ولفتت في موجز بحثي، بعنوان “السماء أمطرت صواريخ: ينبغي التحقيق في الغارات الجوية على لبنان بوصفها جرائم حرب”، إلى أنها “وجدت أن القوات “الإسرائيلية” قصفت بصورة غير قانونية مباني سكنية في قرية العين في البقاع الشمالي في 29 سبتمبر/أيلول، وقرية أيطو شمال لبنان في 14 تشرين الأول/أكتوبر، وفي مدينة بعلبك في 21 تشرين الأول/أكتوبر. كذلك هاجمت بصورة غير قانونية مقر البلدية في النبطية في جنوب لبنان في 16 تشرين الأول/أكتوبر”، مؤكدة أن الجيش “الإسرائيلي” لم يصدر إنذارات قبل شن أي من هذه الغارات.
وقالت كبيرة مديري البحوث في المنظمة إريكا جيفارا روساس: “إن هذه الهجمات الأربع تجسّد الاستهتار الصادم من جانب “إسرائيل” بحياة المدنيين في لبنان واستعدادها لانتهاك القانون الدولي”.
أضافت: “يتعيّن على الحكومة اللبنانية أن تدعو بصورة عاجلة لعقد جلسة خاصة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإنشاء آلية تحقيق مستقلة في الانتهاكات والجرائم المزعومة التي ارتكبتها جميع الأطراف في هذا “النزاع”. كذلك يجب عليها منح الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي والمرتكبة على الأراضي اللبنانية”.
ولفت البيان إلى أن منظمة العفو الدولية أجرت مقابلات مع 35 شخصًا من الناجين والشهود، وأجرت مسحًا لمواقع الغارات في النبطية، وأيطو، ومدينة بعلبك، وزارت أحد المستشفيات، حيث تلقى بعض المصابين العلاج. والتقط الباحثون أيضًا صورًا لبقايا الذخائر المُستخدمة في الهجمات لكي يعرّفها الخبراء المختصون بهذه المهمّة في المنظمة. كما تحقق فريق البحث من صحة عشرات مقاطع الفيديو والمواد المُصوَّرة التي حصلوا عليها من مصادر محلية والمتوفرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفحصوا صور الأقمار الصناعية لمواقع الغارات.
أضاف: “بعثت المنظمة برسالة إلى السلطات في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، طلبت فيها معلومات حول الأهداف العسكرية التي استُهدفت في هذه المواقع والتدابير التي اتُخذت لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين أو التقليل منها إلى أدنى حد، لكنّها لم تتلقَ ردًا قبل نشر هذا البيان”.
عائلات بأسرها قُضي عليها في منازلها
وتابع البيان: “في 29 أيلول/سبتمبر، عند قرابة الساعة 4:50 صباحًا بالتوقيت المحلي، دمرت غارة “إسرائيلية” استهدفت مشارف قرية العين، منزل عائلة الشعار السورية، فأودت بحياة جميع أفراد العائلة التسعة الذين كانوا نائمين بداخله”.
ولفت إلى أن “إبراهيم الشعار، وهو الناجي الوحيد من أفراد العائلة لأنه لم يكن في المنزل تلك الليلة، قد أخبر منظمة العفو الدولية بأنه لا يملك أي فكرة عن سبب استهداف منزله”.
وبحسب بيان المنظمة الدولية، فإن مختار القرية يوسف جعفر أكّد لمنظمة العفو الدولية أن عائلة الشعار عاشت في القرية لسنوات، وقال: “هذا منزل مدني، وليس هناك هدف عسكري بداخله بتاتًا. فهو مليء بالأطفال. وهذه العائلة معروفة جيدًا في البلدة”.
وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أنه “في غارة منفصلة وقعت في 21 تشرين الأول/أكتوبر عند الساعة 5:45 صباحًا بالتوقيت المحلي، أصابت القوات “الإسرائيلية” حيّ النبيّ إنعام في بعلبك، فدمرت مبنىً يؤوي 13 فردًا من آل عثمان. وأودت الغارة بحياة ستة أفراد – امرأتان وأربعة أطفال – وأصابت السبعة الآخرين بجروح”.
وقالت فاطمة درائي التي فقدت ولديها حسن، 5 سنوات، وحسين، 3 سنوات، في الهجوم، لمنظمة العفو الدولية: “أيقظني ابني، كان عطشانًا وأراد أن يشرب. فأعطيته ماءً وعاد إلى النوم، حاضنًا شقيقه […] وعندما احتضن شقيقه، ابتسمت. كان قلبي راضيًا ومطمئنًا، وقلت في نفسي سأخبر أباه عن هذا الحضن، لمّا يعود، ليرى كم أن ولده حنون وعاطفي. وذهبت لأصلي، ثمّ انفجر كلّ شيء من حولي. وانفجرت عبوة غاز، فأحرقت قدمي، وفي غضون ثوانٍ، التهمت النار غرفة أطفالي”.
وأشارت المنظمة إلى أنه “بالنظر إلى أن جميع أولئك الذين قُتلوا في هذين الهجومين كانوا مدنيين، ولأن منظمة العفو الدولية لم تعثر على أي دليل على وجود أهداف عسكرية في المنزلين أو بجوارهما مباشرةً، فهذا يثير بواعث قلق جدية بأن الغارتين على منزليّ الشعار وعثمان كانتا ضربتين مباشرتين على مدنيين وأعيان مدنية. ويجب التحقيق في هذه الغارات باعتبارها جرائم حرب”.
هجوم في شمال لبنان يقتل 23 مدنيًا
وتابعت منظمة العفو الدولية توضيح توثيقها بالقول: “دمرت غارة جوية “إسرائيلية” في 14 تشرين الأول/أكتوبر مبنى في أيطو، فقتلت 23 مدنيًا كانوا قد نزحوا من جنوب لبنان”.
ولفتت إلى أن “ألين هي أصغر ضحية في المبنى، وهي طفلة عمرها خمسة أشهر قذفها عصف الانفجار من المنزل فسقطت في شاحنة صغيرة كانت مركونة بالجوار، وقد عثرت عليها فرق الإنقاذ في اليوم التالي للغارة”.
وبيّنت المنظمة أنها زارت “موقع الغارة وشاهد (محققوها) كتب الأطفال، وألعابهم، وملابسهم، وأدوات الطهي بين الركام حيث كان موقع المنزل سابقًا”، مشددة على وجوب التحقيق في هذا الهجوم باعتباره جريمة حرب.
وأضافت: “لقد حلّل خبير الأسلحة في منظمة العفو الدولية شظية من الذخيرة وُجدت في موقع الغارة، وبناءً على حجمها، وشكلها، والحوافّ الناتئة لغلاف المعدن الثقيل، حُددت على الأرجح بأنها قنبلة جوية من سلسلة أم كيه – 80 (Mk – 80)، ما يعني أن زنتها كانت لا تقل عن 500 رطل. والولايات المتحدة الأميركية هي المُورّد الرئيسي لهذه الأنواع من الذخائر إلى “إسرائيل””.
وقالت جنان حجازي، إحدى الناجيات، والتي فقدت طفلتها رقية عيسى البالغة من العمر 11 شهرًا: “لقد فقدت كلّ شيء، عائلتي بكاملها، ووالديّ، وأشقائي، وابنتي. أتمنى لو أنني متُ في ذلك اليوم أيضًا”.
الغارة على مقر البلدية في النبطية
وتابعت المنظمة: “خلال صبيحة 16 تشرين الأول/أكتوبر، أصابت غارة جوية “إسرائيلية” مقر البلدية في مدينة النبطية في جنوب لبنان، فقتلت 11 مدنيًا، من ضمنهم رئيس البلدية، وأصابت ما لا يقل عن ثلاثة مدنيين آخرين بجروح. وقد شُنّت الغارة الجوية من دون إنذار، في اللحظة التي كانت تعقد فيها خلية الأزمة في البلدية اجتماعًا لتنسيق تسليم المساعدات، بما فيها المواد الغذائية، والماء، والأدوية، إلى السكان والنازحين الذين فروا من القصف في مناطق أخرى من جنوب لبنان”.
ولفتت إلى أنها “لم تعثر على أي دليل على وجود هدف عسكري في مقر البلدية عند وقوع الهجوم”.
اختتمت إريكا جيفارا روساس التقرير بالقول: “لدى “إسرائيل” سجل مريع في شن غارات جوية غير مشروعة في غزّة وفي الحروب السابقة في لبنان، موقعةً خسائر فادحة في صفوف المدنيين. وفي الحرب الراهنة، جمعنا ما يكفي من الأدلة التي تشير إلى تنفيذ القوات “الإسرائيلية” غارات جوية غير مشروعة”، وأكدت أن “الحاجة ماسّة لوقف مبيعات الأسلحة إلى “إسرائيل” من جانب جميع الدول، لا سيما الولايات المتحدة، بسبب خطر استخدامها في ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني”.