صمتُ الحرم.. ونداءُ السيدة زينب(س)

خاص الوفاق : السيدة زينب(س)… تلك التي حملت راية الصبر يوم سقط الأحبة، تلك التي كانت شاهدةً على كل ألمٍ ومحرقة، اليوم تجلس وحيدة. ليس في الحرم سوى ريحٍ باردةٍ تلامس الجدران، وكأنّها أنفاسُ من ودّعوها. عيناها، وهما نافذتان إلى عوالم الحزن، تنظران إلى السماء وكأنّها تحاكي ربّها بصمتٍ، تسأله عونًا لطالما عرفت أنّه لن ينقطع.

د. بتول عرندس

 

كان الليلُ قد أرخى سدوله على دمشق، ولكن في حرم السيدة زينب، لم يكن الليل ككلِّ الليالي. صمتٌ ثقيلٌ يلف المكان، وكأنّ الجدران تخفي حُزنًا عتيقًا، حزنًا يعرفه التاريخ ويحمله قلب زينب منذ كربلاء.

 

السيدة زينب(س)… تلك التي حملت راية الصبر يوم سقط الأحبة، تلك التي كانت شاهدةً على كل ألمٍ ومحرقة، اليوم تجلس وحيدة. ليس في الحرم سوى ريحٍ باردةٍ تلامس الجدران، وكأنّها أنفاسُ من ودّعوها. عيناها، وهما نافذتان إلى عوالم الحزن، تنظران إلى السماء وكأنّها تحاكي ربّها بصمتٍ، تسأله عونًا لطالما عرفت أنّه لن ينقطع.

 

الحرم خالٍ، لكنه يعجّ بصدى الماضي. خطوات الزوّار الذين كانوا يملؤون المكان، أصوات الدعاء والبكاء، كلها ما زالت تتردد في الأركان. الزهراء هنا، فاطمة تُحيط ابنتها بفيض رحمتها، وعليٌّ هنا، قائمٌ كالسيف عند باب الحرم، يحرس كرامة زينب.

 

يا زينب، أما مللتِ من الوحدة؟ أما آن لدموعك أن تجف؟ أمّا يكفيك أنّك كنتِ وحيدة يوم الطفوف، حتى تعودي لتعيشي الوحدة في حرمتك؟ لكنك يا بنت علي، جبلٌ لا ينهار، نارٌ لا تنطفئ، رايةٌ لا تسقط. الحرم هادئ، ولكنه ليس مهجورًا، فما من موضعٍ فيه إلا واحتضن دمعة محبٍّ أو نفثة داعٍ.

 

هي زينب(س)، ليست كغيرها من البشر، هي من تعلّمت الوحدة في الكوفة، والخذلان في الشام، لكنها علمت العالم معنى الصمود. الحرم، وإن خلا، يبقى شامخًا باسمها، وتبقى زينب كما هي، شاهدةً على التاريخ، وحارسةً للحق، حتى وإن كان المكان يخلو من الأجساد، فإن الأرواح لا تفارقه أبدًا.

 

أنا زينبٌ، وابنةُ الطهرِ فاطمِ
كباقي الليالي أُناجيكَ يا عالمي

 

حرامي هنا.. ليس يخلو من النبضِ
فهنا دعا الأحبابُ للهِ والركعِ

 

أأبقى وحيدةً؟ كلا.. فما كنتُ
وحيدةً يوم الطفِّ في وجهِ المُوجَعِ

 

أنا زينبُ الصبرِ، أمي معي دومًا
وأبي عليٌّ سيفٌ على كلِّ موضعِ

 

وهنا جدرانُ الحرمِ تصونُنا دومًا
فما خابَ من تحتَ ظلِّ اللهِ يخشعِ

 

فلا الليلُ يرهبُني، ولا صمتُ الدجى
فأنا النورُ من كربلاءَ المتألِّقِ

 

وإن غابَ زوّارُ المحبةِ من حولي
فهم في القلوبِ، لا عنّي بمُتراجعِ

 

أنا زينبُ الحقِّ، أقولُ لدنيايَ
حرمي باقيًا، واللهُ حارسي وراعي.

 

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة