سهامه مجلسي
يعتبر تأثير الحرب والنزوح على الأطفال مدمراً، ويمكن الشعور به في جوانب متعددة من حياتهم، مثل الصحة الجسدية، إذ يعتبر الأطفال أكثر عرضةً لسوء التغذية والأمراض المعدية والإصابات الناجمة عن العنف، كما قد يعاني الأطفال أعراض الصدمة مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة، وقد يجدون أيضاً صعوبة في النوم أو التركيز أو الشعور بالأمان.
وهناك مشاكل قد يتعرض لها الأطفال جراء الحروب والنزوح، كالشعور الدائم بالخوف والقلق والاكتئاب أو تأخّر النمو العقلي والبدني والعاطفي، والاضطرابات السلوكية وردود الفعل العدائية، بالإضافة إلى صعوبة الاندماج بالمجتمع، والعجز عن بناء روابط عاطفية مع الآخرين، ولمعرفة آراء الخبراء النفسيين حول كيفية مساعدة هؤلاء الأطفال على التعافي من آثار هذه الصدمات العنيفة، أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الأستاذة التربوية والكاتبة فاطمة نصرالله وفيما يلي نصه:
مسؤولية الوالدين تجاه أنفسهما
في البداية أوضحت لنا الأستاذة نصرالله أنه يجب التحدث في المقام الأول عن مسؤولية الوالدين تجاه أنفسهم باعتبارهم القدوة بنظر الأبناء وهما اللذان يصدر عنهما التصرف السليم في كل الأحوال، لذلك عندما نتحدث عن الأزمات فإننا نتحدث عن فترة استثنائية في حياة الأسرة، ومهما تنوعت الأزمات فتارة تكون حرباً وتارةً أخرى كوارث طبيعية أو ضائقة مالية أو حادثة قد تطرأ على العائلة أو أي من الأحداث غير الاعتيادية التي من الطبيعي جداً أن تمر بحياة الإنسان، هذه الأزمات تتطلب من الوالدين أولاً أن يكون لديهما التحضير المسبق لإدارة أي أزمة تطرأ على العائلة عبر التنبه لسلوكهم، فلا يصح من الوالدين أن يكونا مثلاً شخصان يخافان، فهذا لا يصلح لذلك عندما تمر العائلة أو الأسرة بأزمة، هنا نتحدث عن القدوة فمن يعطي الشجاعة والقوة والثبات والمثابرة لبقية الأفراد والذين هم الأولاد المقصود بهم، هم الآباء، لذلك قبل أن نتحدث عن الأزمة لابد في هذه المقدمة أن نقول بأنه يقع على عاتق الوالدين أن يكونا القدوة المناسبة لأبنائهما في حال إدارة أزمة في حياتهما أو في حياة هذه الأسرة، فالبداية يجب أن يبدأ الاهل في مراقبة سلوكهم بالحكمة وإبراز الرعاية والقوة والثبات وبُعد النظر والرؤية الثاقبة والقدرة على إدارة هذه الأزمة عبر طرح الكثير من الخيارات والطروحات المناسبة لحياة الأسرة في هذه الفترة الإستثنائية من حياتها.
دور الوالدين تجاه الأبناء
تشدد الأستاذة نصر الله على دور الوالدين تجاه الأبناء في مواجهة مختلف التحديات، فهم المسؤولين عن إدارة الأسرة في الأيام العادية وفي الأزمات، مسؤوليتهم الأساسية تتمحور أولاً بتأمين الحماية والرعاية، ثانياً المتابعة السلوكية والأخلاقية، ثالثاً الرعاية الصحية، رابعاً الإحاطة المعنوية والروحية، خامساً التعليم والتثقيف وغيرها العديد ومن العناوين ولكن نكتفي بهذه العناوين الخمسة لكي ننطلق منها في عمل أو مسؤولية الوالدين تجاه الأبناء في الأزمات، وهي:
الحماية والرعاية
تؤكد الأستاذة نصر الله بأنه يتوجب على الوالدين تقديم الرعاية والحماية للأبناء في مختلف حياة الأسرة وخاصةً في الأزمات وأزمة النزوح الحالية التي عانى منها الشعب اللبناني في حرب لبنان وكذلك أطفال غزة منذ عملية “طوفان الأقصى” وأتت هذه الأزمة نتيجة الحرب العدوانية الصهيونية على الشعب الفلسطيني واللبناني والتي أجبرت العديد من العائلات على ترك بيوتهم والتوجه إلى أماكن أكثر أمناً للحفاظ على حياتهم وحياة أبنائهم، سعى الوالدان عبر هذا النزوح إلى تأمين الرعاية والحماية لأبنائهم في ظل عدوان وحشي لا يفرق بين الرجل والمرأة والطفل.
في الحقيقة عندما يجد الوالدين أنفسهما أمام هذا الخيار الذي قد لا يكون مناسباً من جهة تأمين مكان ملائم للأطفال في أماكن النزوح من جهة اختلافه عن منزلهم وخلوه من المشاكل ولكنه يمتاز بكونه أكثر أمناً عن بيتهم، ونحن نشهد على الواقع المرير الذي يعيشه النازحون سواءً من نزح إلى المدارس أو إلى البيوت للسكن مع عدة عائلات قد يصل عددها إلى عشرة في بعض الأحيان مما يشكل بيئة غير مريحة للأطفال، ولكن قام الوالدين بواجبهم بإخراج أبنائهما من أماكن النزاع والحروب واتجهوا بهم إلى أماكن أكثر أمناً على الرغم من أنها محاطة بكثير من المشاكل والتعقيدات.
المتابعة السلوكية والأخلاقية
تشرح الأستاذة نصر الله أنه عند انتقال عائلة إلى أماكن النزوح والتي من المؤكد أنها لا تُشكل بيئة مثالية للأبناء ولعلها تتضمن العديد من العقبات والمشاكل من جهة المكان أو تأمين مستلزمات الحياة الضرورية للنازح سواء أكان طفلاً أو كبيراً بالغاً، هنا تُعد المتابعة السلوكية والأخلاقية للأبناء في هذه الأماكن من القضايا الهامة جداً التي يعاني منها الوالدين، فوجود العدد الكبير من الأشخاص في المنزل نفسه يشكل بيئة غير مناسبة للأطفال بغض النظر عن مستوى القرابة أو المعرفة التي تجمع الموجودين في المنزل مع الأطفال، يكفي تواجد عائلة أو عائلتين في مكان واحد حتى تصبح المتابعة السلوكية والأخلاقية شاقة على الوالدين باعتبار أن النموذج التربوي المعتمد من قبل هذه الأسرة ليس مشابهاً للنموذج المعتمد لدى أسرة أخرى، وبالتالي هذا التفاوت بين الأساليب والطرق التي يعتمدها كل من العائلتين كفيل بخلق مشكلة سلوكية وأخلاقية لدى الأبناء.
وهنا يصعب المتابعة على الوالدين باعتبار أمكنة النزوح صغيرة وحتى المدارس الواسعة نسبياً نظراً لأعداد الساكنين الكبير فيها فتكتظ بكل فئات الناس ومن مختلف الأعمار، هذا التماس بين هذه المجموعة الكبيرة من الناس ذوي المشارب المختلفة والأعمار المتفاوتة قد يسبب بإنهيار أو بتشويه المنظومة التربوية التي اعتمدها الوالدين في تعاطيهم مع أسرتهم الصغيرة في حياتهم، فقد يدخل على شخصية الأبناء الكثير من المعتقدات الغريبة أو الأمور غير اللائقة التي قد يكتسبها الطفل عبر معاشرته لأطفال آخرين موجودين في المكان نفسه، وهنا يقع جميع الأهل وخاصةً المهتمين بالقضايا التربوية تحت ضغط شديد، وتجعلهم أمام استحقاق لعله لم يكن بالحسبان، وهنا يبادر الوالدين المهتمين لمعاودة ترميم النظام التربوي لدى الأبناء فتارةً ينجحان وتارةً لا ينجحان، خاصةً نتيجة الضغط من الكثافة السكانية الموجودة في أمكنة النزوح بالإضافة الى الضغط النفسي الذي يعيشه كل النازحين الموجودين في أماكن النزوح من أخبار الدمار والقصف والفقد وخسارة أفراد العائلة والبعد عن منازلهم وغيرها، كل هذا من شأنه التأثير على الاستقرار النفسي للجميع ومن بينهم الأهل الذين قد تضمحل قدرتهم على المتابعة والإصلاح وبالتالي يتركون الأبناء في هذه الأماكن على سجيتهم.
الإحاطة المعنوية والروحية
وأما حول الإحاطة المعنوية والروحية فتعتبره الأستاذة نصر الله بأنه من أهم المسؤوليات أو لعله من أصعب المسؤوليات التي قد تقع على الوالدين باعتبار أن هذه الرعاية المعنوية أو الروحية للأبناء تستلزم استقراراً وهدوءاً وصفاءاً لدى الوالدين لكي يستطيعا أن يقدما هذه العناية لأبنائهما وطبعاً هنا كانت تقع المشكلة بأعتبار أن الإنسان عندما يخرج من بيته، هذا الخروج اثر الظرف الاستثنائي يضع الكبير والصغير تحت ضغط نفسي يحتاج إلى إيمان قوي يساعده على تجاوز المشكلة، لذا من المهم في هذه الحالة الاهتمام بممارسة العبادات وتحسين العلاقة مع الله سبحانه وتعالى مما يعينه بجرعات عالية جداً لكي يحقق الإستقرار الذي ينشده أو الاستقرار الذي يعينه على تحقيق اطمئنانه النفسي، وبالتالي ينتقل هذا الاستقرار من الأهل إلى الأبناء، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فغياب الاستقرار النفسي لدى الأهل سيمنعهم من تقديم الاستقرار المعنوي والنفسي للأبناء لذا يجب الاهتمام التفات الأهل بهذه النقطة وتدعيمها، ووجود النازحين في أماكن النزوح ووقوعهم في حالة من الخطر أو التهديد الأمني لوجودهم، والسبيل الوحيد لمواجهته يحتاج إلى درجات عالية من الإيمان من الجانب المعنوي الروحي.
تختم الأستاذة نصر الله حديثها بالقول: إن الانسان لا يرغب بترك بيته ولا يحب التغيير بشكلٍ عام فهو يألف المكان الذي يعيش فيه لا سيما المكان الذي ولد به وترعرع وعاش وقضى الكثير من يومياته وجميع ذكرياته فيه، وبالتالي تحّول هذا المكان إلى جزء من وجدانه وقلبه لذلك عندما يضطر الإنسان أن يترك هذا المكان العزيز على قلبه إلى مكان آخر خوفاً من الحرب فبطبيعة الحال لن يكون سعيداً أو راضياً إلا أنه يقنع نفسه بأن يكون صابراً لعله بعد هذه الفترة الاستثنائية في حياته سيعود إلى بيته مجدداً منتصراً شامخاً عاليّ الرأس عزيزاً كريماً حتى ولو كان هذا البيت حطاماً، والحمدلله عدنا إلى بيوتنا منتصرين معززين مرفوعي الرأس.