصارهم، وتحمل الكثير من قصص هؤلاء الشهداء والمضحين أسمى معاني الإنسانية فمنهم عالم الدين والمهندس والدكتور والمغترب الذي قدم من الخارج ليدافع عن أرضه ودينه وناسه تاركاً الدنيا وما فيها والأب الحنون الذي ترك أطفاله الذين هم أغلى ما في دنياه والعديد من القصص المشابهة، قد تكون القصة بسيطة جداً تتعلق بعلاقة الشهيد مع طفلته ولكنها تظهر الصورة الواقعية لهذا المقاوم في ظل سعي محموم للعدو الصهيوني والغرب على تشويه الصورة الحقيقية لهم وإظهارهم قتلة متوحشين وقطاع طرق.
صورة واقعية وليست خيالية
تعتبر الكاتبة ضاهر: أنه بحكم عملي كمحققة وكاتبة في مركز آثار الشهداء “جمعية إحياء وحفظ التراث المقاوم” تعتمد الآلية الضرورية والتراتبية في كتابة القصة على المصداقية والوقائع الحقيقية من واقع ومجتمع المقاومة والذي يؤمنه آلاف المقابلات التي أُجريت مع عوائل الشهداء والمجاهدين وكلها تقدم صورة واقعية حقيقية عن المقاومة ومجتمعها، بوجود هذه الحقائق والكم الهائل من المعلومات لست بحاجة إلى الخيال طالما إني أكتب تاريخ وطني لبنان وتاريخ أبناء هذا الوطن المقاومين والشهداء وعائلاتهم وأصدقائهم. يساعد عمل مركز آثار الشهداء كثيراً في تصدير قصص الشهداء إلى المجتمع فهو لا يكتفي بتأريخ حياة هؤلاء الشهداء وبطولاتهم وحفظها بل يجهزها فنياً لتقديمها للكاتب ليعرضها بقلمه الأدبي للناس، بل ويصدر عن المركز بعض الإنتاجات الأدبية الخاصة به.
فيما يتعلق بالفئة المستهدفة من كتاباتها القصصية، فتقول:” لدي كتابات سابقة موجهة لكل الجمهور ولم تكن موجهة لفئة معينة وذلك في مجموعات قصصية مثل “العصا الرابعة”، و”انحسر الرمل ” والمجموعة القصصية “قلم رصاص” والتي تتوجه إلى المجتمع بأكمله وتدور أحداثها بالطبع حول المقاومة ومجاهديها وبيئتها الداعمة والمساندة، وآخر إصدار قصصي لي كان “تحت ظلال الزيتون” وتوجهت فيه للناشئة عبر كتابتي عن مجموعة من الفتية من شهداء الدفاع عن المقدسات في سوريا، من تجربتي أعتقد أننا يجب التوجه إلى فئه الأطفال والناشئة فعندما نؤثر في هذا الجيل في سنٍ مبكرة نبني جيلاً جديداً من أجيال المقاومة لأن مقاومة العدو مستمرة ولن تنتهي المعركة بين الحق والباطل.
كربلاء تجددت في لبنان
تشير الكاتبة ضاهر بأن الحرب الأخيرة على لبنان جسدت كربلاء واقعاً في جنوب لبنان إذ شاهدنا كيف يواجه مجاهد بمفرده كتيبة من العدو الصهيوني، وكذلك أوقف ثلاثة مجاهدين تقدم كتيبة بأكملها وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح، لقد جسدت المقاومة في لبنان في هذه الحرب كربلاء واقعاً وقدمت صوراً منها، من الشهيد الذي حوصر لعدة أيام واستشهد عطشاً وبعض الشهداء الذين بقيت جثامينهم في العراء ثلاثة أيام والبعض لمدة شهر وأكثر حتى استطاع رفاقهم سحب جثامينهم المباركة ودفنها، من الأم التي قدمت الشهيد تلو الشهيد في المعركة نفسها وهي صابرة محتسبة وتطلب من الله(سبحانه وتعالى) تقبل هذا القربان وتقول مثل مولاتنا السيدة زينب(ع) ما رأيت إلا جميلاً ، كلها صور مستمدة من كربلاء وتعلن بوضوح أن كل ما لدينا من عاشوراء.
تؤكد الكاتبة ضاهر أن معركة “أولي البأس” في لبنان و”طوفان الأقصى” في غزة ستؤثر على نمط كتاباتها لأنها أثرت وأغنت المواضيع التي يمكن أن نكتب عنها، وهي تعج بقصص التضحية والصمود والبطولة التي لا مثيل لها في العالم والتي جسدتها المقاومة وشعبها، وهنا يجب على الكتاب مع وجود هذا الكم الهائل من القصص والحكايات العمل بشكلٍ أكبر من السابق من أجل تدوين هذه القصص ونشرها وتعريف الناس بها، ففي كل بيت وشارع وقرية في غزة ولبنان عشرات بل مئات القصص عن مقاومة ومجتمع قاتل بمفرده وجهاً لوجه مع عدو متوحش يدعمه كل العالم حتى أولئك الذين يدّعون أنهم من أبناء جلدته.
تضحيات مجتمع المقاومة
تؤكد الكاتبة ضاهر بأنه يجب علينا إبراز تضحيات كل مجتمع المقاومة لأن الجميع ضحى وساعد في هذه الحرب، من الفتية في عمر الورود والشباب وعلماء الدين والنساء وكل فئات المجتمع، وإبراز ثقافة الحياة لدى شبابنا عبر الحديث عن الشهداء الأطباء والمهندسين الذين لم يذهبوا إلى الجبهة ليستشهدوا فقط بل ذهبوا ليسطروا أروع الملاحم البطولية، ويطول الحديث عن قصص هؤلاء الشهداء وصفاتهم وعن الأمهات اللواتي دفعن بأبنائهن للشهادة، وعن النساء اللواتي تولين إدارة شؤون النازحين، قدم المجتمع بأكمله وضحى من أجل الحفاظ على مقاومته ضد العدو الصهيوني ولكي يبقى هذا الشعب عزيزاً حراً، واجبنا تجاههم تدوين قصصهم وتعريف الأجيال في لبنان وخارجه عليهم.
أدبنا يخاطب العالم
وفيما يتعلق بقدرة أدب المقاومة مخاطبة العالم وهل اكتفى بالبقاء في دائرته الخاصه تعتقد الكاتبة ضاهر بأن أدب المقاومة بدأ بالخروج من دائرته الخاصة ومخاطبة كل العالم والدليل على ذلك نجاح تجربة جائزة الشهيد سليماني العالمية للأدب المقاوم لأنها عالمية وهناك تهافت من كل الكتاب والكاتبات من كل بلاد العالم للمشاركه فيها، كما بات الحديث عن المقاومة وما تجسده من صراع بين الحق والباطل وإظهار وحشية العدو الصهيوني مادةً جاذبةً لكل الكتّاب في العالم ويسعون للكتابه عنها، برأيي لم تعد القصص مؤطرة أو مؤدلجة بل تحررت ووصلت إلى كل العالم.
تؤكد الكاتبة ضاهر أنه:” من المهم امتلاك الأدوات الضرورية التي توصل الأدب للعالم من إبداع وقدرة على الكتابة ومراعاة التقنيات الضرورية ولكن السر يكمن في القدرة على اختيار القصص التي حصلت في غزة ولبنان والتي لم نر مثيلاً لها في كل العالم، مثل الفتيات أو الفتية الصغار في غزة الذين بحثوا تحت الركام عن كتب دراستهم، وأولئك الفتية الذين توجهوا بعد وقف إطلاق النار إلى قريتهم المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة وفتشوا عن والدهم ووجدوه شهيداً فحملوه على أكتافهم في مشهد لا نظير له في العالم، وتلك الأم التي قدمت ثلاثة من فلذات أكبادها ووقفت لتقول هيهات منّا الذلة وما رأينا إلا جميلاً، والصور التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية عن عودة الأهالي إلى قراهم في خطوة باغتت العدو وفاجأت العالم بأكمله الذي عجز عن فهم هذا المجتمع، مهمتنا ككُتاب تعريف العالم بهذه المشاهد وغيرها الكثير التي عاشها هذا الشعب.
وتؤكد الكاتبة ضاهر بأنه يجب الإطلاع الدائم على تقنيات الكتابة والمتابعة المستمرة في دورات الكتابة لنزيد من الإبداع، ومن تجربتي أتعلم، فيتغير أسلوب كتابتي وأعرض أحداث قصتي، وأعتبر أن الكتابة والإبداع مقدرة يمكن اكتسابها بالثقافة والتدريب والجرأة. أما الموهبة، فأغلب الناس يولدون بمواهب عديدة، ولكنها قد تموت إذا لم يرعها الشخص والظروف المحيطة.
ختاماً لقد استنبتت المقاومة الإسلامية في لبنان أقلامًا واعدة من بيئتها تحكي تجربتها لكنها ما زالت بحاجة ماسة إلى مساهمات المبدعين الكتاب الكبار كي يقدموا إسهاماتهم في تأريخ إنجازات هذه المقاومة التي أخرجت الواقع العربي من أسر الهزيمة والإحباط.