المرأة الجنوبية اللبنانية حينما تغدو مدرسة كرامة وثوار!

خاص الوفاق : المرأة الجنوبية فوق كل هذا صابرة، ربت جيلا لا يعرف الذل في لغته وقاموسه، أنجبت بطلا كالملاك الطاهر الذي يمشي على الأرض، يصلي الصلاة بأوقاتها حتى في ميدان الجهاد… يهفو قلبه كقلب أمه نحو الشهادة، يتسابق على الموت كحرصه على حياة الإباء… رحيم كامه على أبناء وطنه وشديد حتى الشهادة على أعداء الله الصهاينة.

2024-12-07

د. انور الموسى

 

أوت المرأة الجنوبية اللبنانية قادة المقاومة في منزلها، كانت وهي محتاجة تقسم رغيف الخبز بينهم وبين أولادها. وحين قصف بيتها ودمر، استشهد زوجها مع القادة وجرح أولادها، ومع ذلك، بقيت رمز تواضع وعنفوان وهي تردد: الحمد لله، نال زوجي ما كان وكنا نتمنى. هذه واحدة من قصص لا تحصى، وثقتها الحرب الصهيونية الرعناء على لبنان، مشكّلة صورا مشرقة باهرة للمرأة الجنوبية اللبنانية الصابرة الصامدة المحتسبة التي أمست بحق ملهمة الأبطال والثوار، زارعة الكرامة والعز والانتصار في نفوس القادة والأجيال.

 

فها هي المرأة الجنوبية تلتقي بابنها المستريح استراحة محارب، فتقول له بكل صدق: لم أتيت من الجبهة وسيد المجاهدين قد استشهد؟! عد يا بني إلى الجهاد، ولا ترجع إليّ قبل النصر أو الشهادة.

 

وقصة بطولة أخرى شاهدناها بأم العين، حين وقفت المرأة الجنوبية على تراب الجنوب وقد استشهد اخوها، فانبرت تحفر الضريح بعنفوان قبل دفنه وهي تدعو له وتقول: «بيض الله وجهك وهنيئا لك هذا الوسام».

 

وثالثة قبّلت سلاح ابنها وودعته وهي تقول: “سر على بركة الله في درب الشهادة، سلم لنا على القائد الحبيب، قل له سننتصر حتما”.

 

وأخرى استقبلت نبأ استشهاد أولادها الثلاثة وزوجها بالدعاء والصبر والفخر وهي تقول: “طوبى لكم، لقد سرتم على درب الامام الحسين (ع)”.

 

وامرأة أخرى رفضت ترك بيتها لتشم فيه ثياب ابنها الشهيد ومقعد ابنها المجاهد على طريق القدس.

 

وعاشرة استقبلت شهادة زوجها بالقول: “قدوتنا أهل غزة المظلومون والحمد لله ولن نركع”.

 

وأخرى استشهد زوجها فنزحت إلى العراق لتقول لدى سؤالها عن سبب النزوح: “خشيت على اطفالي بأن لا يكبروا ويحرروا القدس تكملة لدرب أبيهم”.

 

والمؤثر قصة الجنوبية التي رجعت إلى منزلها ووجدت رسالة اعتذار من المجاهدين كونهم دخلوا بيتها… بدأت تصرخ وهي تقول: “تعالوا يا أولادي، المجاهدون طهروا بيتي بدخولهم المطبخ… زينوا المصلية التي أصلي عليها، طهروا البيت كله بحضورهم المشرف وانطلاقهم منه للجهاد”!

 

وأخرى شعرت بالعز حين علمت بأن المجاهدين استشهدوا ببيتها وقربه.

 

تلك هي بعض النماذج المشرقة التي لا تزال أرض الجنوب ترويها بحروف من دم وجهاد…وهي إن دلت على شيء، فإنما تدل على عنفوان المرأة الجنوبية ورقيها وتفوقها في ميدان الطهر والقيم والأخلاق.

 

لقد ضحت هذه المرأة ولا تزال بالغالي والرخيص في سبيل التحرير والأرض والعرض والإنسان… لدرجة أن الطفل وهو يطلب من أهله شراء دمية بندقية يقول: اشتروا لي بندقية لأحارب من يقتلنا ويبيد بيوتنا وأهلنا.

 

والمرأة الجنوبية فوق كل هذا صابرة، ربت جيلا لا يعرف الذل في لغته وقاموسه، أنجبت بطلا كالملاك الطاهر الذي يمشي على الأرض، يصلي الصلاة بأوقاتها حتى في ميدان الجهاد… يهفو قلبه كقلب أمه نحو الشهادة، يتسابق على الموت كحرصه على حياة الإباء… رحيم كامه على أبناء وطنه وشديد حتى الشهادة على أعداء الله الصهاينة.

 

وفي النزوح بقت الأم الجنوبية محافظة على شهامتها وقيمها، صبرت على استشهاد رضيعها أو أطفالها، لم تطلب معونة من أحد، استأجرت بيتا أو نزحت إلى مكان ٱمن ولم تذكر قصص تنم عن سعيها إلى معونة.. بل على العكس، كانت حين تكون قادرة، تساعد من يحتاج إلى معونة سواء بالمال أو الطعام أو الإغاثة.

 

حزنت كالأبطال على فقد القادة، ومع ذلك صبرت وجعلت من الفقد عنصر إلهام لأبنائها كي يكملوا الطريق.

 

لقد صبرت صبرا تجاوز صبر أيوب، صبرت على هجر ابنها الغائب في ميدان الوغى والجهاد، وعلى جراح زوجها وأخيها… كما ساهمت في الجهاد الميداني المتمثل في إسعاف الجرحى وتأمين طعام للمجاهدين… فضلا عن رعاية أهلها المسنين وتأمين الدواء والطعام لهم حتى لو كان الثمن حياتها..

 

كما أن بعض خريجات الجامعات استشهدن أو جرحن، فضلا عن المعلمات والطالبات والمسعفات، سواء في قراهن أو أماكن النزوح.

 

وفي الإعلام، شاركت مع زملائها في فضح الجرائم والمجازر والإبادة، وهكذا ناضلت في ميادين العمل الاجتماعي والسياسي والأكاديمي والشعر والأدب…

 

وحين عادت المرأة الجنوبية إلى قراها المهدمة، لم تضعف أو تنهار وتولول.. بل قالت بصراحة: دمنا وبيوتنا فداء السيد والقدس والمجاهدين.

 

تبقى قصة مؤثرة سمعتها من عجوز ملخصها: استشهد زوجي في الجهاد، ثم حمل أبنائي البندقية ليستشهدوا بعده… وهكذا سيفعل أحفادي حتى زوال الصهاينة من الوجود!

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة