الدكتورة ناديا الصالح من لبنان للوفاق:

لا وجود لمُفردة الاستسلام في قاموس حركة حماس

خاص الوفاق : لو افترضنا إن حركة حماس أعلنت الإستسلام، فهل سيحلّ ذلك المشكلة؟ وهل سيرضى الكيان الصهيوني فيه؟ ذاك الكيان الذي بني على جماجم أطفال ونساء وشرفاء فلسطين

2024-12-07

سهامه مجلسي

 

عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” صبيحة السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وسط بسالة وشراسة كتائب القسام وفصائل المقاومة والتي أذهلت المجتمع الدولي بأكمله وأحدثت زلزالاً وصدمة كبيرة داخل الكيان الصهيوني، وأربكت جيش الاحتلال والذي لا يزال يتخبط في الرد على تحركات فصائل المقاومة ويواصل قصفه المدنيين في قطاع غزة بلا هوادة، وما يحدث من دمار ووحشية ضد الأطفال والنساء والشيوخ وممارسة أبشع أنواع التطهير العرقي؛ وفي هذا الصدد أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الدكتورة ناديا الصالح من لبنان، فيما يلي نصه:

 

حركة حماس لا تستسلم

 

تقول الدكتورة ناديا الصالح: إن حركة حماس مثلت مصدراً للثقة لدى الفلسطينين وحالة وعي ويقظة لمخاطر المشروع الصهيوني وفهم مركباته فهما عميقاً ساعد على تحديد الهدف واختيار الوسائل المناسبة في إطار الممكن وفق منهجية تعكس هذا الفهم وتترجمه سلوكاً يقول لا يمكن أن تقتل الفلسطينين في بلادهم ومساجدهم وقراهم في الضفة وغزة.

 

وفي استطلاع للرأي للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية نشرت نتائجه في ٩ يونيو ٢٠٠٨، سجل تزايداً نسبياً في شعبية حركة حماس في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وتأييداً لمواقفها. أما الكيان الصهيوني فلقد واجه خياراً صعباً، فإما أن يتسامح مع وجود حماس أو أن يتخذ الإجراءات اللازمة لمحاولة تقويضها واحتوائها.

 

الخيار الأول كان سيعرض الجميع للخطر، وقد اختارت الحكومة الخيار الثاني المتمثل في تشديد الإغلاق على غزة لجعل الحياة لا تطاق هناك، على أمل أن يتمكن السكان الفلسطينين من إسقاط حماس بغضب، أو على الأقل أن يؤدي الإغلاق إلى احتواء التهديد الأمني؛ لكن لم ينجح أي منهما. وبدلاً من ذلك، ضرب نتنياهو حماس بقوة أكبر من أي رئيس وزراء في التاريخ، وقاد أربع عمليات عسكرية واسعة النطاق ضدها في أعوام 2012، 2014، 2021 و2022.

 

وبين تلك الحروب، ظلت نفس الظروف التي أدت إلى كل تصعيد، عزلة غزة، وإغلاقها، وانعدام الأفق الاقتصادي أو السياسي، والحكم الاستبدادي. إلى أن كانت عملية “طوفان الأقصى” التي تختلف عن غيرها من العمليات السابقة «تلك التي تكون عادة كرد فعل عن الانتهاكات المتواصلة للصهاينة ضد الفلسطينين ومقدساتهم، ورداً على عربدة الاحتلال في المسجد الأقصى، وسحل النساء في باحاته، وأيضاً لرفض الاحتلال الصهيوني، عقد صفقة تبادل الأسرى»، نظراً لأسباب أخرى منها:

 

– استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة نتيجة الحصار المستمر منذ قرابة العقدين، والذي فاقم المشكلات المعيشية لسكان القطاع.

 

– استمرار تقويض دور السلطة الفلسطينية وتهميشها من طرف الحكومة الصهيونية وهو ما جعل تأثيرها محدوداً جداً في المشهد السياسي والأمني الفلسطيني، واستمرار الاعتداءات الصهيونية على المقدسات الإسلامية، وتمكين المستوطنين المتطرفين من انتهاكها، وهو ما شكل عامل استفزاز كبير لقوى المقاومة.

 

– استمرار اقتحام الجيش الصهيوني للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وشن حملة اعتقالات وهدم للبيوت ومصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات.

 

وصف طوفان الأقصى بـ«الصدمة والكابوس الكبير معاً الذي أرعب بلد بأكمله»

 

وتشير الدكتورة ناديا الصالح إلى أنه في البداية حصل الكيان الصهيوني على تضامن وتعاطف من بعض الدول على الصعيد الدولي، ووظفت ذلك، مع العدد الكبير من القتلى والرهائن بعملية أكثر عنفًا بحثًا عن استرداد ولو جزء من هيبتها التي اهتزت في الداخل والخارج. في المقابل، حققت الفصائل الفلسطينية مكاسب نوعية غير مسبوقة حيث تمكن مقاتلي كتائب القسام ليس فقط من اختراق خط الدفاع الأول لدولة العدو، ونقل المعركة إلى العمق الصهيوني، بل في التشكيك في مبدأ الكيان الغاصب قوة لا تقهر، إلى درجة أن وصف الكتّاب الصهاينة عملية “طوفان الأقصى” بـ«الصدمة والكابوس الكبير معاً الذي أرعب بلد بأكمله».

 

كما وأن عملية التسلل إلى داخل غلاف غزة كشفت عن فشل كبير لحكومة نتنياهو وجهاز الاستخبارات الصهيونية في عدم التوصل إلى معلومات قبل وقوع الهجوم، والفشل في حماية المستوطنين، ما يفرض ضرورة تشكيل حكومة طوارئ عاجلة، ومحاسبة نتنياهو بعد انتهاء الحرب. هذا إلى جانب أن عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة حماس ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الغاصب، أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة نظراً للإخفاق في الحسابات التي ظنت أنه يمكن حشر شعب بكامله في الزاوية.

كما وقد نجحت الفصائل في أسر العديد من الصهاينة كورقة ضغط مهمة على الكيان الغاصب من أجل تخفيف هجماتها على قطاع غزة، ومن أجل المفاوضات. وهناك، جرت جولات تفاوض عدة لوقف النار وتبادل الأسرى والمحتجزين؛ لكنها باءت بالفشل. وعلقت قطر وساطتها التي كانت تقوم بها من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن حتى توافر الجدية اللازمة في المفاوضات بين العدو الصهيوني وحماس.

 

استمرار حكم حماس لغزة

 

وتضيف الدكتورة ناديا صالح: أنه مع استمرار وتيرة الحرب واستمرار حركة حماس في تحدي جيش الكيان، بدأت تظهر في الأفق عدة تساؤلات عن مدى قدرة الصهانية على تحقيق هدفها الذي تمثل بالقضاء على حماس وحكمها في قطاع غزة. وانتشرت العديد من السيناريوهات حول مستقبل قطاع غزة ومَن سيديره، ومنها مَن اقترح تسليمه إلى السلطة الفلسطينية “بعد إصلاحها”، أو لإدارة دولية، أو نشر قوة متعددة الجنسيات قد تشمل قوات أميركية، إذا نجحت القوات الصهيونية في إزاحة حماس؛ لكن في ظل استمرار حماس في القتال وقدرتها على إلحاق بعض الخسائر في صفوف الجيش الصهيوني، يمكن القول إنه من الصعب القضاء على حماس بقطاع غزة، فلا تزال الحركة تتعامل بصفتها الحاكم الفعلي للقطاع، حيث تكمن مظاهر استمرار حكم حماس لغزة ضمن الأفعال التالية:

 

– إعلام عسكري قوي: على الرغم، من الدمار الذي حل بسلاح حماس الإستراتيجي “الأنفاق”، غير أن الحركة لاتزال تؤدي عملاً إعلامياً عسكرياً وقوياً يساهم في رفع معنويات كتائبها ومؤيديها. تدل الفيديوهات العسكرية التي تنشرها الحركة على تماسك حماس على الأقل خارجياً، وهذا يساعد على الحفاظ على صورتها الإعلامية القوية بصفتها من يُكبد العدو الخسائر، ما يدل على عدم تنازل الحركة عن صورة النصر في حربها مع الصهاينة.

 

– مؤسسات القطاع: على الرغم من الحرب الدائرة في القطاع، مازال أعضاء لجنة الطوارئ الحكومية من الشرطة والعاملين في كل من وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الاقتصاد، ووزارة الصحة التابعين لحماس، يشاركون في اجتماعات دورية مع مؤسسات المجتمع المدني والأونروا من أجل تنسيق عملية توزيع المساعدات الإنسانية، وذلك ما أغضب جيش العدو وجعله يستهدف عناصر من الشرطة التابعة لحماس بغزة.

 

– إطلاق منصة الجبهة الداخلية: تقوم هذه المنصة، عبر وسائل الإعلام المجتمعي، بنشر البيانات والمعلومات في شتى المجالات التي تتعلق في المجتمع الفلسطيني. وهي تقوم أيضاً بتحذير المواطنين من المشاركة بنشر شائعات عن أحداث الحرب، وتقوم بتنبيههم أيضاً بعدم الاقتراب من مخلفات الحرب.

 

– منع عودة السلطة الفلسطينية: وذلك تجلى بإعتقال قوة أمنية تابعة لرئيس جهاز المخابرات الفلسطينية في السلطة الفلسطينية من أجل مرافقة شاحنات المساعدات الانسانية التي دخلت غزة عبر معبر رفح البري. اتهمه البيان بإرسال قواته لغزة لإحداث بلبلة بالجبهة الداخلية ولتنفيذ أجندة صهيونية، ما يوحي بإصرار حماس على السيطرة على قطاع غزة، ورفضها لأي دور أمني للسلطة الفلسطينية في غزة.

 

– عدم التنازل في مفاوضات صفقة الأسرى: حيث لا تزال حركة حماس تحاول فرض شروطها، وترفض الاستسلام لطلب الكيان الغاصب لعقد صفقة تبادل للأسرى مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، وبدون الانسحاب الصهيوني الكامل من قطاع غزة.. وأن الحركة مستعدة لعقد هدنة مع الصهاينة لمدة ٥ سنوات أو أكثر، ولإلقاء السلاح والتحول لحزب سياسي، وذلك في حال تم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام ١٩٦٧. ويدل ذلك على أن حماس لا تزال تعتبر أنها الطرف المنتصر في الحرب، ولا تزال تطمح بأن يكون لها دور في حكم غزة مستقبلاً، حتى لو كان هذا الدور سياسياً فقط وحتى لو تم تجريد الحركة من السلاح.

 

– رفض الاستسلام: يمكن القول إن مُفردة الاستسلام لا وجود لها في قاموس حركة حماس، وهي معادلة تسير في الاتجاه المعاكس تماماً للمعادلة التي تنظّم وجودها، ومسيرها، ويصبح رفض الاستسلام مُكوّناً بنيويّاً في أبجديات الحركة، ومن باب الحرص على التضحية والموت في سبيل الله، ونيل الشهادة لتحقيق النصر، حيث إنّ الشهادة بالنسبة إليه أكبر هدف يمكن الوصول إليه على الإطلاق، فهما “الشهادة أو النصر”، خياران لا ثالث لهما.

 

حركة حماس لا تعلن الإستسلام

 

وفي الختام، توضح الدكتورة ناديا الصالح أنه لو افترضنا إن حركة حماس أعلنت الإستسلام مع ما يتبع ذاك من خروج قادتها نادمين معتذرين رافعين الراية البيضاء، فهل سيحلّ ذلك المشكلة؟ وهل سيرضى الكيان الصهيوني فيه؟ ذاك الكيان الذي بني على جماجم أطفال ونساء وشرفاء فلسطين؟ الجواب: لا، بل سيحدث العكس، سوف يُدفع استسلام حماس الصهاينة لمزيد من القتل، والتهجير، والتشريد، وسوف يعتقد أن الفرصة سانحة لتوجيه الضربة القاضية للحركة والانتهاء منها إلى الأبد، لذا قد يصبح وضع الحرب في غزة معلقاً وغير محسوم، ما يُصعب التنبؤ خلال العام الأول للحرب بمدى قدرة حماس على الصمود بوجه الكيان الغاصب.

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة