في مراسم تشييع الشهداء مفقودي الأثر

رسالة الشعب الإيراني: وحدة وصمود وحرية لغزة ولبنان

أثبت الشعب الإيراني المقاوم بحضوره أن هذه الأرض حية بدماء شهدائها وأنه سيقف في وجه الظلم واللاعدالة ما دام حياً

2024-12-07

 مرةً أُخرى، تتكرر القصة التي لا تحمل أسماء أو ملامح، بل تتناول رموز العشق والمحبة والغربة ونسائم روحانية الشهادة وعطر الشهداء، أولئك الأكثر حضوراً، والسفراء بين الأرض والسماء، الذين يتزامن تشييعهم مع ذكرى شهادة والدتهم مجهولة القبر، السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع)، أول شهيدة مظلومة في طريق الإمامة والولاية وأسمى نموذج للأمهات وزوجات الشهداء. مع عودتهم، غمروا إيران الإسلامية بعطر كربلاء ورفعوا علم مجدهم في قلوب العاشقين.
اليوم، في قلب هذا العالم المليء بالدماء والألم، أبناء غزة ولبنان، وعلى خطى هؤلاء الشهداء يبنون طريق العزة والحرية والسعادة والكرامة في الدنيا والآخرة، ويعتبرون أن سر استمرار الثورة والنهضة المقدسة هو المقاومة ضد النظام الصهيوني العنصري.
الدفاع المقدس  
الدفاع المقدس هو فصلٌ مضيء وخالد في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي جلب العزة والقدرة والكرامة إلى الأبد بفضل إيثار وتضحيات الشباب الإيراني. شباب ضحوا بحياتهم ولم يسمحوا بأن يكون شبر واحد من تراب وطنهم تحت سلطة المعتدين.
من بين هؤلاء، نجد أن مكانة الشهداء المجهولين عظيمة ولا يمكن وصفها، شهداء بقيت أجسادهم الطاهرة سنوات بعيدة عن الوطن، وعندما عادوا، ظلوا مجهولين. عودة الشهداء المجهولين إلى أحضان الوطن، تكتب فصلًا آخر من الحب والعاطفة للشعب الإيراني الوفي، خصوصًا لدى جيل الشباب.
نجوم في سماء إيران
في هذا اليوم تزينت ايران بثلاثمائة نجم في سمائها، وفاح عطر الجنة في ثراها، قَدِم الجميع لتشييع شهداء الدفاع المقدس المجهولين، تجمع عدد كبير من الناس لتشييع مئة شهيد أمام المدخل الرئيسي لجامعة طهران منذ الساعة الثامنة لتشييع الشهداء المجهولين في الأرض المعروفين في السماء، اختلط صمت الشوارع بصوت النحيب الحزين والأدعية التي تهمس بها الأمهات والآباء الذين لا يزالون ينتظرون أبناءهم.
حضور الناس في هذا التشييع  يعد عهداً جديداً مع مبادئ هؤلاء الأعزاء؛ المجهولون الذين تعاملوا مع الله فقط، تخلّدوا في التاريخ إلى الأبد. أرسل مجتمع المقاومة بحضوره الواسع أن هذه الأرض حية بدماء شهدائها، وأنه سيقف في وجه الظلم واللاعدالة ما دام حياً.
هذا التشييع يذكر مرة أخرى هذه الحقيقة أن الحرية والاستقلال في هذه الأرض كُتبت بدماء رجالٍ تناسوا أنفسهم ليبقى الوطن مرفوع الرأس.
ودّعت العاصمة الإيرانية طهران، بقلوبٍ مليئة بالحزن والفخر، شهداءها معلنةً للعالم أن هذه الأرض ستظل مدينة لدماء الشهداء إلى الأبد. شوارع جامعة طهران غصت بالمحبين الذين جاؤوا للوداع الأخير، كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً، في هذا الصباح البارد من الخريف، توجهوا جميعهم بقلوبٍ مليئة بالاحترام لاستقبال الشهداء. أظهر حضور المراهقين والشباب والفتيات أن ثقافة الإيثار والشهادة انتقلت من جيلٍ إلى جيل.
إن شعور الجماهير التي كانت حاضرة في التشييع كما هو الحال دائمًا للدفاع عن القيم لا يوصف؛ أمهاتٌ عيونهن مليئة بالدموع، وآباء بخطواتٍ ثابتة يظهر الحزن في تجاعيد جباههم، وشباب جاؤوا ليجددوا العهد، وأطفالٌ مع عائلاتهم.
الأيادي التي ارتفعت بالدعاء والأكتاف التي حملت التوابيت، هي شهادة على العلاقة العميقة بين هذا الشعب وأهداف الشهداء. إن وجود هؤلاء المحبين يدل على أن طريق الشهداء لا يزال مضاءً، وأن ذكراهم وأسماءهم ستظل حية في القلوب إلى الأبد. هذا الوداع يحمل، ليس فقط الدموع، بل عهود للحفاظ على الشرف، والوطن، والأهداف التي سُطرت بدماء هؤلاء الشهداء المجهولين.
تشييع مهيبتم وضع جثامين الشهداء في قافلة تتكون من ثماني سيارات، كل واحدة من السيارات مزينة بشعارات وصور شهداء جبهة المقاومة في لبنان وفلسطين وإيران والأمن النووي وحقبة الدفاع المقدس التي استمرت ثماني سنوات.
عندما أحضروا قافلة الشهداء، تسارعت الخطى وامتدت الأيدي للطواف. كل شخص كان يلمس بيديه توابيت الشهداء ويأخذ البركة بنية الشفاء والحاجة. وما هو أغلى من بركة الشهيد المجهول، أولئك الذين جاءت أجسادهم ولا تحمل علامة أو حتى إسماً، إنما ارتضوا أن يُعرفوا باسم أبناء روح الله.
كما حضر عدد من جرحى الدفاع المقدس في مراسم توديع رفاقهم. وفي الوقت نفسه، تم رفع أعلام إيران وجبهة المقاومة مع ترديد شعارات مناهضة للاستكبار ودعماً لشهداء جبهة المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا، كما هتف المشيعون مطالبين بالثأر والانتقام لشهداء غزة ولبنان وتدمير حيفا وتل أبيب.
لكل المظلومين في العالم
عاشت إيران الإسلامية بالأمس أجواء عاشورائية وفاطمية؛ وتعطرت بعطر 300 شهيد من حرب الدفاع المقدس، الذين بعد سنوات من الغياب جاؤوا اليوم ليقولوا كلمتهم؛ ليتحدثوا عن الإيثار، وليرووا لنا رواياتهم عن الشجاعة.
تتراوح أعمار الشهداء بين 18 و 25 عاماً، وبعد إجراء مراسم التشييع، تم دفنهم في أكثر من 100 نقطة في البلاد، بينما دفن جثامين سبعة شهداء مجهولين في طهران.
في هذه المناسبة المهيبة، حمل الناس بأعين دامعة وقلوب مليئة بالحزن والحب، جثامين الشهداء المجهولين على أيديهم. لم تكن دموعهم فقط من أجل هؤلاء الأعزاء بلا أسماء، بل انهمرت أيضًا من أجل جميع المظلومين في العالم؛ من أجل الأطفال الأبرياء في غزة الذين يقتلون بقصف صهيوني وحشي، ومن أجل الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن في نار الحرب والظلم، ومن أجل جميع من ضحوا في سبيل الحق. لقد أرسلوا برسالتهم عبر حضورهم أن هذه الأرض حية بدماء شهدائها، وأنهم سيظلون يقفون في وجه الظلم واللاعدالة ما دامت الأنفاس تتردد.
في ظل نداء العزاء، كانت عبارة “يا زهراء” تتردد على الألسنة. كما وقفت هذه السيدة العظيمة (ع) في الإسلام ضد الظلم، اليوم أيضاً، أرسل شعب إيران عبر تشييع هؤلاء الشهداء ودعم المظلومين في غزة، رسالة وحدة وصمود وحرية إلى العالم.
الشهداء مفقودي الأثر
تتمثل علاقة الشهداء المفقودين الأثر بالسيدة الزهراء(ع) بفلسفة العشق الإلهي المطلق التي خصّ الله بها شهداءه، فكثيرون من الشهداء تمنّوا أن يحملوا لقب(مفقود الأثر)، مواساةً للسيدة الزهراء(ع) وكانوا يخبرون أصحابهم بأنهم لطالما تمنّوا أن يبقى قبرهم مجهولاً بعد استشهادهم، ليكون لهم أسوة بسيّدتهم فاطمة الزهراء(ع)، لكي يواسوا بغربة ضريحهم غربة ضريح السيدة فاطمة الزهراء(ع).
إنّهم مفقودو الأثر! ونحن الذين بقينا بفضلهم على قيد العزّة وسجلّ الكرامة ونبض الحياة، ألسنا بعض آثارهم؟ ودحْر أعدائنا وانتصار عقيدتنا، ومهابتنا بين الأمم، أليست بعض آثارهم؟ والبيوت الآمنة، والأفراح المتجدّدة، ومواليد السعادة، وتراتيل العنادل، وترانيم المياه، وتسابيح المطر، أليست كلّها من آثار عيونهم المغروسة في تربة مجهولة، وبعضاً من عناء زنودهم المزروعة في تراب غربتنا المترامية في أوطان الله؟
المصدر: الوفاق