ظاهرة “حُريّة التعبير” أُكذوبةٌ كبيرة

2023-01-27

عبدالباري عطوان

“حُريّة التعبير” التي يتم استخدامها على نطاقٍ واسع هذه الأيّام في العالم الغربيّ كذريعةٍ لحَرقِ القرآن الكريم، والتّطاول على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والتّكريه بالعقيدة الإسلاميّة، هذه الحُريّة التي تُعتبر دُرّة تاج الديمقراطيّة الغربيّة تتآكل بشَكلٍ مُتسارع مع صُعود الأحزاب اليمينيّة الفاشيّة في مُعظم الدّول الأوروبيّة وما حدث في السويد قد يكون قمّة جبل الجليد.

“حُريّة التعبير” باتت لهُم وليست لنا، وتتكيّف مع بعض سياساتهم ومواقفهم، العُنصريّة الطّابع على وجْه الخُصوص، ومِن المُؤسف أنها لم تعد تنطبق علينا كعرب ومُسلمين، سواءً كمُهاجرين، أو في العالمين العربيّ والإسلاميّ، خاصَّةً عندما يتعلّق الأمْر بقضايانا العادلة والقضيّة الفِلسطينيّة على وجْه الخُصوص، ولعبت دولة الاحتِلال الإسرائيلي ولوبيّاتها دورًا كبيرًا في هذا الصّدد، في ظِل غِياب شبهٍ كامِل لأيّ تحرّك عربي أو إسلامي جدّي لمُواجهة هذه الإساءات بعد اتّساع نطاقِ دائرة التّطبيع، وما يُسمّى بسلام أبراهام.

نستطيع أن ننتقد أمريكا، والصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، وسِياساتها وتاريخها، ولكنّنا لا نستطيع أن ننتقد في العالم الغربيّ المجازر الإسرائيليّة في حقّ أطفالِ فِلسطين وهدم البُيوت، والإعدامات اليوميّة للشبّان العُزّل في شوارع الضفّة الغربيّة المُحتلّة، لسببٍ بسيط وهو وجود قوانين تعتبر هذا الانتِقاد عداءً للساميّة ويُشَكّل انتهاكًا للقوانين يستحقّ العِقاب بالسّجن 15 عامًا لأنّه تحريضٌ على الكراهية، يرتقي إلى إثْمِ دعمِ الإرهاب.

القانون السويدي يُجرّم أيّ حرق لعلم المِثليين، لأنّه يُشَكّل تحريضًا ضدّ مجموعةٍ من المُواطنين في البِلاد، ولكن هذا القانون لا يُجرّم مُواطنًا سُويديًّا يمينيًّا عُنصريًّا، يحرق الكتاب المُقدّس لأكثر مِن مِلياريّ مُسلم في العالم يُقيم عشَرات الآلاف منهم في السويد ويحملون جنسيّتها.

المُسلمون في مُختلف الدّول الإسلاميّة والعالم لا يحرقون التوراة اليهوديّة، ولا الإنجيل المسيحي، ليس لوجود قوانين تُحرّم ذلك، وإنّما لأنّهم يحترمون هذه الدّيانات ومُعتَنقيها ويُؤمنون بها، ثمّ يأتي من يَرُدّ لهم هذا الجميل، وهذه الأخلاق الحميدة بحَرقِ قُرآنهم الكريم، وتحت حِماية الحُكومات وقُوّات أمنها، وتحت أُكذوبَة “حُريّة التعبير”.

جريمة حرق القرآن الكريم في السويد ستتكرّر، وربّما ستتوسّع، في ظِل تغوّل اليمين العُنصري، وغِياب القِيادات الحكيمة، وهيمنة الولايات المتحدة على أوروبا، وظُهور بوادر تُؤكّد احتِمال إطالة الحرب الأوكرانيّة، وعلى العرب والمُسلمين أن يستعدّوا للنّتائج الكارثيّة التي يُمكن أن تترتّب على هذه التطوّرات المُتسارعة وربّما يكون أبرزها تضييق الخِناق، والطّرد لملايين اللّاجئين العرب والمُسلمين المُواطنين في العَديدِ من الدّول الأوروبيّة، وترحيلهم إلى بلادهم الأصليّة.

إن اللوبيّات الصهيونيّة التي ساهمت بدورٍ كبير في تقويض قيم العدالة وأبرزها حُريّة التعبير، واحتِرام الرّأي الآخر في الغرب، وعزّزت بشَكلٍ مُباشر، أو غير مُباشر، ظاهرة “الإسلاموفوبيا” ستكون وأتباعها من أبرزِ الضّحايا أيضًا، وربّما يُفيد التّذكير بأنّ “المحرقة” لم تقع في الشّرق الأوسط أو دول المغرب العربي الإسلامي، حيثُ عاشَ اليهود مُكرّمين كمُواطنين مُتساوين وإنّما في قلبِ أوروبا.

المصدر: رأي اليوم