اتصلت بقاسم (سائق التاكسي) في الصباح الباكر وقلت له تعال یجب أن نذهب. من جهة أخرى، كانت زوجتي، التي أدركت روحيتي وطريقتي في العمل، قلقة جداً أن لايصيبني مكروه. لبست خاتمي المصنوع من العقيق والفيروز، وقرأت آية الكرسي والمعوذات، وركبت مع قاسم في سيارته متجهين إلى مدينتي صيدا وصور، استغرق الأمر أقل من 20 دقيقة حتى وصلنا إلى مدينة صيدا.
كان مظهر المدينة هادئاً جداً ولم تكن هناك آثار للهجمات، لكن عندما دخلنا قليلاً إلى الأزقة والشوارع الداخلية للمدينة، كانت آثار الدمار والإرهاب الصهيوني واضحة.
ذهبت مع قاسم إلى مدرسة تم إيواء النازحين من الجنوب فيها، في ساحة المدرسة الصغيرة، كان عدد من الأطفال يلعبون، وكان هناك أربعة رجال مسنين يدخنون النرجيلة، وكان الشباب يتابعون القنوات والمجموعات الإخبارية، وكانت مجموعة من النساء يتحدثن بهدوء معاً ويسترجعن ذكرياتهن، توجهت نحو الشباب، سلمت عليهم بهدوء على الطريقة اللبنانية، فردوا التحية دون أن يرفعوا رؤوسهم عن هواتفهم.
قلت لهم هل تودون إجراء مقابلة؟ فارتفعت فجأة جميع الرؤوس عن الهواتف ونظروا إليّ بدهشة نحو الكاميرا التي كنت أحملها، وقال أحدهم: أنا أريد أن أجري المقابلة، فسألته: كيف يمكنك تعريف التهجير؟ قال: إن دفع الثمن بالنسبة لنا لأمر محبب، لأننا نواجه أسوأ الخلق. والآن لم نعد نشعر بالخجل لأننا لم نكن في زمن الرسول الكريم(ص) والأئمة المعصومين(ع) ؛ فنحن اليوم هنا صامدين.
ذهبت إلى رجل مسن كان يدخن النرجيلة، وقلت له: وجّه جملة واحدة لنتنياهو، فقال: نتنياهو إنسان فاشل، نهايته إما أن تكون على يد معارضيه داخل البلاد أو أن ينتحر.
فدخل رجل مسن آخر في حديثنا وقال: نحن نعلم أن نتنياهو وسارا يعانيان من مرض نفسي، وقد أعلنت المحكمة ذلك، وهما في طور التمهيد للسقوط التاريخي لهذا الكيان المؤقت، ونحن وآلاف مثلنا مستعدون لنكون شهداء ونازحين، لينتهي أمر هذا الكيان الشيطاني.
