يتمحور الخلاف المائي بين ايران وأفغانستان حول نهر هلمند الذي يقع جنوب غربي أفغانستان وشرقي إيران، ينبع من جبال هندوكوش في الشمال الشرقي لأفغانستان، ويصب في بحيرة هامون داخل الأراضي الإيرانية، قاطعاً ما يزيد عن 1300 كيلومتر. ويعد هذا النهر أهم مورد ماء للبلدين، ومنه سبب الخلاف بينهما حول اقتسام حصصهما من تلك المياه.
ويعتبر أهم نهر في أفغانستان، علاوة على أنه شريان مائي مهم بالنسبة للخاصرة الشرقية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث يعبر هذا النهر محافظات أفغانية من بينها وردك وباميان وأروزكان وهلمند ووردك، وأيضا المحافظة الإيرانية سيستان وبلوشستان المتعطّشتان بشدّة للمياه وهو ما يؤكد حاجتهما لمياه هذا النهر.
يبدو أن النزاع الخفي بين أفغانستان ودول الجوار حول المياه بدأ يطفو على سطح العلاقات بصورة أكثر وضوحًا من قبل؛ إذ تُعد قضية توزيع واستخدام الموارد واحدة من أكثر المشاكل المستعصية على الحل مع الجيران وخاصة مع إيران. ويعود بعض هذه الخلافات إلى قرن كامل وظهرت مجددًا منذ إعلان الحكومة الأفغانية بناء السدود وإدارة المياه التي تصب في الأراضي الإيرانية.
*خلفية النزاع
تعد قضية تقاسم المياه بين أفغانستان وإيران واحدة من أهم القضايا السياسية والإجتماعية والبيئية بين البلدين منذ سنوات طويلة والتي كانت مصدر نزاع وصراع منذ قرن ونصف، والنزاع حول مياه نهر هلمند جنوب أفغانستان له تاريخ طويل من المناقشات والمفاوضات حول تقسيم المياه بين البلدين. حاولت إيران وبشتى الطرق أن تثبت حقها في المياه ولم تدخر جهدًا في الوصول إلى هدفها، وهو ما قوبل بمعارضة من الحكومات التي تعاقبت على أفغانستان. وانصبَّ النزاع الأفغاني-الإيراني حول مياه نهر هلمند جنوب أفغانستان، وهو الوحيد من بين الأنهار الأفغانية الذي يصب مياهه في إيران.
*مشكلة نهر هلمند
برز الخلاف المائي بين أفغانستان وإيران في 1882 وعندما فشل الطرفان في حل المشكلة اتفقا على اللجوء إلى لجنة تحكيم “غولد سميث” المكلفة بترسيم الحدود بين البلدين. بدأت اللجنة في 19 اغسطس/أب 1882 بترسيم الحدود، وتقاسم مياه نهر هلمند بين البلدين، وبعد فشل اللجنة في المهمة، أوصت بأنه “ينبغي على الطرفين عدم بناء منشآت أو سدود على طول نهر هلمند حتى لا يتسبب في تقليل المياه في المصب” ولكن الحكم لم يحقق نتائج إيجابية.
وكان قد أكد رئيس الجمهورية آية الله السيد إبراهيم رئيسي، إن بلاده لن تمر على نهر هلمند منذ نشأته وستتبعه بجدية.
وكان قد أمر السيد رئيسي وزيري الخارجية والجيش بمتابعة مطالبة إيران من نهر هلمند 5 أغسطس / آب المنصرم أي منذ قرابة 6 أشهر في اجتماع مجلس إدارة الحكومة، مؤكداً حينها على حقوق الشعب.
ولكن مخاوف ايران تزايدت أكثر بعد إعلان طالبان الانتهاء من بناء سد كمال خان، الذي يعتبر أهم هيكل لتقسيم المياه بين البلدين، في عام 2022 ميلادي ودخل حيز التشغيل. وأعلنت الحكومة الأفغانية السابقة في ذلك الوقت أن بناء هذا السد سينظم توزيع المياه على أساس معاهدة 1357.
وأتمت أفغانستان بناء السد في سنة 2014، إثرها أعلنت حكومة الرئيس أشرف غني أنه لم يعد من الممكن حصول إيران على حصتها من مياه نهر هلمند بسبب التغيرات المناخية التي أثرت على مستويات تدفق النهر.
سياسات كابول تسببت بتعاظم المخاوف في ايران لا سيما أن المحافظات المحاذية لأفغانستان بحاجة ماسة لمياه الأنهر الوافدة من الجارة أفغانستان.
*عودة طالبان وفتح الصمامات
في 19 يناير/كانون الثاني المنصرم، انتشرت مقاطع فيديو توثق صمامات مياه سد “كمال خان”، ما دفع ايران للاحتفاء بهذه الخطوة “الودية” من حكومة طالبان العائدة حديثاً إلى حكم البلاد. بل وذهب نائب السفير الإيراني في كابول، حسن مرتضوي، إلى تأكيد النبأ قائلاً: “أُفرج عن المياه بعد محادثات مكثفة بين المسؤولين من الجانبين الأفغاني والإيراني في وقت سابق من (ذلك) الشهر”. بيد أن سلطات أفغانستان سرعان ما كذَّبت الخبر، إذ رد المتحدث باسم وزارة المياه والطاقة في حكومة طالبان، بأن بلاده فتحت بالفعل بوابات سد كمال خان “لكن ليس لإرسال مياه هلمند عبر الحدود للوصول إلى إيران، بل لري الأراضي الزراعية في محيط السد”.
يأتي هذا في وقت تعيش فيه المنطقة موجة جفاف غير مسبوقة، يقطع سدي “كمال خان” و “سلما” المياه عما يعادل 4.5 مليون مواطن إيراني يعيشون على جانب حوضي كل من نهر هلمند وهريرود.
*آخر المستجدات
في السياق، أكد الممثل الخاص لرئيس الجمهورية ورئيس الممثلية السياسية الإيرانية في أفغانستان حسن كاظمي قمي، أن طالبان لم تقل إنها لن تمنح ايران حقوقها المائية من نهر هيرمند.
وأكد قمي أن طالبان تؤكد على تنفيذ المعاهدة المذكورة سالفاً بين ايران وأفغانستان سواء في المحادثات الشفوية أو في الملاحظات الرسمية التي أرسلها. وهم يؤكدون على التوصل الى اتفاق من قبل الوفود المختصة وقد ذكروا هذا الموضوع في عشرات المذكرات الرسمية. كان يجب أن تتدفق هذه المياه نحو إيران، لكن أساس هذا السد هو التحويل، وذكر مسؤولو طالبان في أحاديثهم معنا أنه يجب حل هذه المشكلة حتى يمكن للمياه أن تتبع مسارها الصحيح. أي أن طالبان لم تقل إنها لن تقدم الماء.
وأضاف: لقد بدأوا العمل (طالبان) ومن خلال القيام بذلك يمكنهم احترام حقوق المياه للجمهورية الإسلامية وإذا كانت كمية المياه أكثر من نصيبنا، فمن الممكن إجراء حوار واتفاقيات بشأن المياه الإضافية.
*موقف الجانب الأفغاني
في السياق، أكد وزير الخارجية في حكومة “طالبان” الأفغانية، أمير خان متقي، الاثنين المنصرم، على التزامها باحترام حقوق إيران المائية من نهر هلمند. وجاءت تصريحات متقي، خلال لقاء جمعه بسفير إيران في العاصمة الأفغانية كابول، حسن كاظمي قمي. وقال وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة، إننا ملتزمون بمعاهدة المياه ١٣٥١ بين أفغانستان وإيران.