رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين للوفاق:

لا وقف للحرب إلا بعد الإنسحاب الكامل من غزة وتحرير الأسرى الفلسطينيين

الصهاينة والأمريكان لا يريدان وقف لإطلاق النار إنما الاستسلام للأمر الواقع، للتفرغ إلى تطبيق مشروعهما، ولذلك لا وقف للحرب إلا بعد التراجع عن المخططات والمشاريع الصهيونية والرضوخ لشروط المقاومة

2024-12-08

عبير شمص

 

بعد الفشل الصهيوني في حربه على لبنان وغزة والمنطقة، هدد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من أن «ثمناً باهظاً» ستدفعه الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة إذا لم يطلق سراح الرهائن المحتجزين لديها قبل تولّيه منصبه. وعلى الرغم أن ترامب لن يتمكن من القيام بهجمات عسكرية أميركية ضد المقاومة الفلسطينية أكثر مما قام به العدو الصهيوني، رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة في الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني عام 2023 الى الآن، ولكن من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة إلى الآن ومعها العدو الصهيوني عن تحرير الرهائن الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية بالقوة، دون إجراء عملية تفاوضية وفق شروط المقاومة الفلسطينية، ويبدو أن الكيان الصهيوني لم يتعلم بعد من تجاربه السابقة في آلية التعاطي مع حركات المقاومة، وأنها لا يمكن إنهاؤها أو تصفيتها. في هذا السياق، حاورت صحيفة الوفاق رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان الأستاذ فؤاد بكر، فيما يلي نصّه:

 

فشل صهيوني بإنهاء المقاومة

 

يؤكد الأستاذ بكر بأنه على الرغم من استمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة على مدار أكثر من سنة، لم يحقق العدو الصهيوني أهدافه المتعلقة بتهجير اللاجئين الفلسطينيين، وتصفية المقاومة الفلسطينية التي تقاتل بكل قوة وعزيمة دون كلل أو ملل لدحر الاحتلال الصهيوني عن أراضيها، وإفشال مخططاته الاستعمارية الكولونيالية المدعومة من الإمبريالية العالمية وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية الشريكة الأساسية في الإبادة الجماعية، والتي تعتبر أن الكيان الصهيوني هو قاعدة عسكرية في هذا الشرق لحماية مصالحها.

 

ويتابع رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الأستاذ بكر بالقول: وضع الاحتلال الصهيوني عدة أهداف تتعلق بالشرق الأوسط الجديد قبل معركة «طوفان الأقصى» التي انطلقت في السابع من أكتوبر / تشرين الثاني عام 2023، وقد عرض خريطة الشرق الأوسط الجديد في الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون أي اعتراض من المجتمع الدولي، والتي ظهر من خلالها نية الكيان الصهيوني بالسيطرة الكاملة على لبنان، سوريا، الأردن، مصر، إضافة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، لاستغلال الثروات النفطية، وعسكرة الممرات المائية، عبر إنشاء الممر الهندي – الشرق الأوسط – الأوروبي، بعد التطبيع مع بعض الدول العربية والذي كان قاب قوسين أو أدنى، إلا أن معركة «طوفان الأقصى» قد جمدت هذه المشاريع وعرقلت تنفيذها. وبعد فشل الكيان الصهيوني بإستعادة أسراه المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، على الرغم من الدعم الأمريكي اللامحدود، يتأكد أن العدو الصهيوني لن يتمكن من تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل حقه بتقرير مصيره على أرضه منذ أكثر من 76 عاماً، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.

 

المقاومة متجذرة في الشعب الفلسطيني

 

يعتبر الأستاذ بكر بأن المقاومة ليست مجرد فكرة بقدر ما أنها فطرية تولد مع الإنسان، فأينما يحل الظلم، من البديهي مقاومته للتخلص منه، فكيف إذا كان الظلم يتعلق بكرامة الإنسان وحريته؟ ومن هنا، يمكن القول أن المقاومة باتت تُعرف بإسم الشعب الفلسطيني، إذ أن التاريخ لم يذكر أي شعب ناضل على مدار أكثر من 76 عاماً من أجل الحرية وتقرير المصير وإنهاء الاحتلال سوى الشعب الفلسطيني، والذي يستمر إلى الآن في نضاله ومقاومته، ويدرك الشعب الفلسطيني أن الاستمرار في المقاومة هو السبيل الوحيد لوقف شلالات الدم التي تُسفك كل يوم من قبل العدو الصهيوني على مرأى ومسمع العالم دون أن يحرك ساكناً، وقد خاض الشعب الفلسطيني مسار المفاوضات مع هذا الاحتلال دون جدوى، بل على العكس، زاد التوسع في المستوطنات الصهيونية وسرقة الأراضي، والاعتقالات والقتل والتهجير والتهويد للمكان والزمان.

 

إصرار نتياهو على استمرار الحرب

 

فيما يتعلق باستطلاعات الرأي الصهيونية التي أشارت إلى وجود 71 بالمئة من المستوطنين موافقين على إيقاف الحرب مقابل إطلاق الأسرى الصهاينة، يجيب الأستاذ بكر بأن الكيان الصهيوني لا يختلف مع نتنياهو حول وقف الإبادة الجماعية، بل يختلف معه حول تكتيكات المعركة، وأبرز دليل ان المجتمع الصهیونی بأغلبه كان ضد وقف العدوان الصهيوني على لبنان، ويريد استكمال عدوانه على الشعب اللبناني، كما أن المجتمع الصهيوني يدرك تماماً فشل نتنياهو في حال استمر بالطريقة نفسها، ولكنه يستمر في عدوانه على قطاع غزة لأسباب شخصية تتعلق بملاحقته أمام المحاكم الصهیونیة بتهمة الفساد، والمحكمة الجنائية الدولية بعد أن أصدرت مذكرة اعتقال ضده، إضافةً إلى عقدته الشخصية وهوسه بالقيادات التاريخية الصهیونیة، كما يريد أن يشتري الوقت حتى يتسلم دونالد ترامب الإدارة الأمريكية، من أجل تنفيذ صفقة القرن، وفرض مشاريع التهويد وضم الأراضي الفلسطينية، والتطبيع مع بعض الأنظمة العربية، وتحويل ذلك كإنتصار، يعيد ترميم ذاته وتعويمها في المجتمع الصهيوني.

 

تأثير محكمة العدل الدولية على مجريات الحرب

 

يشير الأستاذ بكر بأن محكمة العدل الدولية أعلنت في 19 تموز/ يوليو 2024 أن الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأن جميع الممارسات الصهيونية لتغيير الطابع التاريخي والديمغرافي لها لن يتم الاعتراف به، وأن على المجتمع الدولي إنهاء الاحتلال الصهيوني خلال عام واحد، وهذا قرار تاريخي يجب التمسك به، إضافةً إلى دعوى جنوب أفريقيا التي تقدمت بها الى محكمة العدل الدولية والتي تؤكد انتهاك العدو الصهيوني لإتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي أصدرت قرارات احترازية لم يلتزم بها العدو إلى اليوم، مما يؤكد نية الاحتلال والقصد الجرمي لإبادة الشعب الفلسطيني. أما المحكمة الجنائية الدولية، فقد أصدرت مذكرة توقيف ضد نتنياهو وغالانت بتهمة القتل الجماعي، وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وهذا إنجاز تاريخي غير مسبوق، إذ أنه لأول مرة يتم الوصول إلى هذه المرحلة من التحقيقات منذ ايجاد الكيان الصهيوني عام 1948.

 

لا تطبيق لمذكرة الإعتقال

 

يشير الأستاذ بكر إلى أن تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية تقع مسؤوليته على الدول الأطراف في نظام روما الأساسي والتي يبلغ عددها 124 دولة أوروبية وآسيوية وأفريقية، وفي حال زار نتنياهو أو غالانت أي من هذه الدول يجب على الدولة المعنية اعتقالهما وتسليمهما للعدالة، وهذا امتحان للدول التي تدعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كما أنه تحد فعلي لتطبيق القانون الدولي.

 

واعتبر أنه من المستبعد أن تنفذ مذكرات الإعتقال ضد نتنياهو إلا في حال تسليم نفسه أو قامت إحدى الدول بتسليمه، وهذا أيضاً مستبعد، لكن في كلا الحالات سيبقى معزولاً دولياً، وأي زيارة رسمية لأي رئيس في العالم له، يعتبر حامي مجرم حرب ومطلوب للعدالة، إضافة الى قرارات الكونغرس الأميركي الذي هدد بفرض عقوبات على قضاة المحكمة وموظفيها أو أي دولة تمتثل لقرار المحكمة، ما يستوجب علينا الذهاب إلى محكمة العدل الدولية أو إلى الجمعية العامة لإدانة قرار الكونغرس الأمريكي واعتباره مخالفاً للقانون الدولي وتحدي لقرارات الشرعية الدولية ومنظمة الأمم المتحدة.

 

مقترحات وقف إطلاق النار

 

يؤكد الأستاذ بكر بأنه ليس هناك أي خيارات لدى الشعب الفلسطيني سوى الاستمرار في مقاومته، لأن المقاومة هي التي تفرض المعادلات السياسية والقانونية، وطالما أن الشعب الفلسطيني مستمر في نضاله ومقاومته فإن حقوقه لن تضيع، لأن الحق لا يضيع مادام وراءه مطالب، مهما زادت المعاناة، فلم يعد للشعب الفلسطيني ما يخسره أكثر من ذلك، إذ ضحى الشعب الفلسطيني بأولاده وبيوته وكل ما يملك من أجل حريته واستقلاله وكرامته، ولن يتخلى عن حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، المتمثلة بحقه في تقرير مصيره على أرضه وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس والعودة إلى دياره التي هجر منها.

 

تهديد الرئيس الأمريكي لقادة حماس

 

يؤكد الأستاذ بكر بأن تهديد دونالد ترامب للمقاومة الفلسطينية يدل على عجزه عن  تحرير الأسرى دون الرضوخ إلى شروط المقاومة الفلسطينية، ولا يستطيع أن يقدم أكثر مما أقدم عليه العدو الصهيوني ومعه إدارة جو بايدن، والتي ارتكبت إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، إضافة إلى الخراب والتدمير الهائل، ومحاصرة قطاع غزة، ومنع الشعب الفلسطيني من الطعام والدواء والكهرباء والماء. ولذلك جميع هذه التهديدات ليس لها قيمة مقابل ما حدث للشعب الفلسطيني.

 

وقف إطلاق النار في غزة

 

يؤكد الأستاذ بكر بأن ترامب سيضغط على الجانب الفلسطيني عبر تطبيق صفقة القرن وضم الأراضي الفلسطينية وحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وفرض عقوبات مالية على المؤسسات الفلسطينية، كما سيقوم بمنع تحويل أي مساعدات لإعادة إعمار قطاع غزة، بهدف دفع الشعب الفلسطيني إلى خارج فلسطين وتنفيذ مخطط التهجير وبعدها ضم 40% من الضفة الغربية. ولا يمكن التوصل لوقف إطلاق النار بالشروط الصهيونية والأميركية الحالية، يؤكد الأستاذ بكر، بأن الصهيوني والأمريكي لا يريدان وقف لإطلاق النار إنما الاستسلام للأمر الواقع، للتفرغ إلى تطبيق مشروعهما، ولذلك لا وقف للحرب إلا بعد التراجع عن المخططات والمشاريع الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والرضوخ إلى شروط المقاومة التي كانت واضحة منذ اليوم الأول، والتي هي وقف العدوان والإنسحاب الكامل من قطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الصهيونية في قطاع غزة.

 

إبادة جماعية مستمرة

 

يشير الأستاذ بكر بأن ما يجري هو إبادة جماعية بكل معنى الكلمة، لاسيما المجازر والمحارق التي ترتكب كل يوم بحق الشعب الفلسطيني، إذ أن العدو لا يفرق بين طبيب، مسعف، أكاديمي، ولا بين منشأة عسكرية ومكان تراثي وحضاري، لأنه يريد تكريس روايته الكاذبة التي تقول أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، كما يحاول سرقة تراث الشعب الفلسطيني ومأكولاته الشعبية، فهو يريد القضاء على الحضارة الفلسطينية، ونسف التاريخ لتزوير الحقائق، ولذلك يلجأ الشعب الفلسطيني إلى تثبيت روايته المحقة، ومواجهة الرواية الصهيونية، عبر الحفاظ على تراثه وعاداته وتقاليده، والصمود في أرضه.

 

المقاومة مستمرة

 

يعتبر الأستاذ بكر بأن المقاومة الفلسطينية تزداد قوةً يوماً بعد يوم، وقد راهن الاحتلال على سقوط المقاومة عبر حصارها وإطالة أمد الحرب معها، وراهن على نفاد ذخيرتها، إلا إن الصواريخ لا تزال تنطلق حتى من الأماكن التي يعلن جيش الاحتلال سيطرته عليها، ومن يراهن على نفاد ذخيرة المقاومة، نقول له أن الشعب الفلسطيني ناضل وقاوم بالحجارة والسكين رفضاً للظلم والاحتلال، ولا يمتلك سوى الأمل، والأمل هو أكبر قوة عرفتها البشرية، وعلى الاحتلال أن يتعلم أيضاً من تجربة أسرى سجن جلبوع الستة الذين تحرروا بملعقة، ومن يراهن على سقوط المقاومة، فإنه لا يعلم معنى المقاومة، ولم يتعلم من تجاربه السابقة الفاشلة مع كل حركات التحرر الوطنية سواء في لبنان، سوريا، اليمن، العراق، كوبا، فيتنام، وكل الشعوب الحرة التي نالت استقلالها بالمقاومة، وأن الارض تخدم أبناءها وتقاوم ضد أي احتلال.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص