موناسادات خواسته
إنّ أدب وشعر المقاومة من أوسع میادین الأدب العربي، وكثير من الشعراء یتمحور شعرهم حول هذا الأدب، فالشاعر المقاوم علیه أن یشحن الأمل إلى التحریر في عروق الشعب ویحثّهم حتّى یدخلوا میادین الصراع، كما أنه ينشد عن أبطال المقاومة.
الأحداث الأخيرة التي جرت في العالم ومنها إغتيال قادة المقاومة، تركت تأثيرها في محبي المقاومة، وأدّت إلى إنشاد أشعار لهم، فمنها الأشعار التي أنشدها الأديب والخبير في العلاقات الدولية والإعلام وتحليل الخطاب، الدکتور “حسن بشیر” أستاذ جامعة الإمام الصادق(ع) في طهران، فأجرينا حواراً مع الأستاذ حول أدب المقاومة، فيما يلي نصه:
دور أدب وشعر المقاومة في المجتمع
بداية تحدث الدكتور “حسن بشير” عن دور أدب وشعر المقاومة في المجتمع، قائلاً: أدب المقاومة والخطاب العالمي للمقاومة في المنطقة وفي کل العالم، کان وما زال له دور کبیر ومؤثر في تصعید وتطویر الوعی العالمي وتعزیر روح النضال والجهاد ضد الظلم والإضطهاد وخاصة الأمریکي والصهيوني في المنطقة وعلی الصعید العالمي.
الأدب في الحقیقة هو الروح السیّالة للفرد والمجمتع یدخل القلوب ویغیّر النفوس. وأدب المقاومة هو الصوت المعبر عن روح المقاومة في المجتمعات التي تقاوم الظلم والإضطهاد وهذا الأدب في نفس الوقت یُعبّر عن معناة الأمم وآمالها وهویتها وتطلعاتها للمستقبل. هذا النوع من الأدب والذي إکتسح مساحة كبيرة من الأدب، إضافة علی دوره في جمال اللغة وصیاغة الشعر علی سبیل المثال، أخذ یتجاوز هذه الجوانب الجمالیة، لیصبح بسرعة أداة فعالة وقوية للتحفیز والتعبئه والتوعیة الفردیة والإجتماعیة.
أحاول أن أشیر هنا إلى هذه القدرات الخاصة في أدب المقاومة وأسلط الضوء علی بعضها:
تصعید النضال والمقاومة
الأدب وخاصة الشعر من أهم ألادوات والوسائط لتحفیز وتصعید روح النضال والجهاد والمقاومة بین الشعوب. أتذکر من أیام شبابي حین کنت أترنم بأشعار أبي القاسم الشابي، الشاعر التونسي المعروف، وخاصة شعره الذي یبدأ بهذا البیت: “إذا الشعب يوماً أراد الحياة؛ فلابد أن یستجیب القدر”. هذا النوع من الشعر، أصبح شعاراً مهماً للثورات والجهاد في العالم الاسلامي والعربي ضد الإستعمار والظلم والإضطهاد.
تعزيز التضامن والوحدة بین الشعوب
الأدب بصورة عامة وأدب المقاومة بشکل خاص یربط بین آحاد المجتمع المقاوم ویحثّهم علی تعزیز الوحدة والتضامن في نضالهم وجهادهم ویُشعر کل فرد من ذلک المجتمع بأنه لیس وحده في المعرکة وهناک دعماً جماعیاً وجماهیراً في طریق النضال والمقاومة.
التعبیر عن آمال وآلام الشعوب
من أهم الأمور التي یقوم بها أدب المقاومة هو التعبیر عن الظلم والإضطهاد التي تتعرض له الشعوب علی شتی مستویات الإحتلال، الإستبداد أو القمع. هذا الأدب یصف المآسي والآلام بأسلوب إنساني وعاطفي یعکس عمق المأساة للنفس الإنسانیة في کل مکان ویشعرها بعمق المعاناة والظلم. ومن جهة أخری فإن أدب المقاومة یبرز ویعزز الأمل رغم الألم ویغرس الآمال في نفوس المجتمع المقاوم للتعبیر عن إیمانهم بالتحرر والکرامة مهما طالت الآلام والمحن والمآسي.
إحیاء التراث الثقافي وتعزیز الهویة الوطنیة
أدب المقاومة هو أدب إحیاء التراث الثقافي والرموز الوطنیة لتعزیز الهویة الجماعیة في المجمتع. وفي نفس الوقت یقاوم محاولات الطمس الثقافي في زمن الإحتلال وتهمیش الهویة الوطنیة.
تسجيل تاریخ المقاومة والإعتراض
أدب المقاومة یدوّن ویسجل و ثبت تاریخ المقاومة والإعتراض للأجیال القادمة باعتباره وثیقة تاریخیة مهمة تُعبّر عن الأحداث التي جرت في المجمتع في طریق النضال والجهاد والمقاومة بعیداً عن الروایات الإعلامیة أو الرسمیة.
تخليد أبطال وشهداء المقاومة والجهاد
أدب المقاومة هو أدب تخلید وتمجید أبطال وشهداء المقاومة والجهاد، لیبقی ذکرهم وتاریخهم وإرثهم مصدراً مهماً للأجیال القادمة في طریقهم ضد الظلم والإضطهاد.
إیصال رسالة المقاومة إلی العالم الخارجي
أدب المقاومة یقوم بکشف حقائق وقضایا المقاومة وخاصة في جوانبها الإنسانیة والعاطفیة ولذلک فهو رساله مهمة إلی العالم یعکس آلام الشعوب المضطهدة من جهة ومن جهة أخری تضامنهم ومقاومتهم للإحتلال والظلم والإضطهاد کما حدث مع الأدب الفلسطیني.
وفي هذا المجال یمکننا أن نعطي بعض الأمثلة حول أدب وشعر المقاومة في العالم العربي. فعلی سبیل المثال: محمود درویش من أبرز شعراء المقاومة الفلسطینیه حیث سجل أشعاراً جسّد فیها معاناة الشعب الفلسطیني. “غسّان کنفاني” في روایاته مثل “عائد إلی حیفا” عبّر عن معاناة اللاجئین الفلسطینین وقضیة العودة إلی أرض الوطن. “محمد دیب” من الجزائر، کتب عن نضال و کفاح الشعب الجزائري ضد الإحتلال والإستعمار الفرنسي.
أشعار عن قادة المقاومة
الأستاذ لديه أشعار جميلة عن قادة المقاومة نشرناها سابقاً، فسألنا عن الدافع لإنشادها، حيث قال: من أهم العوامل التي بعثت في إنشاد هذه الأشعار هو الإحتفاء بقيادات المقاومة وتعريف المجتمع بموقعهم على طريق المقاومة ضد الظلم والاستبداد. وبطبيعة الحال فإن لغتنا عاجزة عن تمجيد وشرح مكانة هؤلاء الأبطال والشخصيات العظيمة في تاريخ المقاومة والجهاد.
لكننا نحاول أن نقوم بذلك بشكل یتناسب مع قدراتنا الأدبیة المتوفرة لدينا حتى تكون الأجيال القادمة على دراية بالجهاد والصمود ومقاومة هؤلاء الأبطال ولن ننسى إسمهم و ذكراهم. وطبیعي إن الأشعار عن قادة المقاومة تُعتبر من أروع أشكال التعبير الأدبي، حيث تحمل في طياتها تمجيداً للبطولة، وتخليداً للتضحيات التي قُدمت في سبيل الوطن والحرية.
تتعدد الدوافع لإنشاد هذه الأشعار التي إستندت علی الأهداف والقیم التي عاشها هؤلاء الأبطال ومنها: تخلید الذکری، إلهام الجماهیر للصمود والنضال، تعزیز الإنتماء بالقضایا المهمة للشعوب ووحدتهم، عدم نسیان التضحیة وأن الشهداء هم رموز البطولة والجهاد، تحفیز الأجیال القادمة لتبني قيم الشجاعة والتضحية والإخلاص کما فعله الأبطال الشهداء. هذا هي بعض الدوافع التي جعلتني أن أنشد أشعاراً حول هؤلاء الأبطال في طریق الجهاد والنضال وخاصة في العالم الإسلامي.
أدب المقاومة بعد طوفان الأقصى
بعد ذلك أدار الحديث عن أدب المقاومة بعد طوفان الأقصى، فسألنا الأستاذ: هل نشهد تيار جديد يمكن أن نسميه أدب طوفان الأقصى؟، فأجاب الدكتور بشير: الیوم أدب المقاومة یعکس الواقع السیاسي والثقافي والإجتماعي وحتی العسکري التي تعیشه المجتمعات المقاومة وخاصة المجتمع الفلسطیني. فإن “طوفان الأقصی” الذي أطلقها القادة الفلسطینین ضد الإحتلال الإسرائیلي الصهیوني في 7 اکتوبر عام 2023 أحدث زلزالاً عسکریاً وسیاسیاً وثقافیاً في المنطقة وفي جمیع نقاط العالم، وقد أثّر هذا الطوفان علی أدب المقاومة والنضال بشکل واسع وعمیق. فهناک تغییرات أساسیة طرأت علی أدب المقاومة بعد “طوفان الأقصی” أحاول أن أعطي هنا محاورها الأساسیة باختصار. — المقاومة خرجت عن أسلوبها في طرح معاناة الشعب الفلسطیني إلی رسم التحدي المباشر لتجسید الثقة بانتصار الإرادة أمام الهیمنة الصهیونیة.
وکذلک النصوص الجدیدة الأدبیة في هذا المجال أصبحت تُبرز الشجاعة والقدرة علی قلب المعادلات أمام العدو، مع سرد یرکّز علی إبراز هذه القدرات أکثر مما کان یرکّز في الماضي علی آلام الشعب الفلسطیني.
– إزدیاد رمزیة المسجد الأقصي في هذا الطوفان لیس فقط بأنه رمز دیني، بل أصبح أکثر من قبل، رمزاً للمقاومة الواسعة والشاملة لتحریر فلسطین و الشعب الفلسطیني.
– عالمیة طوفان الأقصی وأثرها علی الشعوب أیضاً هو من أسمی وأبرز ما شهده أدب المقاومة في هذا المجال حیث أصبحت النصوص والشعارات تتحدث بلغه جدیدة قادرة علی التواصل مع الجمهور العالمي ولیس فقط المحلي أو الإقلیمي.
وقد تداخل الشعر والنثر والوطني والعالمي والمسلم وغیر المسلم في رسم هذا الطوفان المقاوم ضد الإحتلال الصهیوني مما أضفی علی أدب المقاومة طابعاً جدیداً معاصراً یعبّر عن دینامیکیة الأحداث علی الصعید العالمي. ولذلک أصبح “طوفان الاقصی” خطاب العالم الحر في هذا العصر.
أدب طوفان الأقصى
ويتابع الدكتور حسن بشير: إذن هل يمكن تسمية التيار الجديد بأدب “طوفان الأقصى”؟ أجیب علی هذا السؤال بکلمة: نعم. وبقدرة ودراسة عمیقة لهذا الأمر الذي یمکننا أن نسمي هذا التیار الجدید بـ “أدب طوفان الأقصی” في عالمنا الیوم.
دخل أدب المقاومة بعد “طوفان الأقصى” مرحلة جديدة تتميز بالقدرة الحقیقة التي اعتمدت الثقة والإنتصار، مع استلهام القيم الإيمانية والإنسانية والأخلاقیة ولذلك فإن “أدب طوفان الأقصى” هو تيار أدبي وفني يعكس تحولات الواقع الفلسطيني علی الصعید المحلي والعالمي، ويمثّل صرخة أمل ونضال في وجه الإحتلال، مما جعله نقطة إنطلاق لمرحلة جديدة في أدب المقاومة لا یشبهه ما کتبة الأدباء والشعراء في الماضي بالرغم من أهمیة وعظمة ذلک التراث.
إذن ظهر الیوم أدب جدید یکمننا أن نسمیه بـ “أدب طوفان الأقصی” ولأسباب عدیدة أختصر بعضها هنا:
– العلاقة الزمنية والمكانية: “طوفان الأقصی” کان هو الحدث الرئیسي والذي صاغ نقطة التحول الأدبي والسياسي في القضية الفلسطينية، والأدب دائماً یحاول أن یصوغ الاحداث لیصنع العلاقة والإرتباط الزمني والمکاني لهذه الأحداث حتی تبقي حیة في المجمتعات الإنسانیة.
– صیاغة الهوية الجديدة للمقاومة: أدب “طوفان الأقصى” في حقیقته هو تعبیراً مهماً للهویة الجدیدة التی صاغها للمقاومة الفلسطینیة والتي وازنت بین قوة السلاح والصمود والمقاومة والعاطفة والإحساس المحلي والعالمي.
– صناعة لغة جديدة علی الصعید الأدبي: ظهرت النصوص الأدبیه بنثرها وشعرها وحتی علی صعید السینما وسائر الوسائط الإعلامیة بلغه جدیدة بعد “طوفان الأقصی” تعکس قدرة أدبیة عظیمة ظهرت بین طیاتها المقاومة والنضال والصمود والإیمان بالإنتصار حتی تعرف الأجیال القادمة ما جری في هذه الساحة وماذا عمل المجاهدون والمناضلون والمقاومون.
وفي النهایة أتمنی لجریدة “الوفاق” أن تکون “جریدة المقاومة” في عصرنا الحاضر وأن ترکز علی تعزیز المقاومة وطرحها من الجوانب المختلفة وتعکس مقاومة الشعوب لا فقط علی صعید المنطقة بل علی الصعید العالمي أیضاً.