بعد الاحداث الاخيرة التي شهدتها سوريا

قراءة أكاديمية وتحليل شامل للتداعيات الإقليمية والدولية

خاص الوفاق : رغم التحديات، أثبتت إيران قدرتها على إدارة الأزمات عبر استراتيجيات مبتكرة مثل تطبيق «بروتوكول أفغانستان»، الذي يهدف إلى تحويل الوجود الأميركي في سوريا إلى عبء اقتصادي وعسكري.

2024-12-14

د. أكرم شمص خبير في العلاقات الدولية

 

مقدمة

 

شهدت سوريا تحولات جذرية بعد  الرئيس بشار الأسد، حيث باتت البلاد تعيش حالة من التناحر الداخلي واستغلال القوى الخارجية للأزمة. في خضم هذه الفوضى، برزت مرحلة «التمحيص وتمايز الصفوف» التي تُمثّل اختبارًا ضروريًا لتماسك محور المقاومة، حيث تتطلب هذه المرحلة الصبر والبصيرة لإعادة بناء القوة وتنظيم الصفوف. وان استغلال العدو الصهيوني لهذا الانهيار كان لافتًا، من خلال قصف المطارات والمواقع العسكرية والسيطرة على مواقع استراتيجية، مما عزز نفوذه على مشارف دمشق في ظل غياب مقاومة فعالة.

 

لقد تجاهل البعض نصائح الإمام القائد السيد علي الخامنئي، خاصة فيما يتعلق بتحرير شرقي الفرات واستثمار الموارد الاقتصادية، مما أدى إلى انهيار استراتيجي أضعف قدرات الجيش وأهدر الفرص لتعزيز الصمود. بالمقابل، برزت الجمهورية الإسلامية الإيرانية  كقوة إقليمية مؤثرة عبر تطبيق فلسفة «بروتوكول أفغانستان»، حيث نجحت في تحويل الوجود الأميركي في سوريا إلى عبء اقتصادي وعسكري. أما حزب الله، فقد أظهر مرونة استراتيجية بفضل انسحابه المدروس من الجبهات السورية، ما مكّنه من تجنب استنزاف عسكري ومواصلة دوره في حماية لبنان وتعزيز محور المقاومة.

 

في ظل هذه التحولات، استغل العدو الصهيوني الوضع لدعم الجماعات المسلحة شمال سوريا، بهدف تفكيك محور المقاومة وخلق بيئة تقبل التطبيع معه. بينما تواجه سوريا مرحلة انتقالية معقدة تتطلب إعادة بناء الدولة على أسس وطنية، وتبرز الحاجة إلى استراتيجيات متماسكة للحفاظ على وحدة الصف ومواجهة التحديات الإقليمية. تبقى الدروس المستفادة من هذه الأزمة دافعًا لإعادة تقييم التحالفات والاعتماد على تنظيم عقائدي معاد للعدو الصهيوني فعّال لضمان استقرار المنطقة ومواجهة التدخلات الخارجية.

 

رؤية الجمهورية الإسلامية لسوريا

 

1- المحور العقائدي:

 

  • محورية سوريا في محور المقاومة: تعتبر الجمهورية الإسلامية، سوريا ركيزة أساسية لمحور المقاومة، حيث تشكل جسرًا استراتيجيًا يصل إيران بلبنان وفلسطين.
  • غياب الاستعداد العقائدي: نبهت الجمهورية الإسلامية الشقيقة سوريا بعدم الاعتماد على الجيش التقليدي فقط دون بناء تنظيمات عقائدية موازية معادية للكيان الصهيوني. في حين أن دول محور المقاومة، مثل إيران والعراق ولبنان، طورت قوات عقائدية (كالحرس الثوري وفصائل المقاومة)، ولم تنجح سوريا في تطوير قوة مشابهة قادرة على تحمل التحديات.

2- الفرص الضائعة:

 

  • إهمال تحرير شرقي الفرات: دعت القيادة الإيرانية مرارًا سوريا إلى التركيز على تحرير شرقي الفرات، حيث تسيطر القوات الأميركية على مصادر الطاقة الحيوية. وكانت هذه الخطوة ستعزز من قدرة الدولة السورية على الصمود اقتصاديًا وعسكريًا، لكنها لم تجد استجابة.
  • عدم مواجهة الاحتلال الصهيوني: غياب الردع الفعلي ضد الاحتلال الصهيوني الذي استغل ما حصل في سوريا لقصف المطارات والمواقع العسكرية السورية يعكس قصورًا في التخطيط الاستراتيجي السوري.

 

الاستغلال الصهيوني للوضع السوري

 

1- القصف الممنهج:

 

  • استهداف المواقع العسكرية: منذ اليوم الأول لما حصل في سوريا، نفذ العدو الصهيوني حملة عسكرية ممنهجة استهدفت المطارات والقواعد العسكرية، بهدف القضاء على أي تهديد مستقبلي من سوريا أو محور المقاومة.
  • السيطرة على المواقع الاستراتيجية: بسط العدو الصهيوني سيطرته على مناطق استراتيجية، مثل جبل الشيخ وتلة حرمون والقنيطرة وأجزاء من ريف دمشق، مما يعزز تفوقه الاستراتيجي في المنطقة.

 

1- التركيز الإعلامي المشبوه:

 

  • تحويل الأنظار: في الوقت الذي كان الإعلام يركز على قضايا تمثيلية مثل سجن صيدنايا، تم تجاهل الاعتداءات الصهيونية المتكررة. هذه الاستراتيجية الإعلامية تهدف إلى تقليل أهمية الخطر الصهيوني وإبراز الانقسامات الداخلية.
  • تغييب الجولاني: لم يصدر عن هيئة تحرير الشام (الجولاني) أو أي فصيل آخر استنكار أو مقاومة ضد العدوان الصهيوني، مما يثير تساؤلات حول أجندتهم الحقيقية ودورهم في هذا المخطط.

 

التحولات في شمال سوريا ودور الفصائل المسلحة

 

أ- انقسامات بين الفصائل:

 

  • تناحر بين الفصائل المسلحة: تشير التوقعات إلى أن سوريا ستشهد أشهرًا صعبة من الصراعات بين الفصائل المختلفة على النفوذ والمصالح. هذا التناحر سيؤدي إلى مزيد من الفوضى والتشرذم.
  • غياب المشروع الوطني الجامع: عدم وجود رؤية وطنية موحدة بين الفصائل يجعل من الصعب تحقيق استقرار سياسي أو أمني، مما يفتح المجال لتدخلات خارجية متزايدة.

 

ب. من سوريا المقاومة إلى سوريا الضعيفة:

  • انهيار الدولة الوطنية: التغيرات الحالية تشير إلى انتقال سوريا من موقع الداعم للمقاومة إلى دولة ضعيفة تسعى لتحقيق تسوية مع الكيان الصهيوني. هذا التحول يهدد مستقبل محور المقاومة بأكمله.
  • الرهان على التطبيع: بعض الفصائل المعارضة بدأت تروج لفكرة السلام مع العدو الصهيوني كجزء من المرحلة القادمة، مما يعكس خطرًا على الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية.

 

تداعيات ماحصل في سوريا على محور المقاومة

 

  • ضغوط على خطوط الإمداد:

    سيطرة العدو الصهيوني على مناطق استراتيجية مثل القنيطرة وجبل الشيخ تهدد خطوط الإمداد بين إيران ولبنان. هذا التطور يعقد عمل محور المقاومة، لكنه يدفعه في الوقت نفسه إلى إعادة ترتيب أوراقه.
  • تعزيز دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية:

    رغم التحديات، أثبتت إيران قدرتها على إدارة الأزمات عبر استراتيجيات مبتكرة مثل تطبيق «بروتوكول أفغانستان»، الذي يهدف إلى تحويل الوجود الأميركي في سوريا إلى عبء اقتصادي وعسكري.

 

 التدخل الدولي والإقليمي: تفاهمات وتنافس

 

1- الاتفاق الإقليمي ومسار الانتقال

أثمرت التفاهمات بين دول آستانة (روسيا، إيران، وتركيا) عن اتفاق غير معلن لنقل السلطة سلميا في سوريا. وركز الاتفاق على حماية المراقد الدينية، منع التطهير العرقي، والحفاظ على مؤسسات الدولة.

2- التأثير الروسي

رغم تقديم روسيا نفسها كحليف استراتيجي لدمشق، استغلت الأزمة السورية لتحقيق مكاسب في أوكرانيا ومناطق أخرى. وسيطرتها على قرارات الجيش السوري، وفرض مصالحات مشوهة، أدى إلى تآكل السيادة السورية.

 

العدو الصهيوني والولايات المتحدة.. أهداف مشتركة

 

  1. تعزيز النفوذ الصهيوني:
    الوجود الصهيوني في مناطق مثل جبل الشيخ والقنيطرة يعزز قدرته على مراقبة المنطقة وتأمين حدوده. هذه التحركات تخدم أهداف العدو الصهيوني في إضعاف محور المقاومة وإقامة بيئة سياسية جديدة تقبل التطبيع معه.

 

2- الدور الأميركي:

الولايات المتحدة، عبر دعمها للفصائل المسلحة، تسعى إلى تقويض نفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا، مع ضمان وجودها العسكري في المناطق الغنية بالموارد.

 

خاتمة

ما حصل في سوريا يعكس تحولًا جيوسياسيًا عميقًا في المنطقة، حيث استغل الكيان الصهيوني هذا الفراغ السياسي والعسكري لتوسيع نفوذه عبر استهداف مواقع استراتيجية، مثل القنيطرة وجبل الشيخ، وفرض واقع جديد يُهدد محور المقاومة. هذه الأزمة الناتجة عن تداخل عوامل داخلية وخارجية تبرز الحاجة الملحة لتنظيم عقائدي قوي قادر على مواجهة الاحتلال ومخططاته. ان رؤية الجمهورية الإسلامية تستند إلى ضرورة استثمار الفرص الاستراتيجية، كتحرير شرقي الفرات، وتعزيز التوازن بين الحلفاء لضمان الاستقرار. بينما تواجه سوريا تحديات كبرى تشمل صراعات داخلية وخطر التطبيع مع الاحتلال، فإن محور المقاومة يحتاج إلى إعادة صياغة استراتيجياته، مع الحفاظ على وحدة الصف الوطني والإسلامي لمواجهة التحديات المقبلة وحماية المصالح الاستراتيجية للمنطقة.

المصدر: الوفاق/ خاص