سهامه مجلسي
تحظى الحرب النفسية لدى الحكومات على المستويات كافة بأهمية عظيمة، وتلقى الاهتمام والعناية والرعاية، وتقوم الدول بتوظيف كل الامكانات والقدرات والموارد سواء البشرية أو المادية في سبيل الحرب النفسية ، بوصفها أخطر أسلحة الحرب فتكاً، وأشدها تأثيراً، وأكثرها خطراً، وأقلها تكلفة؛ الحرب النفسية تثير الفتن والقلاقل والصراعات في جبهة العدو الداخلية وقتل الروح المعنوية، كذلك كسر إرادة صمود العدو، وتدفعه الى الاستسلام، بعد كبح وعيه واندفاعه، وهي تعمل على سلب قواه الرمزية الفاعلة، وتجعله يتقهقر بطريقة لا إرادية، مخلّفاً وراءه الخسائر الجسيمة، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الدكتورة اللبنانية ميرنا عطية رئيسة الجمعية العلمية لخبراء المعلوماتية وفيما يلي نصه:
التکنولوجیا اساس الحرب النفسیة للعدو
تشير الدكتورة ميرنا عطية بان العدو عمد منذ بداية الحرب على غزة إلى الحرب النفسية بهدف تحقيق الردع، من خلال قنواته الإعلامية ووسائل التواصل عبر سرد الروايات الكاذبة أمام الرأي العام العالمي، إلى آلة القتل والدمار، إلى إظهار قوته التكنولوجية في جمع البيانات وفي ضرب الأهداف المحددة، إلى توجيه رسائل نصية وصوتية للأهالي بهدف ترويعهم وإرهابهم، إلى ضرب القيادات، إلى رفع السقف في وضع أهدافه. ولا ننسى أيضًا سعيه لتحريك عملائه في الداخل والخارج. وهنا أحب أن أشير إلى أن الكيان الصهيوني، صحيح أنه يمتلك تكنولوجيا عالية الجودة ولديه الأقمار الاصطناعية تحت تصرفه، ويستخدم الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يجب أن لا نغفل بأن محور المقاومة أيضًا يستخدم التكنولوجيا ويستخدم الذكاء الاصطناعي، فهو لديه المسيّرات الذكية ولديه الصواريخ الدقيقة، واستطاع كشف العديد من مواقع العدو ومنشآته ونقاط ضعفه، ولا تزال لديه مفاجآت كثيرة أخرى إن شاء الله. إضافة إلى ذلك، المحور لديه أمران مهمان لا نجدهما لدى العدو، اولاً: لديه عقيدة إيمانية كبيرة بأن الله معه وهو من ينصره لأنه ينصر الحق وأهل الحق؛ ثانياً: لديه بيئة حاضنة قوية صابرة مؤمنة محتسبة.ورغم كل ما قام به العدو الصهيوني من ترهيب بالسلاح والقتل والدمار وبالحرب النفسية، منذ بداية الحرب على غزة، ثم ضربة البيجرات وضربة الوولكي تولكي في لبنان، ثم ضرب القيادات من الصف الاول والثاني، وترويع الناس كل ليلة بإخلاء بيوتهم، إلا أن هذا لم يؤثر على عزيمة المقاومة، بل وعلى العكس، فقد زادهم قوة وعزيمة وكان حافزًا لهم للانتقام لقادتهم ولأهلهم، وقد ظهر ذلك في الميدان. فلا الصواريخ توقفت، بل وزاد زخمها نحو المستوطنات الشمالية ونحو حيفا وتل ابيب، ولم تنكفىء المقاومة ووجدناهم على الحدود أكثر شراسة، وإيمانهم لم يتزعزع قيد أنملة وها هم يكملون الطريق، ولم يتوقف ضرب السفن من جهة اليمن ولا ضرب القواعد الأميركية من جهة العراق، وردت إيران برد مزعزع. والأهم من ذلك كله أنهم لم يستطيعوا أن يهزوا بيئة المقاومة التي تدعم المقاومين والتي ورفضت إنهاء الحرب بالشروط الصهيونية، وأصرت على أن لا تخرج من المعركة الا عزيزة منتصرة، رغم كل معاناة الفقد والنزوح والدمار والجراح.
وحتى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار من قبل العدو، بسبب الضربات الموجعة التي تلقاها في الميدان على أيدي رجال الله، وبعد فشله من تحقيق أهدافه، وغضب الشارع الصهيوني من هذه التنازلات المذلة لهم، حاول العدو إخفاء كل هذه الإخفاقات من خلال توغله في بعض الأحياء الحدودية لبلدة الخيام التي كانت عصيّة عليه أثناء الحرب، مستفيدًا من التزام المقاومة بقرار الهدنة، ومن خلال ترويع أهالي الجنوب الذين عادوا إلى ديارهم منذ اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار، وبدأوا بنفض غبار الحرب، لكي يظهر سيطرته.
وأحب أن أضيف هنا، بأن العدو هو الذي حاول الاستفادة من أسلوب المقاومة في الحرب النفسية وليس العكس. فمثلا، اعتادت المقاومة بشخص قائدها سيد شهداء الامة حسن نصر الله أن لا ترد مباشرة، وأن تقول بأنها سترد في الوقت والمكان اللذين تراهما مناسبين، وبالطريقة التي تراها مناسبة، وهذا الأسلوب كان يسبب القلق والذعر لهذا العدو الغاصب. مثال آخر، إن المقاومة لا تكشف كل أوراقها ودائماً تعد بالمفاجآت وهذا ايضاً عنصر ضاغط على العدو. وهذا ما حاول العدو الاستفادة منه، فيقول بأن لديه مفاجآت أخرى. والحرب النفسية هو سلاح العدو الصهيوني افشلته المقاومة.
مقاومو حزب الله هم أهل الجنوب وأهل الأرض
تلفت الدكتورة ميرنا عطية: العدو يمارس الحرب النفسية علينا، ويلجأ دائمًا إلى رفع سقف أهدافه «كالمطالبة بإخلاء 8 إلى 10 كلم داخل الجنوب اللبناني من عناصر حزب الله كي يعود المستوطنون إلى الشمال الفلسطيني، والإصرار على نزع سلاح المقاومة، والتأكيد على عودة المختطفين، والقضاء على القوة الصاروخية للمقاومة …» وهو يعلم تماماً أن مقاومي حزب الله هم من أهل الجنوب وهم أهل هذه الأرض، ويعلم تماماً أنه لن يسلم سلاحه لأنه سلاح الدفاع عن الأرض والعرض، ويعلم أنه ليس لديه القدرة على القضاء على قوة حزب الله الصاروخية. هذا العدو لا يستطيع سوى تحريك آلة القتل والدمار وعن بعد، أما في الميدان وجهاً لوجه، هو لم يستطع التقدم خلال فترة الحرب، وكل منطقة يحاول دخولها يتم دحره، وينكشف أكثر فأكثر بأنه أوهن من بيت العنكبوت.
في المقابل، عمدت المقاومة إلى:
– عرض بعض المقاطع التي تظهر تقدمها في الميدان ونشر بعض ضرباتها لجنود العدو ولدباباته ومسيّراته.
– عرض فيديوهات «عماد» التي تظهر القوة الصاروخية لها، وفيديوهات الهدهد التي تبيّن قوة معلومات المقاومة حول المراكز الحيوية والعسكرية الحساسة للعدو.
– تكذيب مزاعم العدو عن ضرب 80% من القوة الصاروخية لحزب الله باستمرارها في إطلاق عشرات الصواريخ يوميًا.
– إبراز ضعف العدو وانسحابه شيئاً فشيئاً من المعركة في مقابل إبراز ثبات المقاومين على الأرض.
– تبيان أن هذا الكيان لم يعد آمنا لمستوطنيه المحتلين إلى الأبد.
– إبراز صورة قادتهم الذين لا يأبهوا لأسراهم.
– التركيز على انهيار اقتصادهم «خاصة الشركات الناشئة للتكنولوجيا والتي خسرت 60% من مستثمريها منذ الشهر الثالث لطوفان الأقصى».
– عدم تعرضها للمدنيين رغم إجرام العدو بحق المدنيين واكتفائها بضرب المواقع العسكرية والمنشآت المهمة.
إن إبراز كل هذه المعطيات للعدو ولأهلنا في آن معًا مهم جدًا، فهذا يحبط العدو ويظهر ضعفه من جهة، ويحفز أهلنا ويساعدهم على الصبر أكثر من جهة أخرى.
تحفيز بيئتنا للصمود أكثر والصبر تجاه القضية الحقّة
تؤكد ميرنا عطية بأن العدو الصهيوني يستخدم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والجيوش الإلكترونية «محاولًا الاستفادة من المؤثرين والناشطين على وسائل التواصل وتجنيدهم لصالحهم» والذباب الإلكتروني «أي البرامج الصغيرة والحسابات الوهمية لبث الإشاعات المغرضة واثارة الرأي العام وإشاعة الفتن» كجبهات في الحرب النفسية علينا.
ونحن أيضًا يمكننا أن نحاربه بنفس وسائله، ولكن ليس بنفس طريقته: فهو يلجأ للكذب وترويج أكاذيبه وسردياته عبر هذه الوسائل التواصلية وعبر جيوشه الإلكترونية وبرمجياته الخبيثة. ولكن نحن يمكننا أن نبدد هذه الأكاذيب ونظهرها للعالم كله، وليس فقط لبيئتنا، من خلال نفس وسائل التواصل ولكن بطريقة شريفة ليس فيها خداع وكذب.
وهنا، كلنا مسؤولون، من علماء دين وأكاديميين وسياسيين واجتماعيين وكل من يعمل في الشأن العام، في التصدي لنشر الوعي وإظهار الحقائق وتحفيز بيئتنا للصمود أكثر والصبر تجاه القضية الحقّة، من خلال المحاضرات، والبرامج التوعوية، والبوسترات، والرسائل الصوتية أو المكتوبة، والفيديوهات والإنفوغراف، وكل ما نمتلك من مقدّرات وإمكانيات.
خلاصة: إن الحرب النفسية موجودة منذ القدم؛ ولكن أدواتها وتقنياتها ووسائلها تختلف من زمن لآخر. وفي السنوات الأخيرة، تنوعت تقنيات التأثير على وعي الخصم وتطورت بوتيرة متسارعة، وأصبح العدو يعمل على تحريف الصورة التي يقرأها الجمهور من خلال وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، ويعمد أحيانًا إلى حد خلق “واقع بديل” حقيقي. وقد ساهمت في ذلك أسباب اجتماعية ونفسية وإعلامية وتكنولوجيّة كثيرة ومتنوعة، مما ساهم في كسب الوصول المباشر إلى وعي شرائح متنوعة من الجمهور، فتؤثر عليه وتشوهه.
لذلك، نحتاج في مجتمعنا إلى جبهة مضادة تساعدنا على تحصينه وتوعيته على جميع الصعد ثقافيًّا، دينيًّا، سياسيًّا، وبكل ما نملك من وسائل.